إبادة النساء لأجل ” الشرف غير الرفيع”!
إبادة جماعية منظمة تشن ضد النساء فقط لأنهن نساء. قوانين واعراف وضعها النظام الذكوري، من رجال عشائر ودين، وقضاة في القانون. هذه الابادة تنظم تحت اسم واسع أُريد له أن يكون مخيفاً، بل ومرعباً، اسمه “الشرف”! آلاف الجرائم ترتكب ضد النساء تحت هذه اليافطة سيئة الصيت. اصبح يُنظر للنساء وكأنهن قنابل موقوتة، ديناميت قابل للانفجار في أية لحظة ليقضي على حياة المرأة اولا وقبل اي كان. جعلوا من وجود المرأة بحد ذاته خطر على المرأة ذاتها. اصبح وجود النساء تهمة، جريمة، تحولت المرأة الى متهم دائم يتوجب عليه اثبات براءته في كل خطوة يخطوها. جعلوا من وجود النساء قلق دائم، قلق يتحرك على الارض، ويجب مراقبة كل خطوة وكل تحرك، وكل خروج او دخول، كل اتصال هاتفي، كل حديث، كل اتصال مع بشر خارجي، مراقبتها عن كثب ومنعها في المقام الاول من التحرك كما تقرر وتشاء. هذا المفهوم “الشرف” هو خطر دائم ومستمر ومحدق بحياة النساء والفتيات. ولأجله قتلت النساء. لم يقتل الرجل يوما بدافع “الشرف”، ولا نريد لأي انسان أن يقتل تحت هذا الاسم أو أي اسم.
تقتل امرأة وأمام مرأى الجميع، دون ان يتجرأ احد على انقاذ الضحية. كما حدث مع مقتل الشابة نورزان هذه الايام. يكفي ان تقول ان القتل حدث على اساس” الشرف” حتى يتنحى الجميع جانبا. يبلع الجميع السنتهم. ينتقلوا من صف الضحية الى صف المجرم. لان المسالة تتعلق بهذا الشبح الاسود هائل الظلال، الذي اسمه ” الشرف”!
ولكن ما هو هذا “الشرف”؟ ما هذا الاخطبوط المرعب، الذي لا يجب ان يمسه احد، الذي يجب ان يحافظ عليه الجميع، والذي يجب ان يحافظ عليه الرجال والنساء بحيث لا يجب ان تغفل عيونهم لحظةّ عن حمايته ؟ فاذا انهار “الشرف”، انهارت كل المنظومة الاجتماعية للأسرة. ما هذا البعبع الذي يدفع الرجال بالفعل لإبادة النساء بشكل يومي، مستمر، متواصل، حفاظا عليه؟
ان الشرف هو مصطلح يجري استخدامه من اجل أحكام السيطرة على جسد وكيان وقرار المرأة. للسيطرة على اجساد النساء وقراراتهن، يحتاج المجتمع الابوي الذكوري الى مصطلح مخيف، مرعب، يغشى امامه الجميع خاشعين، عاجزين عن مسه. الشرف هو خطاب ذكوري هدفه السيطرة على المرأة وقرارها واخضاعها والتحكم بها كما يريده ذوي العقلية الذكورية من الرجال بشكل عام واحيانا من النساء انفسهم. كلمة ” الشرف” يعني التحكم بخيارات المرأة بحيث لا تنتهك مجموعة القوانين والأعراف الاجتماعية، والعادات، والتقاليد، التي كلها تلف وتدور على خدمة فكرة واحدة: اخضاع المرأة وملكيتها للرجل. بحيث يصبح هو صاحب الحق في التصرف بهذه الملكية.
ليس الهدف من “الشرف” هو حماية كرامة المرأة، واحترام شخصيتها على الاطلاق. بل العكس تماما. هو هدر شخصية المرأة وكرامتها، لأنها امرأة!
المرأة التي تغتصب، وفق المادة398 من قانون العقوبات رقم 111، يوقف تحريك القضية ضد المغتصب اذا تزوجها، اين “شرف” وكرامة المرأة اذن؟ المرأة لا كرامة لها. فالمرأة تغتصب ويكافئ مغتصبها بتزويجها، ليستمر باغتصابها بشكل يومي وضمن “القانون”!!
قانون العقوبات ينص على “تأديب النساء”، يعطي الحق للرجل بضرب وتعنيف المرأة. ويعتبره حقا معطى للرجل؟ فاين هي كرامة و”شرف” المرأة هنا؟ وهي تمسح في الارض مثخنة بجراحها وقد تصل للموت؟ اين هي كرامة المرأة؟
يتفاخرون بتشريع قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 ومعاقبة التحرش الجنسي، الا انهم سمحوا للجاني بالإفلات من العقاب، بتقديم “غرامة مالية”! فبمالك تستطيع التحرش وتستطيع النجاة من العقوبة. واذا ما صدر، نقول ” اذا” ما صدرت عقوبة الحبس، فيمكن ان تصدر مع وقف التنفيذ استنادا الى المادة 144 من قانون العقوبات العراقي. فالمرأة “لا شرف لها” ، لا كرامة لها.
الشرف يعني اعطاء الحقوق للرجل على حساب المرأة. الشرف يعني مصادرة حقوقها، التنكر لآدميتها وانسانيتها ككائن له نفس الحقوق لدى النوع البشري الاخر الذي اسمه الرجل. ابادة النساء باسم الشرف يضاهي ابادة الألمان لباقي اجناس البشر باعتبارهم من الجنس الاري المتفوق على البشر. وكهيمنة ذوي البشرة البيضاء على ذوي البشرى السوداء فقط لاختلاف اللون. الرجال ليسوا متفوقين على النساء بسبب الجنس كما لم يكن الشخص الابيض متفوقا على الاسود بسبب لون جلده. والنظام الذي اقيم على اساس تفوق الرجل، نظام يجب ان ينتهي ويزول. يجب ان يحل محله نظام قائم على اساس المساواة. المساواة الكاملة وبدون اي قيد او شرط. ولتحقيق قوانين عادلة تساوي بين البشر يجب ازالة وحذف كل هذه القوانين ورميها في مزبلة التاريخ. لتبدأ بعدها قوانين جديدة توضع للبشر لا لتفرق بينهم على اساس جنسهم: قوانين لصالح الرجال ضد النساء!
تعاظم الحديث عن” الشرف” وازدادت جرائم القتل على اساس الشرف في العقود الاخيرة، بسبب التردي الرهيب في الاوضاع الاجتماعية والذي نتج عن سياسات الدولة بالدرجة الاولى وفي المقام الاول. إنها ليست مفصولة عن الطبقة السياسية الحاكمة وقواها التي تشترك جميعها بمعاداة المرأة. فمع قلق السلطات الحاكمة، من فقدان سلطتها، منذ عام 1991 وخوف النظام آنذاك من فقدان سيطرته على المجتمع، مد كلتي يديه للعشائرية، من اجل كسب ولاء شيوخ العشائر. كسبهم بالأموال والسلاح، وجلب معهم قيمهم، وعاداتهم، ايضا. وتكررت السياسة ذاتها بعد عام 2003، مدت كل الحكومات ما بعد هذا التاريخ ولشدة نهمها للسلطة، أيديها للعشائر، وبدأت تدفع وتغذي بالنزعات العشائرية و تسعى لكسب ولاء شيوخ العشائر بالرشاوى والاموال من اجل تقوية موقعها في السلطة. وبالتالي، تقوية قيم العشائر والعشيرة والذي يعد “قتل الشرف” من موجبات التعامل مع المرأة التي “تخرج عن الطريق”. لا يمكن فصل شيوع هذه القيم وعواقبها الدموية على المرأة عن الطبقة والسلطة الحاكمة. انها مسالة سياسية بالدرجة الاولى. ولإعادة الكرامة الحقيقية للمرأة، يجب انهاء مجمل هذا النظام بسياساته وقوانينه واعرافه واخلاقه وتقاليده.