المقالاتمنصور حكمت

فلسطين: من الاستقلال إلى الحرية

منصور حكمت

تواصل حكومة اسرائيل حربها المشؤومة على أطفال فلسطين. إذ قتلت بالرصاص اليوم (16 تشرين
الثاني) تسعة أشخاص اخرين من بينهم طفل في التاسعة من عمره. وزيادة على ذلك، تشتكي اسرائيل
لأمريكا من عنف الفلسطينيين! ان أكثر من 90% من الـ 240 ضحية في الأحداث الأخيرة هم من
الفلسطينيين، والقسم الأعظم منهم أطفال وفتية. وفق قاموس أي كان، تعد هذه جريمة حرب. انها إبادة
جماعية. انها نموذج صارخ على الارهاب الدولي. في الوقت الذي يواصل رؤساء الحكومات الغربية
وصناع وسائل الاعلام الدفاع الأحادي الجانب عن اسرائيل وكتمان تلك الحقائق، فان الرأي العام في
الغرب وحتى المراسلين والصحفيين الغربيين يتحدثوا لصالح الفلسطينيين وضد حكومة اسرائيل. بعد
انتهاء الحرب الباردة، تعد التعبئة في الغرب ضد الفلسطينيين وضد العرب بمثل ما كان عليه سابقاً أمراً
مستحيلاً. ان هذه الهوة والشق الكبيرين ما بين الدعاية الحكومية وفهم الجماهير للأحداث الجارية في
فلسطين ستبرز عاجلاً أم آجلاً. ان يفقد طفل فلسطيني حياته وهو في طريقه للمدرسة أو في أحضان
والده، يواجه المجتمع بالرياء الذاتي للأفكار السائدة والخط الرسمي. انه لمبعث شك أن تتمكن الحكومات
الغربية من مواصلة الدفاع الأعمى وغير النقدي عن اسرائيل أمام العرب لسنوات أخرى.
 
ليس ثمة شك في ان قسم كبير من جماهير اسرائيل تنشد السلام أو صلة إنسانية وتقر بعمق الظلم الذي
جرى على جماهير فلسطين طيلة نصف القرن هذا. بيد ان هذا ليس بكافٍ. لإسرائيل يمين قومي وديني
قوي ونشط جدا يعمي، مرحلة مرحلة، وفي كل خطوة، أفق حل انساني. ف(اسحق) رابين لم يقتله
العرب، انما هم (اليمينيين-م) من قتلوه. ينبغي إلحاق الهزيمة النهائية بهذا اليمين عبر صراع سياسي
داخلي للطبقة العاملة واشتراكية والنزعة التقدمية في هذا البلد. لم يحدث هذا بعد. بدون حسم هذا الأمر،
ليس ثمة أمل بسلم دائم وسبيل حل عادل. ليس بوسع اسرائيل قومية ودينية أن تكون أحد طرفي سلام
عادل في المنطقة. ان استقلال فلسطين خطوة مهمة للأمام. ان هذه الخطوة ليست ممكنة فحسب، بل لا
مناص منها الآن. يحسّن استقلال فلسطين تناسب القوى وإطار التحول السياسي في المنطقة. انه لصالح
مستقبل الطفل الفلسطيني وعابر السبيل الاسرائيلي. بيد أن حرية جماهير فلسطين وخلاص جماهير
اسرائيل من الجرائم التي تُرتكب باسمها وخلاصها من وضع امة مضطهِدة وخلاص كلا الطرفين من
الارهاب والكره الذي يعمق كليهما هوته لا يتحقق بمجرد استقلال فلسطين. ان الحرية والتحرر في
فلسطين واسرائيل مرهون بالاشتراكية والعلمانية في المنطقة، مرهون بتأسيس دولة أو دول يتم الاقرار
فيها والتعامل مع الجماهير بغض النظر عن انتماءاتها وافكارها القومية والدينية والاثنية بوصفهم
مواطنين متساوي الحقوق. ان استقلال فلسطين يساعد في بلوغ الصراع الطبقي قمته في اسرائيل
وفلسطين على السواء. يدفع استقلال فلسطين المنطقة لليسار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى