وقعت أكبر مأساة، لغرق سفينة في البحر قرب السواحل اليونانية؛ حيث أدت إلى مقتل نحو 80 شخصا على الأقل، بينما جرى إنقاذ 100 من أصل 750 شخصا كانوا على متنها، بينهم 100 طفل، ولا يزال البحث عن الباقين مستمرا حتى هذه اللحظة. ان حجم هذه المأساة كبير هذه المرة قياسًا الى المآسي اليومية الاخرى التي يؤدي بغرق عشرات الهاربين من الجحيم في بلدان الافريقية والشرق الأوسط وافغان وباكستان وايران…
يحاول الاعلام البرجوازي وقنواته ان يقلي اللوم على المهربين وسماسرة التهريب وطمعهم بشأن هذه المأساة، وليس على سياسات هذه الطبقة في كل دولة وفي مقدمتها الغرب. ان الدول الغربية لا يهمها موت الالاف من البشر هربا من جحيم بلدانهم، وانما يهمهم كيفية إيقاف والسيطرة على هذا التدفق من اللاجئين بحثا عن الأمان. لنلقي نظرة عن الأسباب الهجرة.
ان الدول الغربية وامريكا خاصة تشعل الحروب وتغذي الصراعات في مناطق عديدة من العالم. في الشرق الأوسط هناك صراع تاريخي بين الدولة الإسرائيلية والشعب الفلسطيني وتقتل وتصيب العشرات يوميا من الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي واصبح هذا المكان جحيما، ولاسيما قتل الأطفال. وفي سوريا واليمن وليبيا هناك اشعال الحروب الاهلية وتصارع الجماعات السياسية فيما بينهم وتقتل العشرات يوميا وحتى البيوت والملاجئ لم تستطع ان تحمي مواطني هذه البلدان وعوائلهم … والصراعات في أفريقيا بين الدول الغربية وروسيا والصين، والتي انتجت خلق عصابات عديدة تهاجم القرى والبلدان وتقتل ساكنيها من اجل السيطرة عليها… والصراع الهندي والباكستاني، وفي أفغانستان وفي هذين البلدين جعلت الحياة جحيما نتيجة صراعات الجماعات الموالية لاحدهما ضد الاخر ونتيجة لذلك تخلق بيئة مليئة بالصراعات الرجعية … بالإضافة الى كل هذه الصراعات والحروب ، هناك تقسيم للعالم اقتصاديا بين الدول الغنية المونوبولية الصناعية والدول تحت السيطرة والتابعة لهذه الدول والتي تشتد فيها القمع والاستبداد نتيجة ضرورة خلق معدل مناسب للربح والرأسمال للشركات والدوائر المالية الغربية والتي تخلق جحيما لا يطاق للطبقة العاملة والمحرومين في المجتمع.
ان هذا التقسيم السياسي والاقتصادي يدفع الناس للبحث عن حياة آمنة ومستقرة، والغرب احد اهم الأماكن المناسبة للجوء اليها، ولكن جعل الوصول الى هذه البلدان امرا صعبا للغاية ولهذا تخاطر الناس بحياتها وبحياة عوائلهم واطفالهم ومقتنياتهم، من أجل الوصول الى بر الأمان، ولكن مخاطرة كهذه تؤدي دائما إلى دفع الثمن غاليا، بحياتهم امام الأمواج المخيفة للبحر او الحقول والغابات مشيًا على الاقدام أيام واسابيع في مناطق البرد والجوع وينجون منها بصعوبة أن حظيت لهم الفرصة النجاة… وفي مواجهة هذه الحالات ومنع وصول الهاربين من جحيم بلدانهم الى هذه البلدان هنالك مئات الاتفاقيات بين الدول وتصرف عشرات المليارات لمنع هذا التدفق من المهاجرين من الدول الفقيرة وبؤر الصراعات الى الدول الغربية وامريكا. ولكن لان الدول الغربية الرأسمالية لا يهمها حياة البشر ولا يهمها موت عشرات الالاف سنويا في البحار غرقا، لا يلتجئ الى الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث المأساوية وانما تلقي اللوم على المهاجرين في اكثر الاحيان ومن ثم تلوم المهربين لنقل الناس الى هذه الدول الغربية وتتهم المهاجرين بسلك الطرق غير الرسمية للهجرة. والطرق الرسمية تناسب فقط الأغنياء وأصحاب الأموال للهجرة. اليس هذا نفاق واضح مثل وضوح الشمس ؟
ان استثمار مئات المليارات من الدولارات في التنمية الاقتصادية في البلدان الفقيرة ليس امرا صعبا بالنسبة للبرجوازية ولكن التنمية بالنسبة للغرب البرجوازي تعني تنمية أرباحها ورأسمالها ولا تعني التنمية الاقتصادية والبشرية من وراء هذه الاستثمارات حتى وان كان ضمن قوانين الرأسمال نفسه… ان جني الأموال الطائلة من وراء الصراعات والحروب وتشديد العمل وتدني الأجور والاستبداد السياسي هي السياسة الاصلية للغرب الرأسمالي والتي تتبرع جزء من هذه الارباح للحكومات المستبدة من أجل السيطرة وسيطرة أجهزتها وآلة قمعها…
الناس تهرب من هذا الجحيم وتخاطر بحياتها بحثا عن أماكن مستقرة وأكثر أمانا لبقاء ومعيشة عوائلهم. هذا حق طبيعي لكل بشر ولكل فرد، ان يعيش بسلام وبأمان وبعيدا عن الخوف الجوع وهاجس البطالة ورعب الحروب ولكن النظام الرأسمالي لا يبقي شيئا وان لا يستثمر فيها أرباحه وطموحه، ولا يهم من يكون الضحية ولا يهم ان هنالك ظروفًا لا تطاق مادام تأتي بالربح الأكيد.
ان الذي رأيناه هذه الأيام، غرق السفينة والضحايا من الأطفال والنساء والشباب توجع قلب كل انسان شريف في العالم وتطرح مئات الأسئلة عن سبب هروب الناس بهذه الاعداد وبهذه المجازفة المصيرية بحياتهم وبحياة أطفالهم وعوائلهم بحثا عن أماكن امنة! قلوبنا تمتلئ بالحزن الشديد عندما نرى هذه المشاهد المأساوية بغرق السفن الجثث طافية وهامدة على سطح البحر وربما نلعن هذا النظام الرأسمالي مئات المرات يوميًا. نلعن طبيعتها، قوانينها، وسياستها وبرلماناتها ، وجيوشها وقواتها الأمنية، وسياسييها ورجالها واكاذيبها، وقنواتها الاعلامية الكاذبة ، وجامعاتها ومدارسها ومؤسساتها والتي لا تنشئ الا من يخدمها ويخدم عملية انتاجها ورأسمالها وارباحها… وحتى نلعن سفنها وبحارها غير الامنة ونلعن مؤسسات والقوة النهرية للإنقاذ التابعة لهم و…الخ. ان النظام الذي لا تتماشى مع طموحات الإنسانية وافاقها ومستقبلها عليه ان يتبدل بنظام اخر، هذا ما نطمح ونتمنى ان يتحقق وهي إزالة الورم من جسد البشرية الى الابد، من اجل عالم أفضل يليق بالبشرية.