“يقاطع”… “يشارك”، غدٌ مشرقٌ يبدأ من صفحة أخرى! (حول المهزلة الأخيرة للصدر بالعودة للانتخابات!!)
بعد ضجيج وصخب لما يقارب شهر ونصف، وبخطوة متوقعة ألفها كل من عرف “سماحة القائد”، عَدِل مقتدى الصدر عن قراره بمقاطعة الانتخابات. إن هذه ليست المرة الأولى التي يبلع “قراره”. إذ شهدت الجماهير قرارات مثل هذه مرات ومرات. فالتخبط السياسي، الذهاب يميناً ويساراً وبأقصى الصخب والحزم والدفاع المستميت لأبواقه عن هذه “القرارات الحكيمة” هو أمر ألفه كل متتبع للشأن العراقي وتعقيداته.
ما الذي جرى حتى يعود عن قراره “الحكيم” ذاك؟ ما الذي جرى حتى يطمئن انه لم يبقَ وجود لـ”مخطط شيطاني” كان قد جعله يقرر على اساسه الانسحاب؟! يقول انه يعود “لأن هناك أطراف يثق بها من القادة السياسيين قد تعهدوا له بميثاق وورقة “إصلاحية” اقنعته بالعودة، ووضع شرط أو تهديد مبطن ما معناه (إذا لم تجري الأمور مثلما تعهدوا، سيسلك سبيل النزول الى الشارع والتظاهرات المليونية و…)!!
بيد إن هذه ليست المبررات الواقعية والحقيقية. إذ ان أصل الأمور في مكان آخر. فما الذي يقوم به لو لم يشترك في الانتخابات واستمر بمقاطعته؟! انتخابات حثت وتحث كل الأطراف وتؤكد على ضرورة قيامها من الأمم المتحدة للاتحاد الاوربي والمؤسسات الدولية، أمريكا، اوروبا، إيران، المرجعية، القوى السياسية في العراق و….الخ الذين حذّروا كلهم من مخاطر هذه الخطوة (التأجيل) والمنزلق الذي يذهب اليه البلد (!!). وحتى لو قام 5% من المتوهمين بالانتخابات بالذهاب لصناديق “اللا اقتراع”، فسوف “يلفلفها” دعاة الانتخابات من الاحزاب المليشياتية الحاكمة على إن انتخابات قد جرت وفلان طرف وعلان طرف حققوا كذا اصوات ويشكّلوا حكومة ويديروا البلد لأربع سنوات أخرى، ويتواصل مسلسل النهب والجريمة المنظمة وغياب الدولة والقانون ودولة عميقة داخل “اللادولة”!. إذ ما يريدونه هو فقط بصمات حفنة من الناس، وهذه الحفنة موجودة، إلا وهي ذات الجماعات المليشياتية والقوات الامنية والمسلحة!
ان خطوته بالانسحاب من الانتخابات، وما اثاره هذا الامر من ضجة إعلامية وسياسية، وتقاطر من امثال مقتدى عليه من اجل الرجوع عن قراره كانت تتعقب هدفاً واضحاً. إذ شهدت السنتين المنصرمتين، وبالأخص جراء انتفاضة جماهير العراق في تشرين 2019، تراجعاً كبيراً للتيار الصدري وانخفاض جماهيريته جراء الاعمال الوحشية التي قام بها اصحاب القبعات الزرق وسائر ممارسات هذا التيار وإجرامه، وبالأخص بعد حرائق المستشفيات في الناصرية وبغداد التي راح ضحيتها العشرات. إن حركة الانسحاب كانت تهدف الى خلق ضجة جديدة لتحريك وبث روح اكبر في صفوف هذا التيار، وبالأخص انه مقبل على انتخابات! ان هذه المناورة تتعلق بمصالح انتخابية ضيقة، ولا صلة لها باي تغيير حقيقي في حياة ومعيشة عشرات الملايين من العراقيين. أذ هذا لا يأتي على يد التيار الصدري وأمثاله، وبالأخرى ليس له مكانة في ممارسة هذا التيار وأهدافه.
ولكن ماذا سيعمل هو؟! إن سيناريوا الاخرين الداعين للانتخابات معروف، ولكنه هو نفسه لا يعرف ماذا يعمل إن قاطع؟! إن مقتدى، بعد قراره بالانسحاب في منتصف تموز، هو في تيه تام! لا يعرف ماذا يفعل؟! رغم إن الآخرين قد وعدوه بانه سينال حصته من كعكة السلطة، حصصه، (وزاراته، مناصبه الحكومية، صفقاته وكوموشناته و… سينالها دون نقصان سواء أشارك في الانتخابات ام لا؟! ناهيك عن ضغوط الاخرين الشديدة عليه!
وإلا فالسؤال، ماذا في ورقة “الاصلاحات” التي وقعها البرزاني، الحلبوسي، الحكيم، العامري من شيء جديد؟! هل يحتاج أحد ان يذكّر مقتدى كم اتفاق ووثيقة “شرف” وتعهد وخارطة طريق تم توقيعها من قبل أولئك عديمي الشرف وماذا حلّ ببنودها؟! ما هو الجديد في تعهد “تحسين احوال الناس”، “التوزيع العادل للثروة”، “نزع السلاح المنفلت”، “محاربة الفساد”، “لا للمحاصصة”، “الحفاظ على هيبة الدولة” و…غيرها من أمور لا تتعدى حبر على ورق. ان الصدر قبل غيره مشارك في كل هذا وطرف أساسي فيه. فكيف نصنف “سرايا السلام” و”جيش المهدي” و”بلطجية القبعات الزرق” وغيرها من مليشيات الصدر؟! أي دولة وقانون تسير وفق “جرة الإذن”؟! هل أذكّره بماذا فعلت جماعته مع احد قيادييها، العوادي، الذي هجموا عليه وحرقوا مولاته و…غير ذلك؟! هل أذكّره بماذا فعلت ميليشياته، “سرايا السلام”، حين انتشرت في بغداد وبعثت الرعب في افئدة الناس باستعراض فج للقوى تحت حجة “لدينا أخبار ان هناك مؤامرة على المقدسات والمقدسات في خطر!!”، ناهيك عن “المحاكم الشرعية” التي شكلّوها وقتل الخوئي ومجزرة الشباب المثليين و… غيرها. إن مقتدى آخر من يتحدث عن “دولة” و”هيبة دولة” و”قانون” و”سلاح منفلت” و”فساد” والخ. أيتطلع احد ما الى وعود من امثال المذكورة اسمائهم اعلاه الغارقين في الفساد، النهب، الجريمة المنظمة و….الخ؟!
إن “ورقة الاصلاح” التي يتحدث عنها مقتدى، والتي على أساسها عَدِلَ عن قراره، ما هي ألا طوق نجاة وحبل نجاة لمقتدى الصدر. وإلا، لا يعرف ماذا يفعل. اذ بنيت كل العملية السياسية في العراق، وأشاعت الطبقة الحاكمة وابواقها المأجورة على ان لا سبيل سوى “الانتخابات”، حتى ولو كانت كارتونية وهزيلة إلى ابعد الحدود. لا يهم لأن ما ينشدوه هو فقط الصوت الانتخابي للمواطن حتى يحكموا باسمه لأربع سنوات مقبلة، حتى يسرقوا وينهبوا ويقتلوا ويسنّوا احط القوانين والقرارات الرجعية والمعادية للمرأة، للعامل، للطفولة، للشباب ولكل تطلع انساني.
يقاطع الصدر، يشارك الصدر، تقام الانتخابات، عدم اقامتها …. كلها ينبغي ان لا تكون قضية الجماهير في العراق. ان الانتخابات هي عملية لترتيب تقاسم السلطة والحكم، وبالتالي الكعكة والثروات، بين جماعات طفولية ولصوصية برجوازية معادية حتى النخاع لجماهير العراق. إن هذا الامر قضيتهم، لماذا نضفي الشرعية والقانونية على حكمهم؟! لقد حسمت جماهير العراق موقفها منهم بأوضح الاشكال والعبارات: “كلهم يعني كلهم” دون أي استثناء، من قوميين وطائفيين وعشائر وإسلاميين و…!
إن مستقل وغد مشرق لجماهير العراق يبدأ من صفحة أخرى تختلف كلياً، من إدامة اكتوبر-تشرين، من تصاعد وتعميق نضال الجماهير في كل محلة ومعمل ومركز دراسي، من ارتقاء العاطلين، العمال، الطلبة، الخريجين، نساءً ورجالاً بنضالاتهم وتنظيم انفسهم في اجتماعات عامة ومجالس وكل الاشكال التنظيمية الممكنة التي تضمن اوسع ما يمكن من تدخل الجماهير وفرض ارادتها وسلطتها المباشرة على هذه القوى المليشياتية