أبداً…لم يكنْ لحمنا لحمكم، ولا مثلنا مثلكم !!!
في خطاب متلفز للرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، عند زيارته لموقع الضربة الأمريكية التي استهدفت قاسم سليماني وآخرين. وسواءً أكان هذا التسجيل قديم أم بُعيد انتخابه، يكشف صراحةً عقلية هذا الرجل وحقيقة نظرتْ نظامه لهذا البلد وطريقة التعامل معه وخصوصاً بعد ما نكأت جراحه العقوبات الأمريكية. هتف بعد تأبينه للقتلى، قائلاً ” إيها الشعب العراقي، أن مثلنا مثلكم، أن لحمنا لحمكم، ودمّنا دمّكم، إنشا الله إلى يوم القيامة”. لكنه نسى أن يضيف أن بلدكم بلدنا.
النظام الإيراني بنسخته الأخيرة في الجلباب الإسلامي، قائم ايديولوجياً على فكرة تشكل جوهر محتواه والأساس الذي يعتمد عليه في علاقاته مع الآخرين، فكرة ما يسمى لديهم بتصدير الثورة الإسلامية وهي واجبة عقائدياً حسب ما يدّعون؛ وهي إطار للفكر التوسعي الإمبراطوري القومي الفارسي أيضاً، على حساب جيرانهم، وعلى حساب جماهير إيران التي تقاسي من بربرية السيطرة الدينية وتكاليف المغامرات التوسعية.
يدخل رئيسي أو غيره من قادة إيران إلى العراق، من الباب الواسع ” إن مثلنا مثلكم”، وترجمتها الفورية لواقع السياسة الملموس، إن أحزاب وجماعات سياسية عراقية تعمل بإخلاص، وتشرع جميع الأبواب أمام النفوذ الإيراني. تتغلغل هذه الجماعات في مفاصل الاقتصاد العراقي عبر ميليشياتها المسلحة بدءاً من المناقصات وعقود النفط ومنحها لشركات إيرانية، وتحكّمها في المنافذ الحدودية البرية والبحرية، وغسيل الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى إيران، ومصارف تعمل لحسابها أيضا…
وتعطيل الصناعة وخصوصاً فيما يتعلق بإنتاج الغاز، من أجل جعل العراق يعتمد على الغاز الإيراني لإنتاج الطاقة الكهربائية، واستشراء الفساد والتخريب المتعمد، في قطاع الكهرباء ومن ثم استيرادها من محطات التوليد الإيرانية، مقابل مليارات الدولارات سنوياً. هكذا جعلت الاحزاب الموالية لإيران من العراق اقتصاداً رديفاً ومنفذاً لإنقاذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار بسبب العقوبات الأمريكية الخانقة.
حاجتنا نحن العراقيون، مع دخولنا بدوامة الصيف القائظ، للكهرباء. لاستمرار عمل المستشفيات والمؤسسات الانتاجية والخدمية…، والمنازل للتخفيف من وطأة درجات الحرارة اللاهبة، لتشغيل أجهزة التبريد والثلاجات العائلية. الحاجة الأكثر أهمية لحياة الملايين تفاجأنا منذ أيام بتراجع ساعات تجهيز الكهرباء إلى حدود متدنية جداً، وأحياناً انعدامها كلياً في كثير من مناطق العراق وتحت مطرقة الخمسين درجة مئوية التي لا ترحم حتى الجمادات.
مصادر حكومية عراقية، وتقارير دولية تشير إلى إن (الجانب الإيراني) قد قطع خطوط الإمدادات الكهربائية، وخفّض كميات الغاز التي تزود محطات توليد الطاقة الكهربائية، بسبب تأخر دفع مستحقات مالية لإيران هذا ما أبلغته الأخيرة لوزارة الكهرباء العراقية، وتهديدها إنها ستخفض الإمدادات أكثر خلال الأيام القادمة ما لم تدفع الحكومة العراقية الديون المترتبة عليها.
التوقيت في قطع إمدادات الكهرباء والغاز في ذروة الحاجة إليها، يُظهر بجلاء ضعة هذا النظام ولؤمه. إنهم يجعلون من ملايين الناس يأنون تحت إعياء سخونة الجو، يمرض الأطفال لعدم قدرتهم على تحمل حرارة نصف درجة الغليان، إصابة الكثير من العمال في مختلف القطاعات الخاصة والحكومية، ومن باعة في الأسواق، وموظفي الدوائر والمؤسسات الخدمية التي لا يُعطل دوامها، بضربات الشمس. وتتحول المنازل إلى ما يشبه الأفران وتعرض ساكنيها إلى اضطرابات الدورة الدموية والجفاف والصداع…الخ من أعراض يسببها ارتفاع درجات الحرارة، وعدم وجود تبريد كافٍ.
من أجل الضغط على الحكومة التي تخشى اشتعال احتجاجات مطالبة بتحسين الكهرباء، حتى تدفع مستحقاتها المالية. تضحي بصحة جماهير العراق وحاجتها الماسة لتلطيف أجواء حياتها اليومية العائلية أو في أماكن العمل.
هذه حقيقة العقلية التي يسلكها النظام الإيراني في تعاطيه مع العراق، استناداً إلى جموحه التوسعي وغروره القومي، ونفاق إعلان ” أن لحمنا لحمكم، ودمّنا دمّكم…”. النظام الإيراني نظام فاشي بكل ما يحمله التعريف للفاشية من معنى التي هي شكل خاص من استبداد رأس المال، من عدائه وعنفه الدموي ضد العمال والاشتراكيين، ورفع التعصب القومي فوق مصادر كل ولاء وانتماء آخر، وبغضه للتحرر والحركات التقدمية النسوية والاجتماعية الأخرى وتطلعات الشباب العصرية…وفضلاً عن كل ما يميز الفاشية من قواسم مشتركة، يتفرد هذا النظام عن كل فاشية أخرى كونه يتخذ من رجال دين رموزا كارزمية يرفع من شأنهم فوق مستوى البشر، ويفرض على الجماهير الخضوع بلا جدال لطاعتهم، كأنصاف آلهة.
هذه الطبقة البرجوازية المتلفعة بعباءة الدين وقدسية رجاله، والقادمة من دياجير مغرقة بالظلام والرجعية، تدرك تمام الإدراك إنها تعيش خارج الزمن المعاصر، ومرفوضة من عموم جماهير إيران المتعطشة للحرية والرفاه، وجماهير المنطقة، والعراقيين بالذات، لما تلقوه من ألوان من الكبت المذل والنهب الفاضح وتخلف لا تقبله أي نفس سليمة مصدره الجماعات السياسية العاملة مع النظام الإيراني. لم يبق أمام هؤلاء غير انتهاج سبيل القمع المميت والعلني أو انتهاج النفاق المحترف من مؤسسة عمرها مئات السنين ولا تملك سوى حرفة النفاق المدروس، لكي تحافظ على امتيازها بالسلطة وتمتعها بمكاسبها.
التيار الاجتماعي المعاصر، يتجه بقوة نحو نبذ أي شكل من أشكال تسلط رأس المال وأي شكل من أشكال الفاشية القديمة أو التي تظهر في أي مكان حالياً. وهي في موضع الدفاع عن النفس أمام احقية الناس بالحياة. فكيف بفاشية دينية تُعرّف العالم والحياة الحديثة، بمقتضى تصورات القرن السابع الميلادي.
خطاب رئيس المذكور للعراقيين، جزء من افرازات العقلية الامبراطورية المزمع إقامتها في المنطقة والنظرة الاستعلائية الشوفينية، ملفوفة في عبارات منافقة؛ يفضحها واقع السياسة على الأرض، وواقع التعاطي مع جماهير العراق التي تصرفت بلؤم في قضية الكهرباء والغاز خلال الأيام القليلة الماضية، وكأن النظام الإيراني بعقليته المتخلفة، لا يعد ولا يملك أي اهتمام بوجود بشر في هذا المكان.
إن جماهير العراق قد قالت كلمتها واصدرت حكمها النهائي بحق الأحزاب والنظام العراقي الحاكم، والمسألة مسألة وقت حتى تعيد الجماهير حساباتها بضوء تجاربها من تراجع ونجاحات، في المواجهات مع جميع الاطراف الحاكمة والمتنفذة. وتنظيم نفسها وقوتها الجبارة لإقامة (وطن) تنعم الملايين بالرفاه تحت ظله، وبالمساوة والتمدن. كما هي جماهير إيران تصارع نظامها وتستعد الآن للجولة الحاسمة للخلاص من استبداد طبقي متعفن لا يليق بالبشر في أي مكان على الأرض.