سمير عادل
كل شيء مباح من اجل تحرير القدس. اعتقال واختطاف وتعذيب وإعدام المعارضين، تصدير الإرهاب والمليشيات والرعب وفرق الموت الى المجتمعات، فرض الإفقار والجوع والعوز على الجماهير، كسر إرادة الإنسان وسحق كرامته وتحويله إلى كائن يعيش بخبز بطنه وو..الخ مباح من اجل تحرير القدس.
تخيل فقط، لولا وجود دولة فاشية وعنصرية قائمة على الابارتيد ومصادرة أراضي الغير دون اي وجه حق مثل إسرائيل، دولة تستند على دعم مطلق من بلطجة أمريكية سافرة، دولة تعتمد على العمالة الفلسطينية الرخيصة، وتخيل لولا وجود شعب ارتكب بحقه كل هذا الظلم مثل الشعب الفلسطيني، فهل يمكن التسويق السياسي والاجتماعي لجمهورية موت مثل الجمهورية الإسلامية في إيران التي سرقت هوية المتاجرة بالظلم القومي الفلسطيني من مثيلتها الأنظمة القومية العربية الدكتاتورية والفاشية.
الاستعراض الدعائي والسياسي ليوم القدس الذي تقوم به المليشيات في العراق، والتي لم يكن لها أية هوية سياسية حتى يوم أمس سوى البلطجة والقتل على الهوية الطائفية وعمليات الاختطاف والنهب، ليس إلا محاولة لإجراء عملية قيصرية، لا لتغيير وجه هذه المليشيات لتجميلها، بل لتركيب وجه جديد لها مثلما نشاهده في أفلام المافيات والمخابرات من إنتاج استوديوهات هوليوود. فهي تحاول تركيب وجه ما يسمى “المقاومة والممانعة” مثل وجه حزب الله اللبناني، عسى ولعل أن يتمكن من إعادة إنتاجه سياسيا واجتماعيا بعد ان مزقت انتفاضة أكتوبر قناعها ورمتها في مزبلة يصعب حتى لململة أشلائها، هذا إذا وجدت تلك الأشلاء.
أن إزالة صورة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي اغتالته القوات الأمريكية من شارع مطار بغداد له دلالة واضحة بعد استلام الكاظمي كابينته الوزارية بأيام قليلة، وكانت رسالة إلى النفوذ الإيراني في العراق بأن حقبة جديدة بدأت في العراق.
توزيع ولصق صور خميني وخامنئي وسليماني وملحقا بها صورة المهندس في شوارع بغداد في يوم القدس، هو محاولة من قبل مليشيات تحالف فتح وخاصة جناح فيلق القدس الإيراني لإثبات الوجود واستعراض العضلات المليشياتية في عراق ليس فيه إلا شبح دولة بالمعنى القانوني والقضائي والأمني. انها ليست رسالة لحكومة الكاظمي والنفوذ الأمريكي الذي استعاد المبادرة في العراق وانما رسالة لمواجهة الجماهير التي قالت (لا ) كبيرة وعريضة للإسلام السياسي من خلال حرق جميع مقرات المليشيات وأحزابها، ورفض جميع مرشحيها بما فيهم التيار الصدري.
وعليه يجب الفهم والإدراك بأن الاحتفاء بيوم القدس هذه السنة في العراق بشكل يختلف عن بقية السنوات، يعبر عن المساعي لإعادة تموضع هذه المليشيات سياسيا واجتماعيا بعد ضربات انتفاضة أكتوبر. ان هذا الإدراك يجعلنا نفصل أنفسنا عن بقية التيارات القومية سواء العروبية أو الوطنية المحلية أو المؤيدة لأمريكا والتي تجتمع جميعا تحت خيمة معاداة إيران، وأن مشكلتنا مع هذه المليشيات اليد الضاربة والقمعية لقوى الإسلام السياسي هي مع مشروعها السياسي في العراق وهو مشروع أسلمة المجتمع وتحويل العراق إلى دولة إسلامية شيعية يقودها ممثل خامنئي سواء
البطاط أو الخزعلي أو حامد الجزائري او ابو ولاء الولائي بدلا من دولة الخلافة الإسلامية التي كان يقودها البغدادي. ومن هذه الزاوية أيضا يلتقي مقتدى الصدر وتياره الذي قلب الدنيا ولم يقعدها في اليوم العالمي لمواجهة رهاب المثليين، والتهجم السافر على المرأة والتدخل بملبسها واختيار حياتها الشخصية في مسعى لإعادة البريق الباهت لمشروع أسلمة المجتمع مع التيارات التي يختلف معها لا على تنفيذ المشروع بل على حصتها واسهم في السلطة السياسية. فإذا كان حزب الله والنجباء والعصائب والخراساني وثار الله والإمام علي ترد على جماهير الانتفاضة برفع صور قادتهم لإثبات مشروعهم السياسي، فأن ممارسات التيار الصدري من التهديد والوعيد والتهجم على المثليين والمرأة كمحاولة لإعادة إنتاج نفسه يصب في نفس الاتجاه، بعد ان فشل بترويض الانتفاضة وركوب موجتها وتسويق مرشحيها لرئاسة الوزراء.
علينا بعدم التوهم بأن الإسلام السياسي الشيعي الذي يفقد سلطته التنفيذية لأول مرة قد ولى إلى دون رجعة أو أزفت ساعة رحيله، وأيضا عدم التوهم بأن النفوذ الأمريكي سينقذ العراق من براثن الإسلام السياسي، فالجمهورية الإسلامية في إيران وتحويل هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية إلى جحيم طائفي في المنطقة وتواجد العصابات الإسلامية المرابطة في ادلب سورية وليبيا هو من صنع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. فلا فرق بين تلك السياسات المعادية لجماهير العراق.