محكمة لاهاي قاضي أم شريك في الجريمة؟
تزامناً مع الذكرى العشرين لشن أمريكا الحرب على العراق، طالب المدّعي العام لمحكمة الجناية الدولية يوم الجمعة (17 آذار 2023) باعتقال بوتين، رئيس جمهورية روسيا، وذلك لارتكاب جرائم حرب في اوكرانيا وتقديمه لمحكمة لاهاي. وأعلن المدعي العام للمحكمة عن ان ماريا لوفا بلوفا، مسؤولة المفوضية الروسية لحقوق الاطفال في إدارة رئاسة الجمهورية وبوتين بالذات، مسؤولة عن الترحيل “غير القانوني” للأطفال الاوكرانيين الى المناطق المحتلة من قبل الاتحاد الروسي.
طبّلت الحكومات الغربية وإعلامها الرسمي لهذا الخبر بوصفه “حكم قاطع لمحكمة لاهاي” والخاص باعتقال بوتين. بهذه الخطوة “الرمزية ولكن المقتدرة” من قبل أعلى وأهم مؤسسة قضائية في العالم فيما يتعلق، أولاً، بإضفاء الرسمية على جرائم حرب بوتين، وثانياً، فيما يتعلق بالدفاع الراسخ لـ”العالم الغربي” عن القيم الانسانية والعدالة وإحقاق حقوق الضحايا والدفاع عن “حقوق الانسان”، وبعثوا بالتحايا الى المدّعي العام “المحايد” و”العادل” لهذه المحكمة.
إن “استيقاظ” محكمة لاهاي دفاعاً عن “حقوق الأطفال” والظهور بهيئة “مسؤول” و”مدافع” عن حقوق الاطفال، وبالأخص في حروب مدمرة، واختيار بـ”الصدفة” لأحد هذه الحروب والتحقيق بجرائم حرب احد طرفيها هو أمراً ملفتاً للانتباه فعلاً. محكمة مهمتها التحقيق بجرائم الحرب والابادة البشرية، فيما إنها لحد الآن لم تلقي نصف نظرة على ملف مئات الحروب المدمرة التي شنتها الحكومات الغربية وحلفائها في الشرق الأوسط وافريقيا، وعلى التوحش والجرائم وقتل النساء والرجال والاطفال الابرياء في أنحاء العالم، فيما تنظر البشرية المفعمة بالنزاهة والشرف والصحفيين الذين ليسوا على استعداد على تكرار دعاية المؤسسات الدعائية الحربية للحكومات الغربية الى هذا الحكم، وبحق، على انه قرار سياسي امتدادا للخطوات السياسية لأحد الكتل المنخرطة في حرب أوكرانيا، وإن أحكام هذه “المحكمة” فيما يتعلق بالجرائم والحروب التي جرت لحد الآن هي مبعث سؤال فعلاً.
من حق جماهير العالم ان تسأل مصدري هذا الطلب: لماذا لم تحقق هذه “المحكمة” في جرائم الحكومة البريطانية والكنيسة الانكليزية التي اصدرتها بحق اكثر من (150) الف طفل من العوائل الفقيرة الذين تم انتزاعهم من والديهم في الفترة ما بين 1945 الى 1979 بجرم “عدم شرعيتهم” والتي انتزعتهم من “بيوت الفقر” والكنائس البريطانية وسفرّتهم الى الكنائس في استراليا وكندا كي يكدحوا بوصفهم عبيد في المزارع ومراكز العمل؟ من حقها أن توجه السؤال الى دعاة هذه “العدالة”: لماذا لم يُطرح في يوما ما ملف جرائم بوش وبلير جراء قصف العراق ما بين 2003 و2008 وذهب ضحيتها مليون طفل عراقي حتى بعد انفضاح حجتهما المبتذلة؟ لماذا لم يخطر قط ببال هذا “المدعي العام” “النزيه” لهذه المحكمة الجرائم التي ارتكبت بحق المجتمعات من قبل الجمهورية الاسلامية وقادة السعودية ومصر؟!
من حق جماهير العالم المحبة للإنسانية أن تتسائل لِمَ لم يتم التحقيق بمئات الاف القتلى ومئات الالاف من المشردين وذلك الحد من الوحشية والقسوة بحق جماهير فلسطين، وبالأخص الاطفال، ولماذا لم تتقصى جرائم رؤساء حكومة اسرائيل الفاشية، وبالأخص نتنياهو، وتطالب باعتقالهم؟
من حق البشرية ان تسأل “محكمة” تقصي جرائم الحرب: لماذا لم تقم بتقصي الحقائق فيما يخص ملفات وقضايا جرائم أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا وذلك لجرائم الحرب التي ارتكبوها في راوندا و والصومال وافغانستان وليبيا وسورية واليمن والسودان وغيرها والتي رُميت فيها مئات الالاف من الاطنان على رؤوس الجماهير البريئة وذهب ضحية ذلك ملايين الناس؟
إن اصدار مطالبة اعتقال بوتين لارتكاب الجرم بحق الاطفال من قبل مؤسسة وقفت مكتوفة الايدي أمام مئات الجرائم الحربية الكبيرة للحكومات الغربية وبالمسؤولية الشخصية لرؤساء تلك الحكومات في الابادة الجماعية والحروب المدمرة لا تبين سوى الرياء والمعايير المزدوجة لهذه المحكمة ومدعيها العام. ان هذا الحكم هو آخر مسمار في تابوت “العدالة” و”البحث عن الحقيقة” و”الاستقلالية” و”الحياد” و…. التي يتحدث عنها “المجتمع الدولي” ومؤسساته. وطالما، بحجة الحرب، غدت كل ميادين الحياة الاجتماعية، من الفن والرياضة الى الادب والعلم، سياسية، وطالما ان تعميق البغض والكره تجاه أناس وذلك لـ”جريمة” انتمائهم لـ”أمة” اخرى سياسة رسمية ومعلنة للحكومات، فالحديث عن “استقلالية” القضاء والقضاة وغيرها لايتعدى ان يكون تافهاً وعديم القيمة.
ينبغي تقديم مجرمي الحروب جميعاً للمحاكم جراء جرائمهم بحق البشرية. وبهذا الخصوص، ينبغي ان تتقدم صفوف هذه المحاكم الحكومات الغربية ورؤسائها المختلفين من امريكا وبريطانيا الى فرنسا والمانيا وبلجيكا و..غيرها بوصفهم سبب قتل عشرات الملايين من الاطفال في العالم. يجب ان يُحاكم المدعي العام لمحكمة لاهاي بهذا الخصوص، والمحكمة نفسها بمثابة هيئة قضائية للأمم المتحدة، وهم ليسوا بوضع اصدار حكم بقدر ما بوصفهما اداة لتبرير كتلة ما، بوصفهما أداة للدفع بالأهداف السياسية لهذه الكتلة ومساهمان في جرائم الحرب على الاطفال.
الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)
18 اذار مارس 2023