المقابلات

مقابلة قناة عالم أفضل، قناة الحزب الشيوعي العمالي العراقي مع توما حميد حول اللقاحات بشكل عام ولقاح كورونا بشكل خاص

قاسم هادي: هل يمكنك الحديث عن تاريخ الانتقادات والحملات ضد اللقاحات بشكل عام؟

توما حميد : من المعروف ان اختراع اللقاح بشكل عام، هو واحد من أعظم الاختراعات العلمية في مجال الطب ان لم يكن الأعظم اطلاقا واحد أكثر الإجراءات فعالية في حماية الارواح.

ولكن مع بروز اللقاحات ضد كوفيد -19 وخاصة بعد اكتشاف حالات نادرة من التخثرات نتيجة هذه اللقاح برزت النقاشات والجدالات حول هذه اللقاحات، واللقاحات بشكل عام ونظمت حملات ونشطت المجاميع المعادية للقاح بحيث باتت تؤثر على معدل اقبال الناس على اللقاحات الخاصة بكوفيد-19.

معاداة اللقاح والحملات ضدها هي قديمة قدم اللقاح نفسه. وكانت هناك أربع فترات شهدت اشتداد الجدال والمعارضة للقاحات. امتدت المرحلة الأولى منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين فحيث شكلت منظمات وحملات ضد اول لقاح اكتشف في القرن التاسع عشر ضد الجدري، رغم ان المرض كان يقتل 40% من المصابين. وفي أواسط السبعينيات من القرن العشرين نشطت المناهضة للتطعيم واندلعت جدالات على مستوى دول كثيرة حول سلامة التطعيم ضد اللقاح الثلاثي، وهو لقاح ضد الديفثيريا والكزاز والسعال الديكي بعد ربطه بمجموعة من الامراض العصبية عند الأطفال وتبين بعدها عدم صحتها بشكل قاطع.

وبدأت الموجة الثالثة من الجدال والمعارضة للقاح بعد قيام طبيب بريطاني يدعى اندرو ويكفيلد، بنشر دراسة شملت 12 طفل ربطت بين لقاح ام ام ار، أي لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وبين والتوحد. لقد سحبت الدراسة بعدها، وفقط هذا الطبيب قد أجازه، اذ تبين لاحقا بانه تلاعب بالمعطيات لأنه كان يستلم أموال من شركة للمحاماة كانت تقوم بتمثيل مجموعة من العوائل كانت بصدد مقاضات السلطات والتي طلبت منه ابراز دلائل على وجود علاقة بين اللقاح والتوحد. وقد بينت اعداد كثيرة من الدراسات اللاحقة التي شملت أكثر من 90 ألف طفل عدم وجود هذه الصلة بين اللقاح والتوحد. ونشرت السلطات الصحية الامريكية مثلا 40 دارسة تؤكد عدم وجود هذه العلاقة. اما الموجة الرابعة فهي الموجة الحالية ضد اللقاحات ضد كوفيد-19.

قاسم هادي: ماهي أسباب معاداة ومعارضة اللقاحات؟

توما حميد :كانت ولاتزال المعارضة ضد اللقاحات لأسباب متنوعة منها ايدولوجية و سياسية ودينية و علمية.

واحد من اهم الأسباب التي تقدم حول معارضة اللقاح هو ان شركات الادوية تحقق أرباح من اللقاحات وهو امر صحيح. ليس لدينا انخداع بالرأسمالية. نحن نعرف جيدا، ان ما يحرك الرأسمالية والاستثمار في أي ميدان هو منطق الربح بما فيه، تعلق الامر بالصحة والحماية من الامراض وهذا ما ادى الى تفاقم الكارثة الحالية التي سببها كوفيد-19 لان النظام لم يكن مهيئ للتعامل مع الوباء. ولكن منطق الربح ينطبق على الصناعة الغذائية بما فيه الخبز واللحم والبيض، وصناعة الادوية وأحيانا مياه الشرب والكهرباء وحزام الأمان في السيارات وكل وسيلة وقائية أخرى. هل نكف عن الاكل، لان الربح هو الدافع وراء انتاج الأغذية؟

يجب ان نفرق بين البشرية والنظام الرأسمالي الحاكم. اللقاح قبل ان يكون مصدر للأرباح، هو انجاز بشري. الشركات تتعقب الربح من وراء انتاج اللقاحات، ولكن كل الدول خاصة المتقدمة لها هيئات تنظم عمل شركات الادوية وتنظم البضائع التي لها أغراض علاجية. أمريكا مثلا لها هيئة تسمى اف دي أي وهي إدارة الأغذية والأدوية العامة، التي تشرف على تنظيم والإشراف على سلامة الأغذية، والعقاقير الطبية والأدوية واللقاحات والمكملات الغذائية والمستحضرات التجميلية، والأجهزة الطبية الباعثة للأشعة وصناعة التبغ. كما ان لأستراليا مثلا هيئة تسمى إدارة البضائع العلاجية تقوم بنفس الوظيفة. وهذا ينطبق على اغلب الدول. الذين يعملون في هذه المؤسسات ليس لهم ربط بالشركات وهم علماء يهمهم مصلحة البشرية ويهمهم سمعتهم، وهم أمناء ومضحون ومستقلون. لكي تحصل الشركات على الأرباح يجب ان تنتج شيء مفيد للبشرية وتقدم دلائل على سلامة البضاعة وفعاليتها الى السلطات الصحية. واللقاح هو ليس من بين الادوية المربحة جدا.

من الأسباب الاخرى التي يتحدثون عنها هو ان الشركات تصنع اللقاحات للسيطرة على البشر او جعلهم اقل صحة وزيادة الامراض حتى يستفادون من انتاج ادوية أخرى لمعالجة المشاكل الصحية الناتجة عن اللقاح. ان مثل هذه الآراء تجعل الحياة تافهة. اذ حسب هذه الآراء، هناك مؤامرة دولية تشمل كل الدول تقريبا. حتى الدول التي لا تتفق على شيء وهي في حالة حرب، تتفق على حبك مؤامرة بخصوص اللقاحات وتشمل هذ المؤامرة الغالبية العظمى من الكوادر الصحية والعلماء والخبراء الذي يتم شراء ولائهم من قبل الشركات. هل يعقل ان يكون هناك مؤامرة تشمل كل دول العالم على الاطلاق. من جهة، وبشكل عام ان البشرية مع الزمن تصبح أكثر صحة ومعدل العمر في تزايد ووفيات الرضع والأطفال وصلت الى ادنى مستوياتها وتتجه نحو الانخفاض في جزء منه بسبب اللقاحات. ان الامراض العصرية الشائعة التي تؤثر على الصحة مثل السمنة هي ليست بسبب اللقاحات.

واحد أسباب معاداة التطعيم هو المعاداة للحكومة . واي سيطرة للحكومة على أي جانب من جوانب حياة الافراد. يعتبر البعض التطعيم ضد الحرية الفردية. وخاصة هناك مراحل وحلات جعلت السلطات فيه تطعيم الأطفال شيء اجباري او ربطه باستلام او عدم استلام ضمان البطالة مثلا. يعتبر المواطنون الذين يطالبون بحق السيطرة على أجسادهم وأجساد أبنائهم هذه القوانين التي تجعل التطعيم اجباريا انتهاك حق الفرد في رعاية جسده بالطريقة التي يعتبرها أفضل. طبعا ان هذا الحق يتضاد مع حق الدولة في اصدار قوانين لحماية الصحة العامة من الامراض المعدية الخطيرة وهو لا يختلف كثيرا عن جعل استخدام حزام الأمان مثلا إلزاميا.

ما هو حجم اللوبي والمجموعات المعادية للقاحات وما سر نجاحهم في خلق شكوك تجاهها؟

قبل كل شيء يجب ان نفرق بين أمهات واباء لهم مخاوف من تأثير اللقاح على أطفالهم او بين شخص له مخاوف جدية من اللقاح وبين المنظمات والجماعات والحملات المعادية للتلقيح وخاصة الذين يروجون بشكل متعمد لمعلومات كاذبة وبدون دليل طبي. قد يلحق عمل هذه الجماعات والتي القسم الأعظم منها هي جماعات يمينية ضرر بالمجتمع، ليس لان هذا العمل سيؤدي الى معدل اعلى من الوفيات والمرضية من كوفيد-19 الان بل أيضا البطيء في اخذ اللقاح وتجنب اخذه يزيد من خطر بروز سلالات أكثرا فتكا وان تصبح اللقاحات غير فعالة.

 الشريحة المعادية للتطعيم بشكل عام هي اقلية صغيرة في كل الدول. فمثلا لدينا ارقام عن جنوب افريقيا، فحجم هذه الشريحة هو حوالي 20000 شخص من مجموع سكان البلد القريب من 60 مليون. ولكن صخب هذه الجماعة يعطي انطباع بان حجم هذه الجماعة أكبر بكثير.

 طبعا الاعلام الساعي للإثارة يقوم بتعظيم صوت أي شيء ملفت الانتباه مثل الربط بين اللقاح وامراض معينة. وتأتي وسائل التواصل الاجتماعي وما يسمى بالأعلام البديل ليزيد الطينة بله.  الكثير من التردد في اخذ اللقاح ناتج من الحملة الدعائية لشرائح صغيرة في كل الدول.

 ولتدني الثقة في الحكومات البرجوازية التي وصلت الى أدنى مستوياتها في الوقت المعاصر ولسوء أداء هذه الحكومات دور في تردد الناس في استلام اللقاح.

 والعامل الاخر الذي يزيد من تردد الناس في استلام اللقاح ناتج من النجاح الذي حققته اللقاحات نفسها، اذ جعلت الكثير من الامراض الخطيرة التي كانت شائعة، نادرة اليوم. لقد نسى الناس في الدول المتقدمة بان الأطفال حتى فترة قصيرة من الناحية التاريخية، كانت تموت من امراض مثل الحصبة وشلل الأطفال وغيرها ولاتزال تموت في الدول الفقيرة.

ماهي الوسائل التي تستخدمها الجماعات المعادية للقاح؟؟

ان من يقوم بنشر المعلومات الكاذبة هم مهرة في خداع البشر، ولكن الأساليب التي يستخدمونها لم تتغير كثيرا.

فهم يقومون في البداية من التقليل من خطورة المرض. فمثلا قامت جماعات المعادية للقاح، بالتقليل من خطورة الجدري في القرن التاسع عشر عندما كان يقتل 40% من المصابين. اليوم ما هو مشترك بين أمريكا والبرازيل والهند وبريطانيا هي كونها تحكم من قبل حكومات يمينية قامت على الأقل في البداية بالتشكيك بخطورة كوفيد- 19 لذا تجد ان لدى هذه الدول اعلى معدلات الإصابة والوفيات.

 وتقوم بتضخيم خطورة اللقاح.  وتدعي بانه ليس لدينا بحث كافي، ولا نعرف الكفاية عن اللقاح، رغم ان اللقاحات هي من اكثر الإجراءات الطبية  دراسة وبحث ولدينا معطيات لملايين الأشخاص حول العالم تؤكد سلامة اللقاحات.  من جهة يقولون ليس هناك ادلة واضحة على سلامة اللقاحات، بينما هم يعطون اراء قاطعة بان اللقاح. عادة ما نسمعهم يتحدون بأنهم قاموا بالبحث بعد قراءة مجموعة من الآراء السطحية ل “علماء وخبراء” ليس لهم ربط بميدان اللقاحات، ووجدا بان اللقاح غير امن.

 غالبا ما تعتمد هذه الحملات على أصوات صاخبة ومغايرة بين الكادر الصحي، او من يدعي كونه من الكادر الصحي وتقوم بتضخيم نفوذه في الميدان الطبي. تقوم هذه الجماعات بتقديم مثل هذه الشخصيات كأنها شخصيات شجاعة ولها الاستعداد للكلام ضد مؤامرة دولية والسلطات القمعية.

