المقالاتعادل احمد

ماذا يجري في غزة؟

عادل احمد

ان ما يجري في غزة بحق الفلسطينيين هو مجزرة بكل معنى الكلمة. بدءاً من الحصار الكامل وقطع مياه الشرب والكهرباء والغذاء والدواء، إلى تدمير البيوت والعمارات السكنية على رؤوس ساكنيها بإلقاء الاف من الصواريخ الفتاكة، والتي حتى هذه اللحظة تجاوز عددها 6 الاف صاروخ، وقُتل اكثر من 2500 من الفلسطينيين المدنيين وجرح الالاف. ان حصر وحشر اكثر من 2.2 مليون انسان في ارض غزة والتي لا تزيد مساحتها عن 363 إلف كيلومتر مربع، وفي ظل حصار مستمر لسنين طويلة واكثر من نصف السكان عاطلين عن العمل ويعيشون على المساعدات الإنسانية والدولية هو كما يقول الكثير بمثابة تحويل عزة الى معسكر اعتقال… واليوم وفي ظل هذه الظروف المأساوية، تواجه غزة اكبر مجزرة من قبل الجيش والحكومة الإسرائيلية. لنرى الأوضاع في فلسطين من منظور انساني وبعيدا عن الحقد الديني والقومي.

الناحية المنطقية:

اذا نظرنا الى ما قامت به حركة حماس الإسلامية الهمجية في يوم 7 من أكتوبر من المجازر بحق المدنيين الإسرائيليين هو موضع ادانة، ولكن حماس أصلا وجدت وظهرت للوجود نتيجة وحشية وبربرية السياسات الإسرائيلية طوال عشرات السنين بحق الفلسطينيين من تهجير وقتل يومي والاستيلاء على الأراضي وانشاء المستوطنات الإسرائيلية عليها، هذا علاوة على ان الدعم الذي تلقته حماس منذ البداية من السياسيين الإسرائيليين لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية ومقاومتها وتقوية قطب رجعي داخل المقاومة الفلسطينية من اجل ابعاد القضية الفلسطينية عن ابعادها التحررية والتي هي موضع مساندة ودعم تحرري العالم. ولكن ما فعلته حماس من وحشية بحق المدنيين الإسرائيليين، هل يستحق كل هذا الحصار والجوع والقتل بحق كل الشعب الفلسطيني؟ اذا كان هذا صحيحا، واستخدمنا نفس المنطق كم من حصار وتجويع وقتل يستحق الشعب الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإسرائيلي على ما قامت به حكومات هذه الدول طوال تاريخها من قتل المدنيين الأبرياء في فيتنام وكوريا و ليبيا والعراق وصبرا وشاتيلا وفي أفريقيا واسيا وامريكا اللاتينية و استخدام القنابل النووية في هيروشيما وناكازاكي؟ ان ما تقوم به إسرائيل او تحاول ان تنجزه هي مجزرة حقيقية بحق الشعب الفلسطيني الذي يريد ان يعيش مثل بقية الشعوب بسلام وامان وبدون إراقة الدماء …

الناحية السياسية:

ان تشكيل دولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط من قبل بريطانيا، تحت ذريعة اضطهاد اليهود في أوروبا، كان يهدف بالأصل الى خلق قلعة موالية للغرب وتخدم مصالحه وخلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتمرير مصالح سياسية واقتصادية في منطقة تعتبر شريان الطاقة في العالم. ان عالم اليوم يمر بأخطر مراحله في ظل تغير في توازن القوى بين الشرق والغرب. ان الغرب الصناعي بقيادة أمريكا في حالة انحدار حتمي، وتأزم نمطه السياسي والاقتصادي مقابل صعود روسيا والهند والبرازيل والمنافس الاقتصادي القوي المتمثل بالصين والتي تنمو بسرعة فائقة، تزعزع مكانة الليبرالية البرجوازية الغربية، وهذا يجعل من هذه المرحلة الانتقالية خطرا مميتا ودمويا على العالم قاطبة. من جهة ان العالم الغربي القديم يحاول بكل قوته الحفاظ على مكانته الاقتصادية والسياسية ومناطق نفوذه، ومن جهة أخرى، يحاول العالم الصاعد الصين وروسيا بكل امكانياته الصعود والبروز كأقطاب رئيسية وان يحتل مكانة اقوى في تقسيم العالم والحصول على مناطق نفوذ، الصين من خلال غزو العالم اقتصاديا وروسيا عسكريا. على بقية العالم أما ان ينقسم ويخضع الى أحد هذين المعسكرين او ينتظر الأقوى والمنتصر… ان قضية أوكرانيا وقضية النيجر والدول الافريقية وقضية فلسطين يمكن ان تجد مكانها هنا في هذا الصراع. نرى اليوم العالم الغربي وأميركا يقفان بجانب وحشية وبربرية إسرائيل بكل قوتها وتغمض العين عن القتل والدمار والمآسي الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. ان العالم الغربي والذي كان في الماضي يفتخر بديمقراطيته وحقوق الانسان وحرية الرأي والأفكار والعقيدة والتظاهر، يقف اليوم بوجه أي راي او بوجه اية تظاهرة بالضد من إسرائيل لقتل الفلسطينيين!! ان منع وقمع التظاهرات في فرنسا بالضد من قتل الفلسطينيين وتشريع قانون يجرم التظاهر في الدفاع عن الفلسطينيين وكذلك منع التظاهرات في بقية الدول الأوروبية وفي امريكا حول هذا الموضوع هو الخطر التي يطرق باب كل فرد في هذا العالم. بقدر نزول الخط البياني للعالم الغربي يتعرى بنفس القدر زيف شعاراته ومصالحه امام الرأي العام العالمي. ان البشرية اليوم المستفيدة من التكنولوجيا المتقدمة تستطيع ان تطلع على الحقائق والتي كان يتم اخفائها في السابق عن انظار العالم. مهما حاول الغرب تبرير قضية قتل وتجويع الفلسطينيين لن يتمكن من إخفاء وحشية وبربرية السياسات الإسرائيلية …ان تقسيم العالم الى معسكر يقف مع إسرائيل واخر بالضد من إسرائيل ومع حماس هو تشويه للحقائق. ليس كل من يدافع ويساند الفلسطينيين هو مدافع عن حماس والجهاد الاسلامي وسياساتهما. الصورة هي ليست كما يعكسها الاعلام الغربي… ان اصرار إسرائيل طوال تاريخها في الحيلولة دون الوصول الى حل الدولتين، الإسرائيلية والفلسطينية بجانب بعض، جعل العنف والعنف المضاد واقع يومي للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. ان صعود اليمين الديني اليهودي المتطرف بقيادة نتنياهو يجابهه صعود اليمين الديني الإسلامي بقيادة حماس والجهاد الإسلامي… ان تهميش وعدم حل القضية الفلسطينية يؤدي الى استمرار الكوارث الدموية…

الناحية الاقتصادية:

تحاول أمريكا والغرب بكل امكاناتهما الحيلولة دون صعود الاقتصاد الصيني. ان الخطر الوحيد في الوقت الحاضر الذي يواجه أمريكا والغرب هو صعود الصين وروسيا وبالدرجة الأولى الصين. بإمكان مشروع الحزام والطريق ان يضمن بان يكون الاقتصاد الصيني الاقتصاد الأول في العالم في بضع سنوات. ان الصين جادة في خطاها في هذا الاتجا،ه وتحل العوائق والمشاكل امام هذا المشروع الاقتصادي والسياسي العملاق، ولهذا السبب حاولت ان تقرب السعودية مع إيران وان تخفف من الصراع بينهما وفي المنطقة وكذلك تحاول جذب الدول الافريقية نحو فلكها وجر كل من ايران وأفغانستان وباكستان ودول اسيا الشرقية والوسطى وحتى جر بعض الدول الأوروبية نحو برامجها الاقتصادية والسياسية. وبالمقابل حاولت أمريكا ان تجر الهند والسعودية وإسرائيل نحو المخطط الأمريكي لافتتاح ممر اقتصادي اخر بوجه المشروع الصيني. ان محاولة التطبيع بين إسرائيل والسعودية والتي كانت في مراحلها النهائية حسب مقابلة محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية مع فوكس نيوز الامريكية ومحاولة جر السعودية نحو الغرب كان من اجل افشال مخططات الصين وتهميش القضية الفلسطينية …

ان توقيت هجوم حماس على غلاف غزة كان بالدرجة الأولى يهدف الى افشال هذا المخطط من جهة، ومن جهة أخرى كانت حركة حماس تتهمش وخاصة إثر صعود منافستها حركة الجهاد الإسلامي اكثر الى الواجهة، وبهذه المحاولة استطاعت ان تخطف الأنظار من الجهاد الإسلامي وتقدمت مرة أخرى نحو واجهة المشهد السياسي. ان هذه الحركات، حماس والجهاد، تعيش على فقر وبؤس ومعاناة الشعب الفلسطيني منذ الايام الأولى ولم تكن في يوم من الأيام تقف بجانب الشعب الفلسطيني وخاصة العمال والكادحين والفقراء او بجانب حل القضية الفلسطينية، بل في الحقيقة كانوا عائقا امام هذا الحل.

يحتاج اليوم الشعب الفلسطيني الى حل قضيته، الحل الذي يتمثل بتشكيل الدولة الفلسطينية. ان حل هذه القضية اصبح ضروري اكثر من أي وقت مضى لأنها وصلت الى مرحلة دموية منفلتة… ويحتاج الفلسطينيون الى الدعم والمساندة من كل الشرفاء والتحررين في العالم من اجل ايقاف هذه المجزرة والتهجير والتجويع بحقهم ومن ثم تشكيل دولتهم وانهاء الظلم القومي عليهم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى