مكانة 8 مارس عند الاشتراكيين والتحررين
كما هو معروف إن الثامن من آذار أو 8 مارس هو يوم المرأة العالمي، إنه يوم ليس لتوزيع الهدايا والورود وكلمات الغزل المعسولة الا في هذا اليوم، واطلاق التهاني من قبل الرجال الى النساء، وان كان هذا كله ليس فيه ضير، الا انه عندما يختزل كل الظلم الجنسي السافر والمنظم والممنهج بحق المرأة وطمسه، واخفاء بشاعة وجه ذلك الظلم في كل ميادين الحياة ومحاولة لتجميله او غض النظر عنه، عندها يجب الوقوف ونطرح سؤالا على انفسنا كحاملي الهوية الإنسانية، قبل ان نكون اشتراكيين، هل اننا نعيش إنسانية كاملة في هذا المجتمع، هل نستطيع مزاولة حياتنا بشكل يومي وهناك ظلم جنسي منظم، شأنه شان أي ظلم في هذا العالم، مثل الظلم القومي المدروس والمخطط الواقع على الفلسطينيين، او الظلم العرقي بحق السود كما يكشف عن وجه ويطل برأسه بين الحين والأخر في الولايات المتحدة الامريكية، او الظلم الذي وقع على السكان الأصليين في كندا وامريكا.. ولا نريد ان نحدث اية مقارنة بين أنواع الظلم، بيد إن المسالة التي نريد التنويه اليها، في عالم لا يمكن الوقوف على رأسه بشكل مقلوب، لا يمكن له الاستمرار دون تغذية تلك المظالم الواقع على الإنسانية.
ان المرأة تتعرض الى ظلم ممنهج في كل العالم، ولكن درجة ذلك الظلم تختلف من مكان الى اخر، وحسب قوة الحركة المساواتية والتحررية في المجتمع. واذا ما حصلت النساء في الغرب على حقوق بما لا يقارن ابدا ببلدان الشرق الأوسط على سبيل المثال، فهذا هو ثمرة نضال ضروس للحركات التحررية في تلك المجتمعات وفي مقدمتهم الاشتراكيين.
وليس كما يقول أولئك الذين تعفنت ادمغتهم وتآكلت عقولهم بسبب ذلك العفن، عندما يصفون الحقوق والحريات الإنسانية وخاصة حقوق النساء، هي نتيجة السقوط الأخلاقي، وهنا يجدر الإشارة ان المعيار الأخلاقي بالنسبة لهذه الحفنة، هو كم مقدار او حجم او كمية استعباد المرأة وتحقيرها، وحيث ينعدم بشكل كلي المعيار الإنساني، لانهم تجردوا من الهوية الإنسانية بمحض ارادتهم لتحقيق مصالحهما كما سنبينها لاحقا، وانهم لا ينظرون الى سير التاريخ الإنساني، او لم يقرئوا عنه على الأقل في الغرب “الساقط أخلاقيا” كما يدعون، عندما كان اقرانهم في الكنيسة القروسطية، يغلفون الجهاز التناسلي للنساء بقطعة حديدية سميت بحزام العفة، في حال ذهب الرجال الى القتال والحروب والسفر، او عندما كانت الكنيسة تغرس الابر بأجساد النساء اللواتي ترتفع اصواتهن من اجل الحرية، فاذ ما نزفت دما فتكون تلك المرأة لا يسكنها شيطان، واذا لا، فيسكنها الشيطان فيحكم عليها بالموت، وفي كلتا الحالتين هي في حكم الموت ، او كانت توثق اياديها واقدامها وتلقى بحوض ماء، فاذا طافت فيعني ان الشيطان لم يسكنها، او لا، فيعني هناك شيطان يسكنها، وأيضا في كلتا الحالتين هي ترحيلها عن الحياة.
هذه المنهجية تداوم بنفسها اليوم في العراق، ولكن بسيناريو مختلف، وما يحدث للنساء اقل ما يوصف بأنه إبادة جماعية.
ان ما تتعرض له النساء في العراق وفي ظل سلطة ميلشياتيه بهوية إسلامية، ليس مرده السلوك الفردي للرجال، ولا هو سببه كما يحاول بعض الحمقى من الليبراليين وصفه بالذكورية واختزاله بتصرفات شخصية، واطلاق بعض المواعظ الأخلاقية لإصلاح سلوك الرجال الذين يمارسون العنف ضد النساء، او كما يحلو لترديد العبارات والمقولات التي يروجها النظام السياسي الحاكم؛ ان المرأة ضد المرأة او ان المرأة هي التي يجب تثور، وبالتالي تصب كل تلك التصورات والحلول بالنوازع الأخلاقية والبطولات الفردية التي لا نشاهدها الا في أفلام الهوليوود، فليس تسويق تصور المرأة ضد المرأة ، الا تسويق ذكوري من اجل حرف الأنظار عن النظام والتصرفات التي تعكس اخلاق ذلك النظام الحاكم، والذي يتم الترويج لها عبر الدعايات والأفلام والقوانين. الخ.
تلك الآراء والتصورات لا تريد ان ترى ان الذكورية بأنها نظام سياسي-اجتماعي-اقتصادي، وان استمرار الذكورية في المجتمع وتغذيتها يتم عبر التقاليد العشائرية والأفكار الدينية وقولبتها بمجموعة من القوانين في ميدان الأحوال الشخصية والجنائية، لأنه بالتحليل النهائي لا يمكن القضاء بشكل نهائي على الذكورية واستئصالها من المجتمع دون هدم أركانها القانونية واسسها الاجتماعية والسياسية.
النظام الذكوري الذي نتحدث عنه من مصلحته، إبقاء النساء في البيوت، ويستفيد منه بشكل مطلق على جبهتين، الأولى ان المرأة في البيت تعد القوى العاملة، الرجل العامل، او صاحب العمل المنتج في ميادين المجتمع، وهي تقوم بالعمل المنزلي والرعائي بشكل مجاني لتربية الرجال العمال المستقبل، دون ان تتقاضى أي معاش او راتب او اجر على عملها. أي ان النظام الذكوري القائم على الاقتصاد الرأسمالي يدير عجلته الاقتصادية بشكل مجاني، ولذلك لا يتحمل بسهولة اعتبار العمل المنزلي والرعائي مدفوع الاجر، او على الأقل يدفع بدل بطالة لكل أولئك النساء التي فرضت عليها البقاء في البيوت، وفي نفس الوقت ان المرأة تعتبر بالنسبة لذلك النظام القائم على استثمار الانسان، القوى الاحتياطية المنافسة للرجال في ميدان العمل، فهي تستخدم للعمل الرخيص أي تعمل في نفس حقول التي يعمل فيها الرجال، لكنها تتقاضى رواتب ومعاشات اقل، وفي نفس الوقت عندما يدخل الاقتصاد الرأسمالي مرحلة النمو، ويكون بحاجة الى ايدي عاملة، يقوم النظام بإخراج النساء من البيوت لسد العجز في القوى العاملة، اما على الصعيد الجبهة الثانية، فإبقاء النساء في البيوت يعني عزل قوى اجتماعية كبيرة يقدر بنصف او اكثر من نصف المجتمع، او بشكل اخر نقول تحييد النساء في عملية التغيير الثوري في المجتمع.
وكما يقول لنا لينين ان مقدار ثورية المرأة هو الضِعف، مرة لأنها عاملة وتتعرض لظلم النظام الرأسمالي، ومرة لأنها امرأة تتعرض الى الظلم الجنسي بسبب النظام الرأسمالي، وان هذه الصفة الثورية للمرأة يعيها النظام الذكوري، تعيها التيارات الإسلامية وتدرك خطورة انخراط النساء في العمل السياسي، ولذلك ابتكرت العشرات من الأساليب ل”تحييد المرأة” ان صح التعبير. فمثلا ابتكرت منذ ثورة يناير في مصر ٢٠١١ التحرش الجنسي في ميادين الثورة، وعملت على تطوير اساليبها من قبل الاخوان المسلمين، وكذلك مثلما حدث في انتفاضة أكتوبر في العراق عندما طلب مقتدى الصدر بفصل الذكور عن الاناث، او حملة الاغتيالات التي حدثت في صفوف المنتفضات او التسقيط الأخلاقي المنظم الذي قادته التيارات الإسلامية خلال أيام الانتفاضة دون استثناء، ان المشترك هو الرعب من حضور النساء في ميدان الثورة والانتفاضة، وان كعب اخيل هذه الثورة بالنسبة للقوى الإسلامية هو المرأة، وهكذا تحول التحرش الجنسي الى ظاهرة اتسعت مدياتها وتحولت الى عقلية في المجتمع، ولم تكتف القوى الإسلامية بتلك الأساليب، بل راحت تنظر وتضع الأطر السياسية والاجتماعية لتبرير التحرش الجنسي، على سبيل المثال ان المرأة هي من تعرض مفاتنها، وان المرأة يجب ملازمة البيت، وان المرأة المحترمة لا تدخل في مناطق مزدحمة وان المرأة يجب الانتباه لأطفالها واسرتها بدل من الانخراط في سلك الثورة.. الخ من تلك الترهات التي طُبل لها. ومن هذه الزاوية أيضا تسن القوانين مثل قانون ٥٧ التي تحرم المرأة من اطفالها في حال انفصلت عن زوجها. فهذا القانون بالمحصلة النهائية هو سلب المرأة لإرادتها وحصر همومها ومشغلتها اما البقاء في كنف رجل احمق يمارس العنف عليها او يغتصبها كل يوم، او حرمانها من اطفالها لتدمى من الداخل وتعيش جرحا عميقا طوال حياتها وتكون أسيرة لذلك العذاب المستمر. انه قانون ينظم استعباد المرأة بشكل او بآخر، مثلما فعلت وحوش أنظمة النظام الرأسمالي عندما اجتمع الكل في وأد الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على المنطقة، عبر العبث بأمن الجماهير في مصر وتونس وفي سورية وليبيا والعراق واليمن ومقايضتنا، اما عدم الشعور بالأمان عبر اطلاق العصابات الإسلامية أمثال داعش والنصرة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مقابل الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة التي نادينا بها، او منحنا الأمان مقابل السكوت والخضوع على الاستعباد.
بعبارة أخرى ان التحرش الجنسي وقانون ٥٧ وقانون ١٢٨ لتأديب الزوجة وقانون ٤٠٩على سبيل المثال هو أوجه مختلفة لحقيقة واحدة.
بمعنى اخر هناك مصالح مادية للطبقة السياسية الحاكمة وراء هذه القوانين، سواءً على الصعيد الاقتصادي التي تعني مزيد من سرقة ما نستحقه من ثروات المجتمع، وعلى الصعيد السياسي إبقاء المجتمع خانعا وذليلا عبر تحييد نصفه.
لننظر الى حكومة السوداني وكل الحكومات السابقة، هل تحدث أي واحد منها في برنامجها الحكومي وضع حد لما تتعرض لها النساء في العراق؟ انهم فقط وفقط يتحدثون عن الفساد، ولكنهم لا يتحدثون عن الجرائم التي ترتكب بحق اكثر من نصف المجتمع، وحديثهم عن الفساد يأتي عبر تصفية الخصوم السياسيين، او محاولة لذر الرماد في العيون والتغطية على الجماعات التي تحتمي تحت ظل الحكومة الجديدة، ولكن يطرح سؤال بسيط، ايهما اكثر بشاعة، تصفية النساء التي تجري على قدم وساق مثلما حدث لطيبة وغيرها، ام السرقة وادامتها؟ الجواب على هذا السؤال ليس بأحداث المقارنة، لان هناك ترابط عضوي بين المسالتين، فدون اخضاع النساء وسيطرة كل التقاليد والقوانين المتعفنة، فلن يتمكنوا باستمرار سرقتهم وفسادهم، فالمجتمع الحر، المجتمع حيث تكون المرأة حرة، المجتمع الذي يعتبر تحرر المرأة هو معيار لتحرره، فلن تستطيع رؤوس الفساد ان تبقى كثيرا على رقاب أصحابها.
هذه الصورة التي نقدمها هي تحليلية لما وراء الظلم الواقع على المرأة، والتي تحاول البرجوازية اما تلطيفه او طمسه او تحويله الى سلوك أخلاقي مرتبط بالممارسات الفردية للأشخاص، كي تبعد نصال نضال الحركة الثورية عنها، وتكون بعيدة عن تصويبها لتلك الطبقة الفاسدة ونظامها المجرم.
وهذه المهمة الأولى للاشتراكيين والتحرريين في تبيان حقيقة الظلم السافر الواقع على المرأة، والكشف عن جذره السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تبيان حقيقة، ان الثامن من اذار هو يوم صرخة كل القوى التي تسمي نفسها بقوى ثورية وتحررية ضد الظلم الجنسي على النساء.
المسالة الثانية علينا نحن الاشتراكيين في تبيان ماذا يعني يوم المرأة، فقضية المرأة ليس قضية المرأة لوحدها، مثل ان قضية النضال من اجل انهاء الظلم العرقي ضد السود ليس قضية السود، او الظلم القومي على الفلسطينيين ليس قضية الذي يعيش فقط في جغرافية فلسطين، انها قضية الاشتراكيين بالدرجة الأولى.
ان السلطة السياسية المليشياتيه الحاكمة هي في اضعف اوقاتها ومليئة بالتناقضات سنكتب عنها، ولكن بما يرتبط بهذا الموضوع، فهي مرعوبة منذ أيام انتفاضة أكتوبر، وفي نفس الوقت ان التحولات الثورية في ايران ترعب هذه السلطة والقوى التي تقف ورائها، ان هبوب رياح هذه التحولات سيكون العراق احد الأماكن التي وجهتها، وعلينا الاستعداد لها كما تحدثنا.
اما المسالة الأخيرة، فهي مثلما استعباد المرأة وتحقيرها هو جزء من الهوية الاسلامية، علينا ان نكون نحن ند وخصم عنيد يصارع هذه القوى، وان نبرز المساواة التامة للمرأة مع الرجل جزء من هويتنا، ونصرخ عاليا ان تحرر المرأة هو معيار لتحرر المجتمع، فلا مجتمع حر مهما بلغ من تطوره التكنلوجي والعلمي دون ان تكون المرأة حرة.
وكلمة أخيرا نقولها، اذ نؤكد من جديد من الوهم كل الوهم ان نتصور ان بأماكننا احداث أي تغير ثوري في المجتمع دون مشاركة النساء، فتحييد نصف المجتمع يعني تسليم راس الثورة الى مقصلة الطبقة السياسية الحاكمة وسلطتها الميليشياتية الإسلامية.