قاسم هادي: ولكن لا اعتقد بان يمكننا نكران وجود علاقة بين لقاح كوفيد -19 والاصابة بالتخثرات.

لا ننكر هذا الامر فلقاح استرازينيكا بالذات مرتبط بحالات نادرة من التخثرات، ولكن يجب ان نرى الأشياء في السياق الصحيح. فأرقام اليوم تشير الى ان استراليا أعطت سكانها 1.1 مليون جرعة من لقاح استرازينيكا وقد أصيب 6 اشخاص بالتخثرات خمسة منهم هم تحت سن الخمسين أي بمعدل حالة واحدة لكل 183 ألف جرعة وهذا لا يعني بان هؤلاء سوف يموتون. في حين ان كوفيد -19 هو مرض معدي جدا، ويقتل 2% من المصابين. ان نصبة الإصابة بالتخثرات بين المصابين بكوفيد -19 هي عشرة اضعاف هؤلاء الذي يستلمون لقاح استرازينيكا. ويجب ان نعرف ان الفيروس لا يسبب في التخثرات فقط، بل يقتل الانسان بأشكال أخرى.

قاسم هادي: لكن الا تثير مسالة السرعة التي تمت به انتاج لقاح ضد كوفيد -19 شكوك عندكم؟؟

انا كنت من الأشخاص الذين كانوا يعتقدون بان اللقاح سوف لن يكون جاهز للاستعمال قبل منتصف 2021 ولكن دخل اللقاح في الخدمة قبل هذا الموعد بشهور. ولكن لهذا الامر تفسير علمي وهو ان فيروس المسبب لكوفيد -19 معدي بشكل كبير واصبحت لدينا عدد كبير من حالات من الإصابة في وقت قصير جدا. هذا ليس مثل مرض شلل الأطفال مثلا لكي يحتاج الى سنوات لكي تجمع عدد لابأس به ممن يصبحوا بتماس مع العدوى، لذا كان بإمكان العلماء القيام بدراسات شملت عشرات الاف من الحالات واختبار مدى فعالية اللقاح وسلامته في وقت قصير.

المقابلة لم تتطرق الى الدعايات التي تنشر حول احتواء اللقاحات على كميات خطرة من املاح الالمنيوم، والفكورماكديهايد، ومادة ثيمروسال الذي يتم تكسيره في الجسم الى مادة ايثايل الزئبق  ولكن هذه كلها دعايات عديمة الصحة.

اذهب واستلم اللقاح بأسرع وقت لأن اللقاح يقيك من الفيروس وينقذ حياتنا وحياة الاخرين وهو امر جيد للمجتمع. ان الامتناع عن التطعيم ليست مسالة فردية، بل هي مسالة تؤثر على كل المجتمع.  ان التخثرات الناتجة عن اللقاح نادرة وفي اغلب الأحيان هي تصيب الاشخاص الذين هم دون الخمسين سنة. يمكن علاج هذه التخثرات في اغلب الأحيان. ان جرعة واحدة من لقاح استرازينيكا او فايزر يقلل خطر الإصابة بعدوة كوفيد -19 بنسبة 65%  بعد مرور ثلاثة اسابيع. ومن ضمن ال 35% الذين يصابون بالفيروس بعد الجرعة الأولى 10% ستكون بدون اعراض وال 25% الباقية ستكون إصابات لا تؤدي الى اعراض شديدة او الحاجة الى الاوكسجين او دخول غرفة الإنعاش او الوفاة. ولكن بما انه لايزال يوجد احتمال ان يصاب الشخص الذي حصل على تطعيم ضد كوفيد، بالمرض وان ينقلوا العدوى الى اخرين، هذا يعني بانه هناك حاجة الى التباعد الاجتماعي واستعمال الكمامات حتى بعد التطعيم.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى