المقابلات

حول احتلال البرلمان ومعضلة تشكيل الحكومة!

(جريدة أكتوبر، لسان حال الحزب الشيوعي العمالي في كردستان تحاور خسرو ساية- رئيس المكتب السياسي للحزب)

اكتوبر: في أواخر تموز، احتل أتباع مقتدى الصدر  بناية البرلمان لعدة ايام. أتى ذلك اثر قيام خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي بعقد اجتماع للدفع بتشكيل الحكومة دون التيار الصدري! ان ما قام به التيار الصدري هو استعراض للقوى، وقد استخدمه كتكتيك للحيلولة دون عقد اجتماع البرلمان واحباط عملية انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة بعدها! كيف تنظرون الى هذا الحدث؟

خسرو ساية: ان جذر هذه الاحداث هي الازمة السياسية والحكومية التي دفعت القوى البرجوازية والأجنحة الشيعية لمجابهة بعض. إنها ازمة بنيوية تتمثل في تشكيل حكومة نصبتها امريكا على أساس المحاصصة القومية والطائفية وقواهم المليشياتية باسم الديمقراطية. حكومة ومنظومة تتناقض تماماً مع أماني الجماهير الكادحة وتطلعاتها ومطالبها. حكومة وقفت من الايام الاولى ضد احتجاجات الجماهير التي عمّت ساحات المدن من أجل الخبز والعمل والامان والحريات. ان الأحداث الأخيرة وتلك المواقف التي اتخذها التيار الصدري هي دورة اخرى من صراع الأجنحة البرجوازية القومية والطائفية، وهي استعراض لحسم هذه الازمة الحكومية الجارية لسنوات والتي اخفقت وفشلت في ادارة المجتمع والرد على مطالب الجماهير.

برزت هذه الاحداث اثر انتخاب البرلمان وفشل مساعي البرجوازية، بدعم امريكا، بتشكيل حكومة جديدة. بالأخص بعد انتهاء حرب داعش والحرب بالوكالة، وضعت البرجوازية على سكة تشكيل حكومة تنهي المحاصصة وتلجم القوى المليشياتية، حكومة ذات ثبات ودوام بوسعها على الأقل ترسيخ سلطاتها في المجتمع وتوفير أجواء هادئة لسوق العمل والرأسمال وتوجه الرأسمال العالمي من السوق العالمية. إن شعار الصدر بوجه خصومه الذين يطلبون “حكومة توافقية” هو “حكومة أغلبية وطنية” يكشف عن هذه الحقيقة. بيد ان تشكيل حكومة مرغوبة ومنشودة للبرجوازية في العراق تنهي المحاصصة، واذا ما أخذنا بالاعتبار وجود نفوذ ايران وتركيا في العراق، ستضع دون شك تيارات أمام وضعية صعبة وينبغي  طردها من صراع القوى  او فرض التراجع عليها، وهو الأمر الذي لن تقبل به مطلقاً أطراف أخرى من مثل “الاطار التنسيقي والحشد الشعبي”. ان عجز الصدر عن تشكيل حكومة اغلبية وطنية وانسحابه من البرلمان ومن جهة اخرى مساعي المالكي والحكيم والطالباني في الاطار التنسيقي من اجل تشكيل الحكومة يكشف عن هذه الوضعية واحتدام صراع الأطراف في رحم الازمة الحكومية التي أشرت لها.

اكتوبر: هل تعتقدون ان هدف الصدر الحقيقي هو الدفاع عن الجماهير وضد فساد الحكومة او استعراض قوى بوجه خصومه وصراعهم على السلطة؟ هل تعتقدون ان رسالته قد وصلت، ولهذا، انهى استعراض القوى هذا ام خوفه من تطور الاحداث صوب حرب أهلية بين كلتي جبهتي الخصوم ام ان تهديدات ايران لمقتدى أوصلت لهذا الوضع؟

خسرو ساية:  من أجل الدفع بسياساته، يعمل كل حزب برجوازي باسم الجماهير ومطالبهم. ان مقتدى الصدر هو جزء من المنظومة وسلطتها و ان اقدامه غارقة في ذلك الفساد والنهب الذي تقيمه الاطراف المشاركة في العملية السياسية، وليس بوسعه ان يفصل نفسه عن تلك الجرائم واعمال القمع والفوضى الامنية. للصدر وزراء في الحكومة وعشرات الادارات، وله قوى مسلحة و”سرايا السلام”  وامكانات اقتصادية ودعم امريكا والدول العربية، وهو جزء من قمع الاحتجاجات الجماهيرية، بالأخص في انتفاضة تشرين حين هجم “اصحاب القبعات الزرق” على المتظاهرين. فكيف بوسعه ان يتحدث كما لو انه خارج الفساد والقمع! ان الادعاء الذي يقوم به الصدر ضد الفساد وانعدام الحقوق الذي فرضته القوى القومية والطائفية وقواها الميليشياتية على الجماهير هو دعاية لتبرير الحرب من أجل السلطة، ولا يتعلق قط باستئصال الفساد والجريمة وتامين الخدمات والحقوق. في الحقيقة ان هذه الدعاية والعمل بالأساس هو انقلاب على احتجاجات الجماهير واشاعة الأوهام بينها ومسعى لحرف نضال الجماهير التي جعلت السلطة القائمة هدفا لها.

فيما يخص احتمالية اندلاع الحرب الأهلية، إن هذا خطر يحوم واحتمال قائم. ولكن في الوقت الراهن الذي اعلنت فيه مجمل الاطراف عن دعمها لـ”تغيير مدني وسلمي” هو دليل على ان اجنحة البرجوازية لا تريد أن تتجابه بصورة مسلحة، بالأخص في ظل وجود الاحتجاجات الجماهيرية في الميدان والاوضاع الشاقة للجماهير الكادحة ومعيشتها. ولهذا فان كل هذه لا توفر مجال لاندلاع حرب اهلية. علينا ان لا ننسى ان وضعية العراق هي جزء من وضعية المنطقة، اذ تشترك الان كل الدول، وفي مقدمتها امريكا وأوروبا والسعودية وقطر في نقطة الا وهي اعادة النظام الامني لمنطقة الخليج يكون العراق فيه محوراً، كي يتوفر الأمان لحركة الرساميل. ان هذا يعني ان جميع الاطراف في مسعى للحيلولة دون اندلاع الحرب والانفلات الامني ويبعدوا العراق ودول المنطقة من الصدام والفوضى بشكل من الاشكال.

فيما يتعلق بالقسم الاخير من سؤالكم، ان لإيران تأثير على وضعية العراق دون شك. اعتقد ان تهديدات ايران للصدر هي حول ان لا يدفع لتعقيد الوضع أكثر وتضع حدا له كي تتمكن الاطراف من الاتفاق على سبيل حل ما. رغم مساعي امريكا وايران اللتان تنشدان تهدئة الاوضاع والخروج من ازمة السلطة، بيد ان المعضلة الاقتصادية والسياسية التي تمسك بخناق الحكومة والصراعات ما بين اجنحة البرجوازية لا تجعل من السهولة انهاء هذه الصراعات.

اكتوبر: يدعو الصدر لانتخابات مبكرة، الى اي مدى يمكن تنفيذ سبيل الحل هذا؟  هل تحل الانتخابات هذه الوضعية؟

خسرو ساية: تبين المؤشرات لحد الان الى ان قسم من الاطراف قد رحب بمقترح الصدر حول الانتخابات المؤقتة، فيما لم يعلن الاخرون لحد الان عن اعتراضهم الواضح عليها. حتى ان امريكا نفسها وممثل الامم المتحدة، “بلاسخارت” لم ترفضا طلب الصدر هذا. ان هذا مؤشر على ان مقترح الصدر ب”انتخابات مبكرة” هو لجر الصدر للمعادلة السياسية وتخفيف صراعات الاطراف والوصول الى الجلوس والتوافق. ينبغي عليّ القول ايضاً ان برنامج التيار الصدري هو ليس الثورة على مجمل المنظومة والسلطة اللتان هو جزء منها. في المطاف الأخير، يمكن استخلاص سياسة من موضوعة الاصلاحات التي يتحدث عنها الصدر يومياً الا وهي التوافق مع خصومه.

ولكن هل تصلّح “الانتخابات المبكرة” الوضعية او تحلها ام لا، برأيي اذا وافقت كل الاطراف على مقترح الصدر هذا، فان الصراعات حول السلطة تنتقل لمرحلة اخرى، وهذه المرة حول قانون الانتخاب وتشكيل مفوضية الانتخابات  وتوقيت واسلوب الانتخابات، وليس معلوماً من الناحية القانونية ( في الوقت الذي فيه الحكومة حكومة تصريف أعمال وانقضى وقت طويل على عمر رئاسة الجمهورية)، فكيف يقومون بذلك! ان الانتخابات المؤقتة لا تحل المشاكل السياسية ولا الازمة الحكومية والاقتصادية التي تغط بها البرجوازية والطبقة الحاكمة في العراق دون شك. باعتقادي ان الانتخابات المبكرة هو طرح بوجه  تلك الحركة الاحتجاجية المناهضة لكل الوضع  ومن اجل الخبز والعمل والخدمات والتي تمسك بخناق السلطة يومياً، حيث تسعى الى اشاعة الانتظار وترقب الانتخابات وتجعل الجماهير فريسة الوهم.   

اكتوبر: ان اي تغيير يجري على الوضع السياسي في العراق يترك تاثيراً مباشراً دون شك على الوضع السياسي ومسألة السلطة في كردستان. مع احتمالية تعمق الصراع وانفلات الاوضاع السياسية والامنية في العراق ألا يؤثر بصورة مباشرة على الوضع السياسي في كردستان. بالأخص تاثيراً مضراً على حياة معيشة الناس؟

خسرو ساية: ليس بوسع كردستان ان تفصل نفسها دون شك عن تدهور وانفلات الوضع في العراق وتلك الازمة الحكومية والاقتصادية القائمة، وكذلك الصراعات القائمة بين تيار الصدر والاطار التنسيقي. ان هذه الاحداث الجارية في بغداد ستكون سبب الحاق ضرر بالحركة التجارية وجلب وارسال البضائع على كلا الجانبين، ان هذا يبطئ السوق و يجعله في حالة انتظار وترقب. وجراء عدم ارسال الحكومة العراقية مخصصات ومالية الاقليم، ستتعرض رواتب الموظفين والادوية والضروريات الصحية وتوفير المواد الغذائية و… غيرها الى اشكالات جدية. ان احد نتائج هذا الامر هو ظهور الغلاء وتنامي البطالة. ومن الناحية السياسية، ان هذه الوضعية تجعل الاحزاب القومية، ومن ضمنها اطرافها المعارضة، تدور حول فلك القوى العراقية وتصطف حول الاطراف المتصارعة. وجراء انسحاب الصدر من البرلمان، غدا الحزب الديمقراطي اسير الانتظار والترقب، وذلك لأن التحالف الذي كان قائماً بينه وبين الصدر والحلبوسي غدا غير موجود. اذ ترى هذا القلق بوضوح في احاديث فاضل ميراني الاخيرة وانتقاداته للصدر، إذ ان البرزاني والحزب الديمقراطي يضيعون الوقت بالانتظار. وقبل بدء هذه الاحداث، كان الاتحاد الوطني يتعقب موضوعة رئاسة الجمهورية ولم يكن على استعداد للاتفاق مع الحزب الديمقراطي، فيما يقوم الان بافل طالباني بالاجتماع مع مسعود البرزاني كي يصلا الى “موقف مشترك مع البارتي”.

زد على هذا، تتحدث أحزاب السلطة عن ان “استراتيجيتهم في بغداد”، فيما ترى الاطراف الاخرى ان “طريق بغداد” هو سبيل حلهم. ومع بدء هذه الأحداث وتفاقم الصراع بين أجنحة الشيعة، اتخذ كل من هذه الاطراف احد الجانبين.  وبهذا، تعاظم الشق ما بين هذه الاطراف، وغدا من الصبح تحقيق تقارب فيما يخص قضايا كردستان. من جهة أخرى، هناك قضايا ما بين الاقليم وبغداد، من بينها مسالة النفط والغاز، تدخل تركيا وايران، كركوك والمناطق المتنازع حولها، قضية العائدات وحصة ميزانية الاقليم في بغداد… كل هذه القضايا ستتأثر بالوضعية في العراق وتجعل حلها اقرب الى المحال. باختصار، ان الاحداث الراهنة في العراق، تجعل كردستان بانتظار حسم هذا الوضعية فيما ليس هناك افق حل امامها. وان هذه جميعها ستترك اثاراً مخربة على جماهير كردستان.

ولكن ينبغي ان لا يغيب عن بالنا ان الحركة الاحتجاجية والجماهيرية اليوم في مدن العراق وكردستان، ومن حيث مضمونها، تتجه صوب إزاحة هذه السلطة. ومن حيث المطالب، فان بينهما تماثل كبير وهناك تضامن كبير معهما. وان هذا الامر يقرب بعضهما إلى البعض، ويتهافت هذا الشق الذي خلقته النزعة القومية الكردية، وفي حالة استمرار الازمة الحكومية في العراق وكردستان وكذلك في حالة استمرار الاحتجاجات، تتوفر للحركة الاحتجاجية في كردستان فرصة واقعية للتنسيق والاتحاد مع باقي مدن العراق. وان هذه هي النقطة التي ينبغي ان يركز عليها الشيوعيين وناشطي الاحتجاجات.

اكتوبر: بعد بدء التظاهرات الموالية للصدر، وجه “الجيل الجديد” نداءا لجماهير كردستان للتظاهر في عموم كردستان ضد الفساد وانعدام الحقوق وظلم البارتي واليكيتي للجماهير. ما هو تقييمكم لهذا النوع من النداءات والمواقف السياسية، اي تلك التي يتخذها “الجيل الجديد”؟ كم ان هذا لصالح الجماهير؟ هل هي فرصة فعلاً لإبراز احتجاج الجماهير على السلطة الفاسدة والمافيوية للبارتي واليكتي وشركائهم؟

خسرو ساية: ان هذه التظاهرات التي وجه لها الجيل الجديد نداءاته لا تعبر بأي شكل كان عن مطالب الجماهير ولا عن تحقيقها، بل كانت حركة حزبية تزامنت مع السيطرة على البرلمان في بغداد. انه ينشد الاستفادة من توازن القوى الذي خلقه الصدر عبر حركة حزبية يمارس عبرها الضغط على السلطة كي تجري انتخابات في الاقليم بسرعة. من الواضح ان الجيل الجديد يحتاج من هذه الخطوة زيادة عدد كراسييه ، ويستخدم لهذا مطلب وغضب الكادحين الحق والعادل كأداة من اجل مراميه. هذا في وقت ان احتجاجات الجماهير تجري بأسلوبها وحول مطالبها المستقلة. ليس من المقرر ان تطالب الجماهير بالخبز والعمل من حكومة رأسمالية ومن اصحاب الشركات وتمضي لذلك تحت خندق رأسمالي وصاحب شركة مثل شاسوار عبد الواحد الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة والسلطة. برأيي اذا ارادت جماهير كردستان تحقيق مطالبها، عليها ان تدخل الميدان بحركتها المستقلة وبعيدا عن احزاب السلطة والمعارضة على السواء. ينبغي ان لا نسمح ان نكون طعم لطرف مثل الجيل الجديد كي يتم تقديم الانتخابات. بالأخص لا تقديم الانتخابات او تأخيرها، بل ان كل البرلمان وحكومة هذه الاحزاب قاطبة تقف على الضد من حياة الجماهير ومطالبها، وبينت تجربة ثلاثة قرون سابقة هذه الحقيقة مرات ومرات.      

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى