وجد تقرير جديد بعنوان “العودة إلى المنزل في الوقت المحدد”، بان العمال الاستراليين يخسرون 131 مليار دولار
سنويا على شكل ساعات عمل إضافية غير مدفوعة الأجر. ويؤكد التقرير الذي أصدره مركز العمل المستقبلي التابع
للمعهد الأسترالي، في 22 تشرين الثاني 2023 أن العمال الاستراليين في المتوسط يؤدون 5.4 ساعات إضافية من
العمل غير مدفوع الأجر كل أسبوع اي 281 ساعة – أكثر من سبعة أسابيع عمل كاملة – على مدار العام التي تكلف
العمال في المتوسط 11,055 دولارا في العمل الإضافي غير المدفوع الأجر سنويا وهو ما يصل الى اجمالي 131
مليار دولار عند حساب كل القوى العاملة في جميع انحاء استراليا. ان أداء عمل إضافي غير مدفوع الاجر هو امر
منتشر في استراليا اذ يؤدي 70% من الطبقة العاملة عمل إضافي من هذا النوع حيث تعتمد عليه العديد من الشركات.
أن العمل غير مدفوع الأجر يمكن أن يتخذ أشكالا مختلفة، بما في ذلك التنسيب المهني، فترة اختبار مهارات العامل
لاختيار الوظيفة المناسبة، فترة تدريب وفترة الخبرة العملية غير المدفوعة الأجر، التطوع بالوقت والجهد لمنظمة غير
هادفة للربح من اجل تحسين فرص الحصول على فرصة عمل، اضطرار العمال القيام بكل ما يتطلبه الامر من اجل
المحافظة على فرصة العمل او الارتقاء الوظيفي، او دفع العامل مقابل النتائج وليس الوقت الخ.
ويحدث هذا في استراليا وهو بلد صغير نسبيا ويفترض ان الطبقة العاملة فيها قوية وحققت مكاسب مهمة على مدار عقود
من النضال ولايزال للنقابات نفوذ معين بالمقارنة مع بلد مثل أمريكا وفي وقت يشهد البلد معدل بطالة منخفض جدا وحتى
نقص في الايدي العاملة. ويحدث أيضا في وقت تم سن قوانين بشكل خاص لمنع سرقة الأجور وخاصة بعد الفضائح التي
كشفت بحق العمال الوافدين على تأشيرات العمل من الدول الفقيرة.
ويجب ان يكون واضحا بأن هذه ليست ظاهرة خاصة بأستراليا اذ الكثير من الدول حتى المتقدمة منها هي أسوأ من
استراليا بكثير.
وهذه القضية مثل مئات القضايا الأخرى تكشف مقدار التناقضات والخلل البنيوي في عمل كل النظام الرأسمالي، ففي
الوقت الذي يطلب أصحاب العمل ساعات طويلة بما فيه ساعات إضافية غير مدفوعة الاجر من العمال العاملين بدوام
كامل وبعقود، هناك نسبة كبيرة من العمال العاملين في وظائف “غير آمنة” وبدون عقود او بشكل وقتي يريدون المزيد
من ساعات العمل.
من المعروف ان وجود عمال بدوام وقتي وغير منتظم في اغلب الأحيان هو ليس لأسباب واقعية تفرضها طبيعة العمل.
بل من مصلحة ارباب العمل خلق حالة من انعدام الامن الوظيفي والتوظيف لساعات قليلة مما يمكنهم من الضغط على
العمال لقبول طلبات العمل الإضافي غير المدفوع الاجر، خوفا من فقدان الوظيفة او عدم تجديد العقود او قطع ساعات
العمل.
ويكشف التقرير أيضا ان استغلال الانسان للإنسان هي مسالة بنيوية في النظام الرأسمالي وليست مسالة متعلقة فقط بشجع
افراد. رغم الدعاية الايدولوجية للبرجوازية بان كل من صاحب العمل والعامل يحصلا على حصة عادلة في عملية
الإنتاج كل حسب مقدار الجهد ونسبة المخاطرة الا ان الواقع يبين تفاهة هذا الادعاء. ان علاقة الانسان بعملية الإنتاج في
النظام الرأسمالي هي علاقة استغلالية. لا يوجد رأسمالي يوظف عامل إذا لم يكن يخلق له فائض قيمة. وإذا كان
الرأسمالي يخاطر بجزء من رأسماله في مشروع ربحي فان العامل يخاطر بالكثير، من الدراسة في مجال معين، الى
صرف الجهود لكسب الخبرة الى احيانا نقل مكان السكن وإقامة العائلة واختيار المدارس للأطفال والتخطيط للمستقبل
ومئة قضية وقضية على أساس فرصة العمل التي يحصل عليها.
ان خلق فائض قيمة من عمل العامل أي استغلاله هو شيء شرعي وقانوني، لكن هنا نتحدث عن سرقة أجور بطرق
مختلفة التي هي غير قانونية حتى حسب قوانين البرجوازية نفسها.
في اغلب الأحيان عندما يتم ضبط مثل هذه الممارسات واثباتها يتم تفسيرها من خلال غياب الوعي بالقوانين وبالحقوق،
سوء التنظيم ورغبة العمال في الارتقاء الوظيفي الخ ويتم تبرئة النظام الرأسمالي.
وكالعادة يبين هذا التقرير بان الاستغلال كان أشده على الشرائح الضعيفة من الطبقة العاملة فمثلا أن أكثر من 19 في
المائة من ساعات العمل التي يعمل بها العمال المؤقتون والذين يعملون بشكل غير منتظم كانت ساعات عمل إضافية غير
مدفوعة الأجر، وهي أكثر من أي وضع وظيفي آخر.
كما كان الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يقعون ضحية لسرقة الاجور أكثر من الفئات العمرية الأخرى
بمعدل 7.4 ساعة من العمل الإضافي غير المدفوع الأجر في الأسبوع. فهذه الشريحة معرضة للاستغلال بشكل أكبر
لامتلاك خبرة ومؤهلات اقل مما يصعب عليهم التنافس على الوظائف، وهم يعملون في الصناعات التي تعتمد على العمل
الوقتي وغير المنتظم مثل الضيافة والفندقة والمتاجر حيث يتوقع منهم أداء عمل غير مدفوع الاجر وحتى اكمال فترة
“تدريب” غير مدفوعة الخ. رغم هذا هناك شركات يزيد فيها التوقع من العامل لأداء ساعات عمل غير مدفوعة الاجر
كلما ارتقى في السلم الوظيفي، اذاً هذا الامر ليس مقتصر على الشباب.
لقد اشتدت هذه الظاهرة في العقود الأخيرة وبروز ما يسمى بالوظائف الهشة و ساء الوضع بعد جائحة كوفيد 19 وزيادة
العمل من المنزل الذي يؤدي الى طمس الحدود بين الحياة المهنية والشخصية رغم ان العمل من البيت يوفر وقت الرحلة
الى ومن العمل.
النظام الرأسمالي لا يستند على الاستغلال القانوني للعامل فحسب بل على سرقة حصة العامل من الثروة التي يخلقها
المنافية لقوانين النظام نفسه. هذه الظاهرة تثبت مرة أخرى بان هذا النظام قد انتهت مدة صلاحيته ويجب تغيره. البشرية
قادرة على الاتيان بنظام أكثر عدلا، وهو النظام الاشتراكي المستند على تثوير علاقة الانسان بالإنتاج و ملكية العامل
لوسائل الإنتاج وليس توسيع دور الدولة في إدارة الاقتصاد.