قضية المرأة من زاوية التقاليد المختلفة
ريبوار احمد
جعلت الشيوعية في كردستان من قضية المرأة قضية سياسية كبيرة ومهمة، ومسكت قيادة هذا الميدان لمدة وسجلت مكسباً وتقدماً مهماً لهذه القضية. ليس الحال هكذا الآن للأسف. ينبغي ان يسترد الحزب الشيوعي العمالي، بوصفه حزباً سياسياً للطبقة العاملة، مرة أخرى قيادة هذا الميدان المهم على صعيد المجتمع ويعيده ليد الشيوعية. إن هذا الميدان هو، بصورة مباشرة، عمل الشيوعية والنضال الطبقي. وبوسع الشيوعية فقط ان ترد بصورة مؤثرة وجذرية على هذه القضية. ان هذا هو إطار ومحور الموضوع الذي اطرحه في هذه المقالة. ونحن على أبواب الثامن من آذار، إنه لوقته ومكانه أن نبرز هذه القضية ونضعها على الطاولة بوصفها أحد الميادين المهمة لنضال الحزب ونشاطه. ان يكون المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العمالي الكردستاني على الأبواب هو فرصة جيدة للتأكيد على هذه القضية، وأن نضع الخطوات اللازمة على جدول الأعمال بهذا الصدد.
إن مجتمع كردستان هو أحد المجتمعات التي بلغ اضطهاد المرأة والتمييز ضد قسم من المواطنين أقصى مدياته. إن مداه أكبر من أن يتم تعريفه بتمييز وظلم وخرق الحقوق الانسانية للمرأة. بلغ الأمر حداً أصبح فيه ضحايا العنف والبربرية ضد النساء اكثر بكثير من ضحايا مجزرة حلبجة والقصف الكيمياوي. حتى اذا يتم النظر اليها من ناحية وحشية اسلوب العنف، فإنها ليست بأقل من تلك المصيبة (حلبجة والكيماوي). ان القتل والاغتيال وحتى رجم النساء او اللجوء القسري للانتحار، تلك الظاهرة المقززة تهز يومياً ضمير المجتمع. ان صراخ واستغاثة الضحايا من اجل النجدة تصم اذان المجتمع، ولكن دون مستجيب أو منقذ. في السنوات الأخيرة، تتحدث الأرقام والتقارير عن تنامي شبكات المتاجرة بأجساد النساء، وهذه في أوضاع تبعث على القشعريرة. ان هذه الظاهرة تخطت كثيراً اضطرار أناس الى بيع الجسد من أجل تأمين معيشتهم. ان شبكات التجارة القسرية تجبر، بخطط ودسائس مختلفة، النساء الضائعات وضحايا التمييز والعنف للقيام بهذا العمل والمتاجرة بأجسادهن.
وقبل ان تظهِر الشيوعية نفسها على هيئة حركة سياسية وقوة متدخلة في الميدان السياسي والاجتماعي، فان الاضطهاد المتنوع والشامل للمرأةـ وحتى اغتيال وقتل النساء بحجة الشرف السخيفة، حتى وان كان يجرح ضمير الكثيرين، ولكن كان يُنظر لها بوصفها ظاهرة عادية وعمل ضروري. ولهذا، لم يكن هناك صوت احتجاجي صريح تجاهها. ولهذا، ولأول مرة في تأريخ هذا المجتمع، تصدت حركة الشيوعية العمالية صورة دؤوبة ومواظبة لهذه البربرية، وبنت خندقاً ونظمت نضال شامل ضدها. وامتدادا لهذا، وبمبادرة الفعالين الشيوعيين لهذا الميدان، تأسست منظمة المرأة المستقلة، ولعبت دور قيادة الحركة النسوية الداعية للمساواة. وسجلت تاريخاً مضيئاً ومشرقاً. ولهذا، اندلعت حرب سياسية واجتماعية ضد اضطهاد المرأة. ووقف الحزب الشيوعي العمالي في الخندق الطليعي لهذه الحرب السياسية والاجتماعية ولعب دوراً قيادياً. ولم يختزل دوره مطلقاً الى طرف يمد يد العون او مساعد في جبهة خلفية. في قضية المرأة، مضى لميدان الحرب ضد الحركات الاسلامية والقومية الرجعية والقوانين والتقاليد والقيم البالية. وبهذا السياق، فقد أبرز قادته وناشطيه مثل شابور عبد القادر وقابيل عادل.
ان نضال الشيوعية هذا في كردستان، سواءً بشكل منظمة جماهيرية بقيادة الشيوعيين أم بصورة مباشرة على هيئة حزب ومنظمات سياسية شيوعية قبل ذلك، أرسى خندق قوي للدفاع عن حقوق المرأة. وجعل من مطلب مساواة المرأة والرجل مطلباً جماهيراً على نطاق واسع، وضيّق الخناق على التقاليد والقوى الرجعية وقتلة النساء ومارس ضغطاً كبيراً عليها. أحطَّ من تقاليد الشرف وفضحها على صعيد واسع. لحد لا تجرأ أكثر القوى السياسية رجعية ان تدافع بصورة سافرة عن قتل النساء بالشكل الشائع والذين يفتخرون به قبل ذلك. ان النضال والنشاط الواسع للشيوعيين في هذا الميدان كان دافعاً كبيراً لتنامي الحركة النسوية على صعيد واسع. كان الناشطون والمنظمات النسوية الاخرى، ومن ضمنها تلك التي كانت جزء من المبررين للظلم والتمييز ضد المرأة، وقعوا الى حد ما تحت ضغط هذا المسار وساروا هم انفسهم وراء قسم من الشعارات والمطالب التي رفعتها الشيوعية لأول مرة في المجتمع. وبالتالي، وضع ذلك السلطة تحت ضغط كبير. مما أجبرها على اللجوء للرياء فيما يخص حقوق المرأة والاقرار بتلك البربرية التي تجري في ظل سلطتهم. هرع رجالاتها للوعود بـ”الاصلاح”، بل وحتى اصدروا قرار بذلك. ونرى اليوم “الشرف” مصطلحاً مبتذلاً ومفضوحاً ولا يجرؤ أصحابه على الدفاع عنه بصورة سافرة. ان قتل النساء بوصفها ظاهرة عادية ومُقَرْ بها، أما الان، ورغم بقائها بصورة واسعة، الا إنها ظاهرة مفضوحة وجريمة منبوذة بأنظار الراي العام للمجتمع. وتحت هذا الضغط، أُجبِرتْ السلطة على أن تنظر اليها بوصفها جريمة لا يمكن تبريرها. ان النزعة الذكورية والمكانة الدونية والعنف الممارس على المرأة، ورغم كونه ظاهرة واسعة جدا لحد الان، لكن لا يُنظر له مثل السابق بوصفها تقليد مقدس بيروز. بل حتى ان هناك وعي عالي تجاهها، وهي مبعث خجل ونبذ على صعيد واسع… وبوسعي القول دون تردد ان هذه جزء من المكاسب المهمة للشيوعية بهذا الصدد. وتحديداً، ان الامور التي ذكرتها هي ثمرة نضال وتقليد شيوعي، لا حركة أخرى او تقليد أخر. ان الشيوعية هي من ثبّتتها في المجتمع. انها بصمات واضحة للشيوعية في مجتمع كردستان.
وكأي ميدان آخر، من الواضح انه كان للشيوعية في هذا الميدان، ولديها نواقص ومحدوديات ونقاط ضعف. ان إجراء تقييم شامل بهذا الخصوص هو عمل ضروري ويساعد كثيرا في عملنا المقبل ويمنحنا رؤية وأفق أوضح. في هذه المقالة التي وضعت لها هدفاً محدداً، لن أتناول هذه المسألة ما عدا تلك التي ترتبط بذلك الهدف المحدد، فعند الضرورة سأتناول بعض المسائل بصورة مختصرة وعامة. كانت المعضلة الاساسية للحزب الشيوعي العمالي العراقي هي انه لم يستفد، في مجمل هذه الفرصة التي توفرت له، بصورة تامة لتقوية نفسه وترسيخ نفسه في المجتمع، بالأخص داخل الطبقة العاملة. بقى في اطار حزب مشهور ومحبوب ومناضل لا يكل في سبيل الحرية والمساواة وتحرير الطبقة العاملة. لم يتمكن باختصار من التحول الى حزب اجتماعي متجذر وعمالي قوي، لا يُكسر، ويرفع راية الشيوعية عالياً وباقتدار في مركز وقلب الصراع السياسي حول مصير المجتمع. ولهذا في أول فرصة مناسبة سنحت للبرجوازية، تعرض لهجمة البرجوازية، للحركة القومية الكردية.
بدءاً، لقد تم فرض تراجع كبير على الحزب وشيئاً فشيئاً تم تهميشه تماماً. لم يكن هذا عاملاً، بل كان عاملاً مؤثراً جداً لإضعاف مكانة الشيوعية وحزبها في الحركة النسوية، مثلما هو الحال مع جميع الميادين. وبإخراج الشيوعية من الميدان، تعرضت الحركة النسوية الداعية للمساواة عموماً والتقليد الاشتراكي داخل هذه الحركة على وجه الخصوص الى صدع كبير جدي. إلى حدٍ، بحيث كان يمكن رؤية علائم هذا الامر بعد فترة قصيرة، من مثل تصاعد الضغط على حقوق النساء، شيوع قتل النساء، تعاظم الأجواء الذكورية والرجعية، سحب السلطة عملياً يدها من وعودها وقراراتها وتعهداتها التي قطعتها تحت ضغط الحركة النسوية الداعية للمساواة والشيوعية. وعليه، برزت التقاليد والتصورات المتخلفة والمحافظة والتبريرية لدونية المرأة داخل الحركة النسوية ذاتها.
تمكن الحزب الشيوعي العمالي في السنوات الأخيرة مرة أخرى من الظهور في الميدان السياسي للمجتمع؛ وتحديداً في الحركة الجماهيرية (17 شباط)، إذ ظهر بوصفه قوة سياسية ذات دور. وفي توازن القوى اللاحق، انفتح ميدان واسع أمامه. ولكن رغم ذلك يمكن، وبوضوح، رؤية أحد نقاط ضعف دور ونشاط الحزب فيما يخص قضية وميدان المرأة. وإن يكن للشيوعية بهذا الخصوص مشاكل ومحدوديات واقعية للرد على نقطة الضعف هذه وإزاحتها، ولكن بدلاً من التفكير والسعي لرفع العوائق والمحدوديات. يمكن رؤية نوعاً من الوقوف مكتوفي الايدي وتتحول المحدوديات الى مبررات لإدامة الوضع القائم. ومن هذه الناحية، ما يتم إبرازه بوصفه مشكلة أساسية هو غياب الفعالين والقادة الذين يعملوا في هذا الميدان بصورة مباشرة.