إبراهيم رئيسي رهان خاسر!!
يعيش النظام الإيراني اليوم أسوء مراحل وجوده في الحكم المتصل منذ ما يزيد من أربعة عقود. نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة عليه ومن عدد من دول أخرى، لإضعاف قدراته لتطوير أسلحة نووية. النظام الإيراني يعيش حالياً بين طرفي معادلة: لا يسمح له بحيازة سلاح نووي تمنحه بالنتيجة قدرة لفرض نفسه كطرف قوي في المعادلات السياسية في المنطقة والتأثير على المصالح الاستراتيجية التقليدية للغرب، ولا توجه لقدراته العسكرية ضربة (وقائية) لا من أمريكا ولا من إسرائيل حليفتها الموثوقة؛ تجنباً لتطاير الشرار من عدد من المناطق التي يمتلك النظام الإيراني امتدادا عسكرياً عبر ما يُعرف بالأذرع، تلك الفُرق الجاهزة للرد على مثل هذه التهديدات. الذي سيكلف ( في حسابات) أمريكا وإسرائيل في حالة نشوب مواجهة عسكرية ثمناً هم في غنى عنه.
وفق هذا الحال، يبقى اللجوء إلى طريقة (النار الهادئة) لتحطيم قدرات النظام الإيراني، هو الحل الأسلم. والاستنزاف عبر طريق طويل من مسلسل مفاوضات بلا مآلات، حول ملفها النووي من جهة، ومطرقة العقوبات من جهة أخرى مقابلة وكذلك دور إسرائيل الموازي لما تقدم، في العبث والتخريب المخطط بالبرنامج النووي والقدرات العسكرية واغتيال العلماء النوويين…الخ. والشواهد على طريقة الاستنزاف والعقوبات الاقتصادية والحصار، ليس بعيداً عن إيران، مثل ما فُرض على جماهير العراق حصاراً خانقاً مدة ثلاث عشر عاماً.
تكبدت الملايين في العراق من الحصار عذابات الحياة غير منقوصة، البلد الذي تكالبت عليه حكومات كثيرة بهدف تعجيز دفاعات نظامه وإسقاطه ومن ثم احتلاله ونهبه. وفي حال مشابه تماماً وقعت جماهير إيران الآن فريسة للعقوبات الأمريكية القاسية، ونظام همجي لا يعرف للرحمة سبيل.
العقوبات وجملة من الإجراءات الاقتصادية والتجارية والمالية… التي فرضتها الإدارة الأمريكية على إيران، أدت إلى آثار باهظة الثمن تدفعها جماهير إيران يومياً، من معيشتها واستقرار حياتها ومستقبلها. الجماهير هي الطرف الخاسر دائماً، والأنظمة قادرة وفق آليات وجودها بالسلطة على حماية نفسها وتحصين وجودها من كل الأخطار التي تهددها. وشواهد لا حصر لها على مستوى العالم، برهن تاريخ النزاعات الدولية القريب كيف تستطيع درأ الخطر عنها وتلقي بجمر الحصار والعقوبات إلى أيدي جماهير بلدانها. مع تفاقم الأزمة بين النظام الإيراني وأمريكا، يتأزم الوضع الداخلي تحت وطأة الحصار، إلى حدود تنذر بالانفجار؛ تخشى السلطة من خروجه عن السيطرة، وملامح ثورة جياع جديدة تلوح في الأفق، مرصودة من قبل النظام نفسه ومن كل متابع للوضع الإيراني.
الطريقة التي أفضت من خلالها، إلى وصول إبراهيم رئيسي للرئاسة، طريقة مرتبة وبإعداد مسبق لضمان فوزه بالانتخابات كممثل للنظام المتشدد، هذا ما أشار إليه كثيرون من داخل البيت الإيراني، من مرشحين مستبعدين، وسياسيين مخضرمين، وحتى من داخل دائرة المرشد الذي يحظى بدعمه غير المشروط، بأن الانتخابات الرئاسية (مهندزة) النتيجة.
الرئيس الجديد، معروف داخلياً ودولياً، بسمعته كمحترف جريمة. يتحدث ناجون من مجازر الإعدامات وأهالي المعدومين وتقارير دولية موثقة كثيرة، عن مساهمته بحملة إعدامات أقدم عليها النظام الإيراني عام 1988، بحق آلاف المعارضين السياسيين تلبية لفتوى الخميني. لتصفية المعارضة وانتقاما من مجاهدي خلق الذين حسب ادعاء النظام الإيراني لمشاركتهم العسكرية مع النظام العراقي في حرب الثمان سنوات، والتي خرجت منها إيران مثخنة الجراح وبخيبة موجعة، وفي الحقيقة كانت تصفية مجاهدي خلق ذريعة اتخذها النظام الإيراني لإبادة اليسار بكل تشكيلاته، من أحزاب ومنظمات ونقابات عمالية، المعروفة بثقل وزنها الاجتماعي. والقضاء على إرثها ونهضتها بوجه نظام الاستعباد والخرافة.
في أول لقاء صحفي له بعد فوزه يوم الاثنين الماضي، أعرب عن مهمة حكومته الجديدة بالقول” أولوية حكومتنا توفير السلع الأساسية لأبناء الشعب الإيراني” وأضاف “سنكرس خدمتنا لهذا الشعب بهدف حلحلة مشاكله بالاعتماد على إمكانياتنا الوفيرة وثرواتنا” ” ومكافحة الفساد”.
وهذا اعتراف واضح بعمق الأزمة الاقتصادية التي يعانيها “الشعب الإيراني” وحلول حكومته المطروحة بالاكتفاء على ما متوفر محلياً، وليست سوى ذلك. والتقصير ملقى على كاهل الفساد مقدماً، وليست على طبيعة النظام، الذي ينفق المليارات على المشروع النووي، المحكوم عليه بالفشل من طرف كل أمرئ يتمتع بعقل، ويترك عشرات الملايين يتضورون جوعاً، سواءً أكان قبل العقوبات أو، لا سيما بعدها.
جاء إذن لقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج والمعارضة في الداخل وهو الرجل (المجرب)، وصاحب سجل دموي معروف، منذ مستهل مسؤولياته في القضاء، مع بداية هذا النظام وحتى اليوم. والتوجه لحسم الملف النووي بعد ما يظهر، بأن النظام فقد صبره من لعبة المفاوضات، مثلما عبّر عنها في مؤتمره الصحفي بأن بلاده لن تسمح بـ”مفاوضات لمجرّد التفاوض”.
وسيضغط على أمريكا لإجبارها على تقديم تنازلات كما يرسم، تنتهي بصفقة تخدم النظام، وتبقيه في السلطة. من خلال تكثيف دعمه للميليشيات الإقليمية، وتوجيهها ضد الوجود والمصالح الأمريكية في المنطقة، كما يحصل في العراق من قصف متواصل للمراكز واللوجستيات الأمريكية وكذلك إمداد الحوثين بالسلاح والمال والخبرات ضد السعودية… هذا ما نفهم من توعده بالقول بأن” برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعم الميليشيات الإقليمية، أمور غير قابلة للتفاوض”.
الدلالة التي يحملها إيصال رئيسي لواجهة السلطة، تُعد بمثابة إعلان للجميع، بأن النظام ليس في نيته ولا في حساباته، التحرك من مكانه.
إنه هو هو النظام الظلامي المتشدد، والذي خبرنا جيداً رؤيته المتعجرفة، للحياة وللعالم وللمحيطين به. ومرحلته الراهنة ستكون؛ بناءً على طبيعته المتخلفة، الانعطاف الأخير باتجاه نهايته، تمليها جملة من ظروف داخلية وخارجية. يكابر النظام بتحديها، لعدم تمتعه ببصيرة وانغلاق مطلق لا ينفذ إليه أي نور أو رشاد عصري. النظام الإيراني في واحدة من أهم وأبرز مضامينه، إنه قائم على الرعب بلا نهاية، وعلى تبليد الجماهير العاملة، بالدعاية الدينية. يظن البعض للأسف مع الحالة الإيرانية القائمة يمكن فصل الدين عن الدولة، بالدعاية والتثقيف لهذا المطلب فقط، وبهذا نسيان أو تجاهل بأن أي شكل من أشكال العبودية في المجتمع، خاضع للعبودية الاقتصادية التي تريد أن تجعل منها المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران، أمراً أبدياً. إن القوى العاملة الإيرانية ومعها الجماهير الغفيرة المتعطشة للحرية، قد أدركت منذ زمن بعيد بصراعها (الواقعي) ضد مستعبديهم، إنهم قوى ظلام رأسمالية، وتعمل لوضع حد لاقتران الظلام والعبودية الاقتصادية.
الجماهير في إيران المجبرة على العيش، تحت ظل نظام خانق منذ أكثر من أربعين عاماً، قد بدأت منذ أعوام قريبة، بتشديد حراكها، بدأت الاحتجاجات في مواقع عمل ومصانع مهمة تنتظم وتلح بمطالباتها لتحسين مستوى معيشتها، وظروف عملها. المتقاعدون والمعلمون وشرائح كادحة كثيرة، ولا سيما الشباب الشعلة المتوهجة، نزلت لميدان انتفاضة جياع على ديدنها الثوري وتقاليد أرثها بإسقاط الأنظمة التي لا تصلح لحكم جماهير إيران المتطلعة للعيش الكريم وللتحضر الإنساني.