المؤتمر السابع للحزبالمقالات
أخر الأخبار

أوضاع العالم وسياستنا الشيوعية العمالية

  1. خلال العقود المنصرمة، شهد العالم إضطرابات وأزمات إقتصادية وسياسية وحروب مدمرة ذات مخاطر جدية كثيراً على الإنسانية. إضطرابات وأزمات ناجمة عن تغيرات في إصطفاف وهيكلية البرجوازية العالمية تركت تأثيرها على الملامح السياسية-الاقتصادية والإجتماعية لمستقبل العالم.

يمر العالم بمسار إعادة تقسيم للسلطة وصياغة عالم متعدد الاقطاب بلاعبين متعددين وكتل متنوعة وغير ثابتة. ان النشوب الدائم للأزمات والحروب المتواصلة والإرهاب الحكومي وغير الحكومي والعسكرتارية السافرة والمنفلتة هي كلها جزء من مقاومة البرجوازية الغربية تجاه تغيير الهيكلية في صف البرجوازية العالمية.

بالإضافة الى ذلك، رافق التغير في الترتيبات السياسية-الاقتصادية للعالم، خلال العقود الثلاثة المنصرمة، أوسع الحملات على القيم الإجتماعية والسياسية والأخلاقية والثقافية ومكاسب الإنسانية في المجتمعات الغربية في القرن العشرين، وفي الوقت ذاته، فرض سيادة وهيمنة القوى الرجعية الدينية والقومية على أقسام محرومة في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط.  

  •  ان الأزمة الإقتصادية الرأسمالية وإخلاء الحكومة لمسؤوليتها التامة تجاه حياة المواطنين ورفاههم  والهجمة عئلى الحريات الفردية والمكاسب الإجتماعية والثقافية والسياسية والقيم الإنسانية والتدهور في معايير الحياة هي سمة “العالم المنتصر”. ان الانحطاط السياسي والأيديولوجي والثقافي والأخلاقي التام للبرجوازية وتأزم نموذج النمور الإقتصادي البرجوازي بنموذج “السوق الحر” وإنفلات الربحية الرأسمالية في الهجمة على مجمل مستلزمات حياة البشر من معيشة المليارات حتى تدمير البيئة وتعاظم الهوة مابين الفقر والثروة في عموم العالم، وبالأخص فشل “الديمقراطية الغربية” هي السمة المحددة للعالم المعاصر.

في أوج عولمة الرأسمال، وفي رحم التطور التكنولوجي السريع والثروة  وإستمرار الحياة والبقاء الفيزيقي لمئات الملايين من البشر في البلدان المبتلاة بالحروب من أفريقيا وآسيا إلى أوربا وأمريكا. عالم كانت سمته الأساسية “هزيمة الشيوعية” وإنتصار”الديمقراطية الغربية”، وعلى النقيض من وعود البرجوازية في “العالم المنتصر”، فانها لم تكن مرحلة استقرار وهدوء ورفاه وأمان، بل مرحلة إضطراب وضبابية وياس وجزع وحرب ودمار وإنعدام أمن وإتساع الفقر والحرمان وأوسع ابعاد دمار البيئة في ارجاء العالم.

  • خلال العقد الأخير، كان العالم ميداناً لحركات إجتماعية صاغت المسار السياسي في المجتمعات المختلفة. ان مقاومة الإنسانية المتمدنة لهجمة البرجوازية في جميع ميادين الحياة، من مجابهة التقشف الى التصدي للهجمة على الحريات السياسية والفردية، ومن مجابهة النزعة العسكرتارية المنفلتة العقال الى التصدي لإضفاء صبغات قومية ودينية على حياتها ونضالاتها، مجابهة الحملة الفكرية والأيديولوجية والثقافية وفرض التراجع على المجتمع البشري هي سمة أخرى للعالم المعاصر.

ان تصدي الطبقة العاملة والجماهير المحرومة للفقر في أوربا وافريقيا وأمريكا والهند وآسيا  والشرق الأوسط هي زاوية من المقاومة العالمية للتقشف والهجمة على مكاسب الحركة العمالية. ان ثورات الربيع العربي والحركات الإحتجاجية في الشرق الأوسط والتحركات الثورية في إيران وفرض التراجع على الرجعية القومية والدينية في الشرق الأوسط وافريقيا وحركات الدفاع عن جماهير فلسطين في عموم العالم وبالأخص في البلدان الغربية هي وجه آخر لهذه المقاومة. انها مقاومة وفرت الفرصة والإمكانية لصياغة وتشكيل قطب راديكالي يصيغ غد البشرية ويضعه بيد سكان الارض اكثر من اي وقت مضى.

  • في البعد السياسي، بعد ثلاثة عقود من هجمة اليمين المحافظ في الغرب وتحويل اليسار والإشتراكية غير العمالية الى ملحق وهامش لليمين التقليدي والمحافظ، نشهد اليوم تغيرات مهمة في المقاومة في المجتمعات الغربية. رفعت الطبقة العاملة مرة أخرى رأسها بصورة مستقلة عن اليسار البرلماني والإشتراكي الديمقراطي وخروج الطبقة العاملة والأجواء السياسية والحركات الاجتماعية من تحت هيمنة اليسار البرلماني وفرض التراجع على هجمة اليمين على المكاسب السياسية-الإجتماعية-الإقتصادية للمجتمع الإنساني والتغيير المهم في الاصطفافات السياسية في المجتمعات الغربية. وبرز سقوط آخر التوهمات في المجتمعات الغربية فيما يخص البنية السياسية و”الديمقراطية البرلمانية”، والتصدي للحملة السياسية والثقافية والايديولوجية للأحزاب والتيارات التقليدية، وتشكل حركات في الغرب داعية لتحطيم الأطر القائمة ومسار العودة والتخلص من الأسر السياسي- الأيديولوجي قي قلب “العالم الحر”.

ليس ثمة مرحلة بقدر اليوم برز فيه التناقض القائم ما بين حاجات المجتمع البشري والإقتصاد الرأسمالي.  ليس ثمة عصر مثل اليوم تبين فيه للمجتمع البشري تفسخ النظام السياسي لا في البلدان المبتلاة بالإستبداد، بل في عمق “العالم الحر”. ليس ثمة وقت بقدر اليوم سقطت فيه مشروعية الحكومات والبرلمات والأحزاب البرلمانية والمؤسسات الدولية لهذا الحد.

  • على الصعيد العالمي اليوم، ثمة أزمتان تركت تأثيرها سواء على الصراع الرجعي العالمي لإعادة تقسيم العالم وتغيير توازن القوى أو على الجو السياسي والإجتماعي العالم وعلى صياغة نهضة إجتماعية-سياسية للمجتمع البشري. مع الحرب في أوكرانيا والإبادة الجماعية في فلسطين، دخل العالم مرحلة أخرى من التحولات الحاسمة والمصيرية وفي إصطفافات القوى العالمية وفي صف البرجوازية والطبقة العاملة وفي صف القوى الحاكمة والجماهير المحكومة.

الف: كانت حرب أوكرانيا إعلاناً لدخول أحد الأقطاب العالمية، روسيا، في سباق عسكرتاري مع الناتو للمشاركة في “إدارة العالم”. حرب، من جهة، صاغت إصطفافات سياسية وصراعات جديدة في صف البرجوازية العالمية، ومن جهة أخرى، عمقت من الأزمة والمعضلات الأقتصادية بالأخص في أوربا.  ان سياسة الحكومات الغربية تجاه  هذه الحرب هو إرسال المساعدات العسكرية والتسليحية الكبيرة لأوكرانيا والنفخ بنار الحرب وزيادة ميزانياتها النظامية والتسليحية تحت حجة “خطر هجمة روسيا على أوربا”. بالاضافة الى تصعيد أجواء الحرب، تعاظم بسرعة الضغط الإقتصادي على الطبقة العاملة وأغلبية الجماهير في عموم العالم. انها حرب يمكن أن يؤدي إتساعها الى جعل البشرية عرضة للفناء.

أدت حرب أوكرانيا في الأجواء السياسية الى تقوية اليمين الأوربي ذا النزعة والشعور بالتفوق والأفضلية. وبحجة هذه الحرب، تمثلت مجمل المساعي  السياسية والإقتصادية والعسكرية للبرجوازية الغربية من أجل إحياء هيمنتها المفقودة والعودة الى عالم ثنائي القطب وتشكيل كتلة بهوية وسمات أيديولوجية وسياسية مشتركة بمجابهة “العدو المشترك” تحت يافطة “رعب روسيا”. انها دعايات سياسية-أيديولوجية لمرحلة الحرب الباردة ومناهضة الشيوعية، وهي سعي من ضمن هذا التوجه وجزء من برنامج عمل برجوازية الغرب وأمريكا لإحياء مكانتها السياسية-الأيديولوجية المفقودة في العالم. انه سعي. وعلى الرغم من الخسائر الباهضة، لم تتمكن من مليء الفراغ الأيديولوجي القائم في صف البرجوازية العالمية بقيادة أمريكا.

ب: ترتب على إبادة جماهير فلسطين هلع البشرية من توسع العسكرتارية السافرة، ومن جهة أخرى، أوجب حضور الملايين في عموم العالم الميدان بالضد من جريمة حرب حكومة اسرائيل والنزعة العسكرتارية للغرب.  ان جرائم الهيئة الحاكمة الاسرائيلية في غزة، وبدعم تام من أمريكا، حولت العالم كله الى ميدان للإنهاء الدائم لحياة “امبراطورية” الحرب والنزعة العسكرتارية. ان إنهاء سباق العسكرتارية الذي قيادته بيد البرجوازية الغربية، اصبح عملياً في جدول أعمال البشرية في أرجاء العالم قاطبة، وبالأخص في المجتمعات الغربية نفسها.

أدت حملة الإبادة في قطاع غزة  الى تشكل وصياغة حركة عالمية للدفاع عن جماهير فلسطين والدوس على مجمل الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية والإجتماعية. لم تُعجن الحركات السياسية-الطبقية في أنحاء العالم بهكذا حد بقدر اليوم.

  •  ان الدفاع عن جماهير فلسطين بوجه الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة جلب للميدان حركة جماهيرية عالمية للجم النزعة العسكرتارية وماكنة القتل. انها حركة تستند الى قدرة وقوة الجماهير. إذ إرتبط اليوم الدفاع عن جماهير فلسطين بالإحتجاج على التقشف والفقر والبطالة وبالتصدي للهجمة على الحريات السياسية والإجتماعية، وبالوقوف ضد سياسات العسكرتاريا وبمعارضة البشرية لحكوماتها نفسها من الشرق الأوسط الى أوربا وأمريكا.

كانت الحركة العالمية المدافعة عن جماهير فلسطين مستهل نهوض الجماهير وخاصة في الغرب، مستهل تداعي وإنهيار آخر التوهمات والثقة بالديمقراطية الغربية، وبالبنية السياسية في الغرب وبقدرة ومشروعية المؤسسات الدولية ومستهل نهاية فترة مسخ البشرية، بالأخص في “العالم الحر”.

  • غدا العالم اليوم أكثر إستقطاباً وباصطفاف طبقي-سياسي أكثر شفافاً، وهذا فتح الأبواب لميدان عريض لتدخل البشرية سواء بابعاد عالمية أو محلية على السواء. فتح باب تقدم حركات عالمية وإقليمية، بوجه لا تخفيف وطأة سقوط قيادة البرجوازية الغربية بقيادة أمريكا على العالم، ناهيك عن إنهاء مأزق وهزيمة نزعة عسكرتارية القت بظلالها على العالم قاطبة هو عمل قطب يساري، شيوعي، عمالي وأممي. ليس ثمة مرحلة بقدر اليوم تكشفت فيه بوضوح  الهزيمة والافلاس الاقتصادي-السياسي والانحطاط الايديولوجي والأخلاقي للبرجوازية. انه إفلاس وهزيمة وتراجع إعتبار وحيثية، يرافقه انبلاج فجر الطاقات العظيمة للشيوعية العمالية. ليس ثمة مرحلة بقدر اليوم برزت فيها الحاجة لشيوعية مقتدرة وإجتماعية. لقد توفرت للشيوعية في العالم الحقيقي مرة اخرى فرصة تاريخية.
  • الطبقة العاملة وشيوعيتها وحزبها في العراق تعد نفسها جزءا لا يتحزأ من هذا النضال العالمي بوجه العسكرتارية والحرب وإنعدام الامان والفقر وتدمير البيئة والخ. ولن يألوا جهداً للعب دورها التاريخي في الدفع بهذا الصراع العالمي ضد البرجوازية العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى