الأخبارالمقابلاتفارس محمود

إنه اختلاف حركات وطبقات اجتماعية…

(حوار قناة عالم أفضل مع فارس محمود حول الاختلاف ما بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي العمالي – 16 حزيران 2020)

فارس محمود

الجزء الأول

المحاور: نرحب بك فارس محمود في هذا اللقاء…

فارس محمود: أهلاً وسهلاً بك وبمشاهدي القناة…

المحاور: بعد اللقاء السابق الذي جرى في 30 تموز الذي كان حول الأرضية السياسية والاجتماعية لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وردت العديد من الأسئلة حول الفرق ما بين الحزب الشيوعي العراقي وبينكم؟ هل تستطيع أن توضح لنا هذا الفرق؟!

فارس محمود: كثيراً ما يتم توجيه لنا هذا السؤال. إن اختلافنا ينطلق من موضوعة أو الرد على سؤال أكثر اساسية. الشيء المشترك بين تسمية الحزبين هي كلمة شيوعي دون شك. ان أساس السؤال يأتي من هنا. حتى نستطيع ان نوضح الموضوع، نعود الى كلمة شيوعي، علماً اننا اردفنا شيوعيتنا بالعمالية، تمييزاً لها عن سائر الشيوعيات غير العمالية.

لنعد لكلمة “شيوعي”! ماذا تعني هذه الكلمة؟! قبل أن نعود لتفسيرنا أو تفسير فلان او فلان، نمضي للتعريف الذي طرحه قادة الشيوعية ماركس وانجلس. نذهب الى كراس دوّنه أنجلس في وقتها تحت عنوان “مبادئ الشيوعية”. تحدث هناك بوضوح عن ان الشيوعية هي “علم تحرر البروليتاريا”. المجتمع المعاصر هو مجتمع طبقي، مجتمع طبقات مستغِلّة ومستغَلّة، طبقة مضطهِدة وأخرى مضطهَدة، رأسمالية او برجوازية وطبقة عاملة. فالشيوعية هي علم إنهاء هذا الظلم والنظام الطبقي. بتحرر الطبقة العاملة يتحرر كل المجتمع. لأن أساس وجود الظلم والاضطهاد والظلم القومي والتمييز الجنسي والعرقي والطائفي واضطهاد المرأة وعمل الأطفال ووجود الجيش والشرطة بوصفهما حماة النظام البرجوازي القائم ووجود الدين هو وجود الطبقات والمجتمع الطبقي.

إذا كان هذا تعريف الشيوعية، فان شيوعيتنا تنتمي للإطار الذي حدّده وتحدث عنه أنجلس. ومثلما اكد منصور حكمت في ندوة الشيوعية العمالية الاولى ان الشيوعية العمالية هي شيوعية ماركس. إذا كان هذا المنطلق ، لن نجد بين شيوعيتنا العمالية وشيوعية الحزب الشيوعي العراقي أي تشابه. تجد الاختلاف على جميع الاصعدة. إنه اختلاف حركات اجتماعية مختلفة تنتمي لطبقات مختلفة، وتتطلع إلى أهداف مختلفة في المجتمع. وطالما ان هذا الاختلاف الأولي والجوهري والأكثر أساسية، فانك تجد انعكاسات هذا الامر في كل زاوية من زوايا العمل السياسي، في كل زاوية أو ميدان من الحياة الاجتماعية والنضالية والصراع الطبقي. تجد هذا على صعيد البرنامج، هناك اختلاف جذري على صعيد النظام الداخلي، نظرتنا للمجتمع، للطبقة العاملة ومكانتها في المجتمع، وعلى صعيد التعامل مع المنظمات المهنية هناك اختلاف جذري. في كل هذه القضايا، هناك اختلافات.

 ولكن إذا أتينا الى أكثرها جوهرية فهي تلك التي جسدها الشعار الأساسي والاستراتيجي للحزب الشيوعي العراقي “وطن حر وشعب سعيد” الذي مثّل خلاصة فكر وأهداف قومية-اصلاحية بلبوس اشتراكي. يرهن سعادة “الشعب” بتحرر “الوطن”! علماً ان هذا شعار ذو صلة بعصره، وجود الاحتلال البريطاني والاستعمار والخ. مفاده: تحرر الوطن من الاحتلال ومن الرأسمالية الأجنبية. فبدلاً من الرأسمالية الأجنبية، هناك رأسمالية وطنية، رأسمالية “تقدمية” و”حسنة”، “تنشد مصلحة الشعب العراقي”! أي بعبارة أخرى، لماذا يستغل الرأسمالي البريطاني أو الفرنسي أو الأمريكي “شعبنا”؟! لماذا لم يتم استغلاله من قبل البرجوازية المحلية والوطنية. أي أن مشكلتهم ليست مع البرجوازية نفسها، بل بكونها محلية أم أجنبية! ولهذا، مع هذا العمل، ينبغي عليهم “تحوير” أفكار الشيوعية وماركس، ويأتون بأطروحات و”إضافات” نظرية كي “تتطابق النظرية مع الواقع”، “اضافات تتحدث عن هناك برجوازية وطنية، برجوازية غير وطنية أو كمبرودارية، برجوازية تقدمية واخرى رجعية، برجوازية حسنة وأخرى سيئة! لكن بالنسبة لنا، للعامل الاشتراكي، أساس القضية هو الظلم والاستغلال بغض النظر عن ماركة هذه الرأسمالية. بالأخص ان مثل هذا الحديث قد ولى زمنه. فالرأسمال إمبريالي وعالمي والرأسماليات “المحلية” تأخذ أدوارها من التقسيم العالمي للاقتصاد.

مثلما ذكرت ان الحزب الشيوعي العراقي، تأسس في ظروف تاريخية معينة: الاحتلال والاستعمار البريطاني، وبأوضاع عالمية معينة، أي ظهور نموذج سوفيتي وقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية مقتدرة آنذاك. نموذج نقل روسيا بصورة نوعية هائلة من بلد ذي علاقات انتاج ماقبل رأسمالية واسعة الى بلد عصري ومتقدم وحديث في غضون أقل من عقدين! وهذا سر مرغوبيته للبرجوازيات المحلية غير المتطورة في ذلك الوقت. نموذج يستند الى رأسمالية الدولة وتدخل الدولة في الاقتصاد والبرمجة والخطط الخمسية.  في الوقت الذي كان هذا النموذج يحقق نتائج هائلة، كانت الرأسمالية الغربية والمجتمعات الغربية تغط في ركود وبطالة فظيعة وأزمات اقتصادية خانقة لم يجد الغرب حلا لها سوى بالديكتاتورية والحروب (الحرب العالمية الاولى 1939). ولهذا، فان اقتفاء النموذج السوفيتي وتأسيس الاحزاب الشيوعية الموالية للسوفييت لم تكن ظاهرة محلية، بل عالمية. 

ولهذا فالاختلاف هو اختلاف حركات اجتماعية. الحزب الشيوعي العمالي العراقي، هو جزء من الحركة العمالية ويمثل مصالحها وأهدافها النهائية، حزب مناهض للرأسمال والرأسمالية ويناضل من أجل إلغاء العمل المأجور وإنهاء النظام الرأسمالي. لأنه لا يمكن الحديث عن الحرية والمساواة وأي رفاه في ظل وجود النظام الرأسمالي. ولهذا، فان الشيوعية العمالية هي شيوعية ماركس، شيوعية البيان الشيوعي والايديولوجيا الالمانية وبرنامج غوتا والدولة والثورة و…غيرها، صاغ أسسها منصور حكمت. في الوقت ذاته، استند تأسيس الحزب الى دور وحضور اليسار في الحركة المجالسية والنضالات والاحتجاجات العمالية في كردستان. ومن هذا الاختلاف الجوهري الاجتماعي تبرز سائر الاختلافات الاخرى على الصعيد السياسي والاجتماعي والتنظيمي.

المحاور: من حديثكم تركزون على الطبقة العاملة والنضال الطبقي، فيما أن “وطن حر وشعب سعيد” يفتقر لهذا التحديد والبعد الطبقي، هل يقصد البرجوازية او البرجوازية الصغيرة، الطبقة العاملة فئات أخرى كالفلاحين ….

فارس محمود: اساس المسالة إنهم ينظرون للشعب ككتلة واحدة، والشعب ذو معنى “تقدمي” بالنسبة لهم. ويتمثل من البرجوازية الوطنية، “التقدمية” و”الحسنة” التي تنشد بناء البلد. عبر اي طريق بناء البلد؟! الرأسمال الوطني يوفر فرصة عمل للعامل العراقي. وتشترك البرجوازية والعامل العراقي بمصلحة واحدة، وهذه المصلحة تتجمع في المطاف الاخير بـ”خير الوطن”. أي من هناك ينمو ويتقدم الوطن. يمكن أن تجد لمثل هذا الكلام والتنظير آذاناً في النصف الاول من القرن المنصرم، ولكنه مبعث تندر اليوم. اذ رأى الجميع بأم عينه حقيقة ان ماهية الرأسمالية ليست لها اي صلة بكونها محلية أو أجنبية.

لقد كان هذا الطرح هو طرح البرجوازية الصغيرة والفئات المثقفة والمتعلمة والمسماة بالنخبة والتي تنشد مجتمع متقدم ومتطور. فئات كان لديها نقد جدي على هذا المجتمع لكونه متخلفاً، تنشد مجتمعاً كسائر البلدان المتقدمة والمتطورة. وطن برجوازيته متقدمة  وصناعية وصناعته ثقيلة ولديه جيش قوي وحدوده مصانه بقوة ولديه عملة قوية وجواز سفر قوي يمكن التباهي به ما بين البلدان. لقد كانت هذه طموحات قسم من الطبقة البرجوازية في ذلك الوقت. لقد كان هذا توجهاً أساسياً لمعظم الأحزاب “الشيوعية” الموالية للسوفييت. إنه سمة كل الأحزاب التي كانت تنشد دفع البلد بفترة زمنية قصيرة جداً لمصاف البلدان الحديثة مثلما جرى في روسيا ما بعد القيصرية.  ولهذا، فان كلمة الشعب محورية وفق هذه المنظومة الفكرية والسياسية، اي اشتراك البرجوازي والعامل بمصلحة مشتركة.

ولكن متى وقت الاشتراكية؟! يجيبوك: “لم يحن وقتها بعد”! ينبغي ان تتطور البرجوازية أولاً، وبعدها يمكن الحديث عن الاشتراكية. ان هذه منشفية صرفة. ان الاشتراكية ليست قضية مؤجلة بالنسبة لهم، وانما أمراً ليس على اجندتهم من الأساس. ليست جزء من برنامجهم السياسي. إنها والعمال لفظ فرضته عليهم الثورة، ثورة اكتوبر العمالية في روسيا…. لا أكثر! والا كيف يميّزون أنفسهم عن شقيقهم القطب الرأسمالي الغربي؟! ولكن رغم مرور عقود مديدة من التطور العلمي والتكنولوجي ومد الرأسمالية لأيديها إلى أبعد نقطة في العالم، اذا كنت تسألهم يردوا عليك: ليست وقتها. ومع انهيار جدار برلين، تخلوا عن لفظة الاشتراكية والشيوعية من الاساس على الصعيد البرنامجي والسياسي، ناهيك عن العملي.

الطبقة العاملة غير مستعدة؟! نعم، ولكن دور الأحزاب ومهمة الأحزاب الشيوعية والعمالية هو إعداد الطبقة العاملة نحو هدفها النهائي، إنهاء المجتمع الرأسمالي وإرساء مجتمع يستند الى حرية الانسان ورفاهه ومساواته، مجتمع اشتراكي.

ومثلما ذكرت ان مثل هذا الكلام يناسب مرحلة سالفة كانت فيه الطبقة العاملة محدودة كمياً ونوعياً وغير ناضجة بعد من الناحية السياسية والفكرية والعددية وغير مدركة بعد بوضوح لمصالحها الطبقية الخاصة.

المحاور: أختار ماركس وأنجلس في البيان الشيوعي مصطلح الشيوعية وأطلقوه على حركتهم لتمييزها عن سائر الاشتراكيات القائمة في عصرهم. هل إضافة كلمة عمالي هي تشبه من حيث الشكل والواقع تلك التسمية التي أطلقا ماركس على حركته؟

فارس محمود: لقد وضّح منصور حكمت بدقة هذا الامر في “اختلافاتنا”. ان القضية التي واجهها منصور حكمت هي ذات القضية التي واجهها ماركس في وقته. إذ فتح منصور حكمت والرعيل الأول للشيوعية العمالية عينيه على حقيقة ان شيوعية عصرهم ليس لها اي ربط بشيوعية ماركس والطبقة العاملة وتحررها النهائي. لقد تناولنا هذه النقطة كثيرة في أدبياتنا، وخصص منصور حكمت وبرنامج الحزب عالم أفضل عنواناً كاملاً تحت اسم “الاشتراكية البرجوازية والاشتراكية العمالية”.

كانت هذه الاشتراكيات ترد على متطلبات لحظة تاريخية من عصرها من زاوية قسم من برجوازية بلدها. الاشتراكية الماوية هي اشتراكية التحرر من الاستعمار في بلد فلاحي متخلف من الناحية الصناعية. النموذج الموالي للسوفييت هي اشتراكية البلدان المتخلفة التي تئن تحت سيطرة الاستعمار والاحتلال والفقر. ومن يقف ضد الظلم القومي وينهي الاحتلال يرفع راية الماركسية، ومن يتحدث عن تحرر المرأة يرفع راية الفيمنستية الاشتراكية. ولكي تمضي لحرب الدكتاتوريات في امريكا اللاتينية، عمدت أطياف معينة واسعة من مثقفي ومتعلمي الطبقات الوسطى على رفع راية الماركسية وجعلت من الماركسية كراية لنظريات “العنف الثوري” و”الكفاح المسلح” وغيرها. اي ينتزعوا عبارات من ماركس ويحرّفونها، اي وجدوا في “دور العنف في التاريخ” لأنجلس وثيقة لتبرير حركتهم وممارستهم التي لا صلة لها بتحرر الطبقة العاملة ونمط العمل الشيوعي. وجعلوا من العنف ركيزة من ركائز ومبادئ الماركسية (!!)، في الوقت التي هي ليست كذلك. فالعنف مربوط فقط بمقاومة البرجوازية.  حرّف كل منهم ماركس حسب حاجات حركته وأهدافها.

مع انهيار جدار برلين والنموذج الاقتصادي لرأسمالية الدولة، أداروا جميعهم ظهرهم لماركس وباتوا يتحدثون عن “انها افكار قديمة” “افكار مرحلة الشباب والصبا”. حين تم توجيه سؤال لعزيز محمد نفسه، السكرتير الاسبق للحزب الشيوعي العراقي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عن رأيه الان بديكتاتورية البروليتاريا والثورة الاشتراكية اجاب بما معناه انها اوهام مرحلة الشباب. لأنه تم تبني الاشتراكية في وقتها من قبل أية حركة كانت تنشد تحقيق امراً ايجابياً ما في المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى