الجريدة العمالية، والشيوعيون
الجريدة أداة تحريضية ودعائية ومنظمة كما قال لينين في كتابه (ما العمل)، وما زالت تلك العبارة تحتفظ بقيمتها ومكانتها وفعاليتها الى يومنا هذا.
الطبقة البرجوازية الحاكمة في كل بلدان العالم، بالرغم انها تملك الفضائيات والمواقع الالكترونية والجيوش الالكترونية إلا أنها لا تتخلى ابدا عن صحفها سواءً الورقية أو غير الورقية، حيث تدرك أهمية الجريدة بالتعبير عن سياستها ومواقفها وقدرتها على التعبئة وتأطير وعي المجتمع وخاصة الطبقة العاملة بما يخدم مصالحها السياسية التي هي تعبير بشكل آخر عن إبقاء هيمنتها الاقتصادية. ولذلك نجد المئات اذا لم نقل الاف من الأقلام المأجورة التي تكتب وتحاول قلب الأكاذيب الى الحقائق، وفي حالة عدم قدرتها على ذلك تعمل على تشويهها كي تبرر سياسات الطبقة الى تدفع اتعابها، فهي تبرر الحروب الامبريالية، وتسمي الهجمة على معيشة العمال والكادحين بالإصلاحات الاقتصادية، والقوانين التي تمنع حق الإضراب والتظاهر والتنظيم لحماية الامن القومي، وقمع الحريات الفردية للحفاظ على تقاليد المجتمع والحيلولة دون خدش الحياء والأخلاق… الخ من تلك التفاهات والسخافات التي لا تعد ولا تحصى.
وبالنتيجة تنفق البرجوازية، كل ذلك الجهد من أجل تشويه وعي المجتمع ودق اسفين بين العمال بتعريفهم على أساس قومي او ديني او عرقي او جنسي، وتحريف نصال نضالهم تجاه بعضهم وتعبئتهم وقولبة حركتهم الاحتجاجية بأطرها السياسية كي يكونوا وقود لحرب برجوازيتهم من أجل مصالح ليس ناقة لهم فيها ولا جمل.
الشيوعيون ينتمون الى الطبقة العاملة، و يستندون اليها، هم يمثلون تيار اصلي في صفوفها، وليس تيار دخيل او فرض نفسه عليها مثل التيارات البرجوازية؛ القومية والدينية والطائفية والديمقراطية والليبرالية. وأنه أي الشيوعيون كما يقول عنهم ماركس وانجلس لا يختلفون عن بقية التيارات داخل الطبقة العاملة الا في نقطتين، حيث يبرزون المصالح المستقلة والعامة والشاملة للطبقة العاملة، وفي مختلف نضالات الطبقة العاملة يمثل الشيوعيون المصالح العامة للحركة بكاملها.
إن تطور أساليب البرجوازية من اجل ترسيخ هيمنتها الفكرية والسياسية والاجتماعية وادامة سلطتها قطعت أشواط كبيرة، وهي اختبرت تجربتها منذ كومونة باريس وبعد ذلك ثورة أكتوبر، واكتسبت وعيا كبيرا بمقولة ماركس الذي جاء في (البيان الشيوعي) بأن البرجوازية جاءت بحفار قبرها وهو البروليتاريا، وبأن الأخيرة عندما تقوم بثورتها لا تخسر إلا اغلالها.
إن سيادة البرجوازية على المجتمع لن تكون فقط عبر مؤسساتها القمعية وسجونها وقضاتها وجيشها البيروقراطي من الموظفين، التي تمارسها في أوقات الحرب الطبقية بمختلف اشكالها، بل يكون في أوقات السلم عبر التحميق الفكري والسياسي، عبر نشر الدين وتحويله الى صناعة يديرها محترفون من رجال الدين وخريجو ما يمسى “الحوزات العلمية” والأزهر والكنيسة، وعبر مراكز الدراسات والأكاديميات والجامعات، وتدفع آلاف من الدولارات للواعظين في قنواتها التلفزيونية وتخصص ساعات لإلقاء المحاضرات في برامج خاصة لنشر الترهات في خلق عالم في السماء يحلق فيه المحرومون للحيلولة دون مد يدهم الى أدوات الثورة وقلب النظام في الأرض الذي يولد في كل لحظة الحرمان والعوز والحروب.
وعليه أن مهمة الشيوعيين تتقوم في مواجهة هذا السيلان الفكري والسياسي الذي فتحته البرجوازية على الطبقة العاملة، والعمل على إزالة العوائق الفكرية والسياسية والاجتماعية أمام رفع وعي العمال وتنظيمهم.
ان اكثر الأدوات التي ترعب البرجوازية هو التنظيم ووحدة الصف، لأنه الخطوات متقدمة من الوعي داخل الطبقة العاملة كي تشعر بقوتها الطبقية، وانها أيضا مقدمة لفصل افاقها عن آفاق التيارات البرجوازية.
من هذه الزاوية تكتسب (الجريدة العمالية) أهميتها، فهي اداة لا من اجل عرض معاناة العمال وظروف معيشتهم، التي هي واحدة في كل مكان، من مدن العراق، والشركات التي تستثمر في قوت العمال سواء العراقية الوطنية او الأجنبية مثل الشركات الامريكية والإيرانية والتركية والصينية والفرنسية والروسية والإيطالية والكورية الجنوبية، انما هي أداة لتوحيد العمال وتنظيمهم ورفع وعيهم كطبقة قادرة على تغيير موازين القوى لصالح الغالبية العظمى في المجتمع. وكما يقول لنا منصور حكمت ان الطبقة العاملة عندما تحرر نفسها تحرر بالضرورة المجتمع.
أن (الجريدة العمالية) تكتسب أهمية كبيرة في صراعنا السياسي والاجتماعي، وانها لا غنى عنها، وعلى الشيوعيين استخدامها مثل استخدام الجندي في المعركة السلاح الذي بحوزته كي يدافع عن نفسه أولا والانتصار على العدو ثانيا.
ان الشيوعيين يعرّفون انفسهم بانتمائهم الى حركة اجتماعية، حركة الطبقة العاملة، وان الجريدة العمالية هي جزء من هويتهم الطبقية، ولا غنى عنها بدونها، ولذلك عليها ان تدرك ان مكانتها بالنسبة لهم تكتسب أهمية كبيرة ضمن العوامل التي تفتح الطريق نحو الانتصار على عدوهم الطبقي، وهذا هو الرد على عدد من الشيوعيين الذين لا يأبهون او لا يبالون ويكترثون لمكانة (الجريدة العمالية)، و يستعيضون عنها بوسائل أخرى مثل شبكات التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد الأخيرة لها أهميتها، ولكن عندما يعمل العامل-ة لساعات طويلة ويعود الى أسرته منهكا ومتعبا، وينشغل مع المشاكل الحياتية اليومية لأسرته ومطلوبا منه أن يرد عليها، فمن اين يأتي العامل بالوقت كي يتصفح شبكات التواصل الاجتماعي.
ان (الجريدة العمالية) يجب ان ترتقي بعمل الشيوعيين، لا فقط عبر تشكيل شبكة مراسلين في أماكن العمل ومعيشة العمال، وتعريفهم بأوضاعهم وتسليط الضوء على أن عدوهم الطبقي واحد، وبغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها والبلدان التي أتى منها والهوية القومية التي يحملها، بل أيضا عليهم الارتقاء بها، يتم توصيلها عبرهم الى أيادي العمال في كل مكان، وحث العمال وتشجيعهم بالكتابة لها، والارتقاء بشكل الجريدة وكتابة التقارير والمقالات، والدراسات الأبحاث التي تجيب على المعضلات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تقف أمام تطور نضالات العمال، وان تنافس (الجريدة العمالية) مع بقية الصحف البرجوازية على صعيد المواضيع والشكل والإخراج الصحفي والاحترافية بالعمل الصحفي.