هل “التقصير” فعلاً هو “المذنب” في فاجعة الحمدانية؟!
بعد ان إعتقلت وزارة الداخلية 9 أشخاص من الذين لهم علاقة بقاعة حفل الزواج، عزت سبب الجريمة الى حدوث “تقصير” ووجهت التهمة لهم وفق هذا الاساس! أي ان “تقصير” جمع من العمال والموظفين والفنيين والاداريين هو من يقف وراء هذه الماساة الاليمة التي يلتسع لها قلب كل أنسان شريف، ماساة أودت بحياة أكثر من مئة إنسان بريء معظمهم من الأطفال وجرح ما يقارب 80 شخص. أناس أتوا للفرح والاحتفال، ليصدموا باكبر مصيبة ضربت مدينتهم.
رمت الوزارة المصيبة على عاتق جمع من “المقصرين”، وإنتهى الامر! كل شيء باق في مكانه، ليس له صلة بالحادث، بل حتى تحدث بعضهم عن نسبة الحادث الى “مجهول”، او ان الامر جراء تماس كهربائي، وفق “تفسير” أصحاب القاعة وغيرها من مبررات مبتذلة. وبتصريحها في بيان خاص بهذا الصدد، تخلي الوزارة والسلطة كاهلهما بصورة صريحة .
ان هذه ليست المرة الاولى، فقد سبقتها حادثة العبّارة التي راح ضحيتها غرقاً مئات الابرياء. لا يعود الأمر الى “تقصير” و”غياب سبل السلامة والأمان” وغيرها، ولا الى “مسؤول ما” في المدينة او المحافظة ولا الى تقصير أحد. إن “الإهمال” و”التقصير” هما نتيجة وليست مبرر ولا سبب ولا اساس القضية. القضية أكبر من هذا بكثير.
انها فساد نظام ومنظومة وتعفنها التام. منظومة ليس للأنسان وأمانه وحقوقه أي مكان فيها، ليست مسؤولة بقدر ذرة عن المجتمع، عن أطفاله، كباره، مسنيه، خدماته، أمانه، مستقبل أجياله. انها منظومة سلطة أحزاب وجماعات مليشياتية وإجرامية لا صلة له بهذا المجتمع سوى نهب ثرواته وإفقاره وتجويعه وهدم كل معالم إجتماعية وسياسية وإقتصادية متعارفة ومألوفة. إنها منظومة حفنة من قطاع الطرق الاسلاميين والطائفيين والقوميين والعشائريين وغيرهم. إنها مليشيات ليس في قلبها أي ضمير وإنسانية وقيم الا قيم اللصوصية والبلطجة والاستهتار بحياة الناس.
بخلاف كل إدعائات أطراف هذه السلطة، فإن لم تكن مثل هذه المشاريع، قاعة الحفل، هي مشاريع حزبية صرف، فانها مشاريع لأناس يرتبطوا بالف وشيجة ووشيجة ربح ومصالح ومنافع متبادلة مع هذه الجماعات المليشياتية. ليس ثمة مشروع في العراق دون أن تكون لهذه الاحزاب صلة مباشرة به. والأخيرة نفسها بيدها وتحت سطوتها سلاح وسلطة الشرطة والقضاء لتمييع مثل هذه القضايا ودفنها وحماية المسؤولين المباشرين وصيانتهم من أن يُقادوا للمكان الذي من المفترض أن يُقادوا له، السجون! هل يعرف أحد ما حلً بالمسؤولين عن قتل المئات في عبارة الموصل؟! هل وُجِهت أصابع الإتهام الى المسؤول عن مجزرة سبايكر أو إنفجار مخازن السلاح والعتاد في الاحياء الشعبية وراح ضحيتها ما يقارب مئة بريء، وهل نال أحد جزاءه؟! وهل حُكِمَ على أحد؟! لم نسمع إن أحدا قد أقتيد للتحقيق والمحاكمة رغم كل المصائب التي ألحقوها بالبلد!
نعم هناك تقصير دون شك. بيده انه ليس الكهربائي الفلاني ولا البناء الفلاني ولا مصمم القاعة الفلاني ولا المشرف على القاعة ولا….. انه الطبقة السياسية المجرمة الحاكمة ومشاريعها وشركاتها التي لا تضع اي حساب للانسان وحاجياته وأمانه من الاساس. ان المقصر والمسؤول الأول والأخير هو السلطة السياسية الحاكمة بكل أطرافها وقواها سيئة الصيت. سلطة أبتلعت البلد كله في عملية نهب منظم جاري على قدم وساق منذ 2003 ولحد الآن. ولهذا، حين طرد اهالي المدينة وزير الهجرة وباقي المسؤولين ورفضوا إستقبالهم، فانهم عملوا ما هو صحيح، إذ رفضوا أن ينطلي عليهم هذا الرياء المنافق لمسؤولي السلطة الذين أتوا لذرف دموع التماسيح على ضحايا وقعوا فريسة هذه السلطة واستهتارها ونهم وجشع شركات أطرافها ومشاريعهم.
أن ثمة حقيقة برهنت عليها أكثر من 23 عام من حكم هذه السلطة المليشياتية بكل قواها هي: طالما ان هذه السلطة جاثمة على قلوب الجماهير، لن يجني أحد غير مصائب وويلات مثل التي جرت بالحمدانية وعبّارة الموصل. إن ما ينبغي عمله هو ليس إنتظار تفسيرها لما جرى أو أن تتحفنا بمبرراتها حول هذه الجريمة! ما ينبغي عمله هو توحيد وتنظيم حركة جماهيرية واسعة وعريضة لإزاحة هذه السلطة وكنسها مرة وإلى الابد من حياة المجتمع. إذا ننشد مجتمع لا تتكرر فيه جريمة الحمدانية والعبّارة وعشرات الجرائم غيرها باشكالها المختلفة، ينبغي إنهاء عمر هذه السلطة وهذه المنظومة كاملة.
فاشية سافرة:
في مواقف مثل هذه، لا تستطيع الفاشية الاسلامية والداعشية الحكومية الا ان تكشف عن وجهها القبيح! إذ ليست قليلة تلك الخطب التي يقوم بها الملالي وخطباء الجوامع الذين استغلوا جريمة الحمدانية لينفثوا سمومهم الاسلامية. إذ تعالت اصواتهم من منابرهم المسمومة بالحديث: “هذا تحذير لكم يا أمة المسلمين. أتعرفون لماذا حل هذا البلاء بأهل الحمدانية لانهم كانوا يرقصون ويغنون وينشرون الفساد والرذيلة.. بلمحة بصر حلّ الله غضبه بهم… أيتصورون ان عذاب الرب بعيد عنهم، بلحظة جعل النيران تتهاطل عليهم”!
كيف لأناس من مثل هؤلاء أعمتهم أيديولوجيتهم وعقيدتهم الدينية لهذا الحد من رؤية الالاف التي تصرخ وتبكي وتبحث بايديها في الانقاض عن أم لهم او إبن أو كبير في العمر؟! كيف يستطيعون إغماض أعينهم بصلافة وجلافة وبربرية عن رؤية ذلك الصراخ الذي يدمي القلب؟!! من اين يأتوا بكل هذا؟! ليتصوروا قليلاً ان هؤلاء هم أمهم وأبنهم وبنتهم وجدهم، أيتخذون الموقف ذاته؟! إن عقيدة ندفع البشر لمثل هذا السلوك لهي عقيدة يجب حذفها من تاريخ البشر، وليتم فضحها بوصفها شيء ينتمي الى ما قبل التاريخ الانساني. فهذا المكان الذي تستحقه!
من الواضح انهم خرجوا من منظومة عندها أي ربط أو صلة بانسانية. إنها داعشية سافرة ترعاها أطراف هذه السلطة المقيتة. كيف لإنسان يتمتع بذرة حس إنساني أن يتشفى بعشرات العوائل المفجوعة ببناتها وابنائها وأطفالها في يوم فرح وعرس. من أين يأتون بكل هذا الحد من الهمجية والبشاعة؟! إنهم أناس خارج اي منظومة إنسانية، واي تمدن وثقافة وحضارة وتطور وعلوم. إنها ذات الفاشية التي تطرب لقتل فاشنيست او مثلي أو اي إنسان بدم بارد وإستهتار.