إنه اختلاف حركات وطبقات اجتماعية…. (حوار قناة عالم أفضل مع فارس محمود حول الاختلاف ما بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي العمالي – 16 حزيران 2020)
الجزء الثاني.
المحاور: نرحب بك فارس محمود في هذا اللقاء…
فارس محمود: أهلاً وسهلاً بك وبمشاهدي القناة…
المحاور: سؤال يتردد دائماً: هل انتم منشقون عن الحزب الشيوعي العراقي؟ ألست انت، فارس محمود، كنت عضو سابق في الحزب الشيوعي العراقي، لماذا جئت للحزب الشيوعي العمالي العراقي؟!
فارس محمود: لقد وضحت في المقابلة السابقة هذه النقطة. وذكرت التالي: تأسست الشيوعية العمالية كحركة منظمة في العراق جراء التطورات التي جرت على اليسار في كردستان الذي كان في المطاف الاخير يساراً قومياً، ماويي التوجه والتطورات الفكرية والسياسية التي جرت على هذا اليسار تحت تأثير الماركسية الثورية في ايران ومنظّرها منصور حكمت في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينات القرن المنصرم، وبعدا الشيوعية العمالية من منتصف الثمانينات، وعلى اثرها تطورت الشيوعية العمالية في كردستان العراق، وقد تدخلت بشكل مؤثر وفعال في انتفاضة كردستان 1991 وفي الحركة المجالسية والحركة العمالية ونضالاتها والنضالات الجماهيرية هناك، كانت بحد من التأثير بحيث تحولت الى حركة سياسية واجتماعية واسعة في غضون اشهر قليلة.
ولكن اذا تسألني عن بداية الشيوعية العمالية كحركة منظمة في وسط وجنوب العراق، تعود بداياتها الى “جامعة الموصل” تحديداً والنشاط الشيوعي الواسع الذي قمنا به ورفاق اخرين كثر، ومن هناك انتقلت الى العديد من المدن، وبعدها تشكلت منظمة عصبة تحرير الطبقة العاملة وحركة النضال الشيوعي اللتان تبنتاها.
ثمة حقيقة بيّنة في العراق وهي ان كل من أتى الى الشيوعية، فقد أتى بصلة ما بالحزب الشيوعي العراقي سواء كموالي له وعضو فيه ام منتقد له، اي ان الشيوعية السوفيتية كانت هي الشيوعية الطاغية لعقود مديدة. ولم يكن لباقي النسخ من الشيوعية من أمثال الماوية والتروتسكية وغيرها اي حضور جدي يذكر.
بالنسبة لنا كأفراد حين جئنا للحزب الشيوعي العراقي، كنا نتعقب الشيوعية، وكنا نتصور انه ممثلا لها. ولكن هناك نقطة مهمة أيضاً يجب ذكرها، ولها دور مهم وحاسم وهي: إنّنا، الكثير من رفاقي في ذلك التاريخ وانا، لم نكن مولعون بتاريخ الشيوعية السوفيتية والمؤتمرات الفلانية للأحزاب الشيوعية او منهمكون بها، كنا مولعين بماركس والكلاسيكيات الماركسية لماركس ولينين وانجلس تحديداً بكتابات من مثل “البيان الشيوعي”، “الدولة والثورة” و”نقد برنامج غوتا” و”من هم اصدقاء الشعب” و”خطوتان للأمام وخطوة للوراء” و…غيرها. صاغت هذه الكتابات ذهنيتنا. ولهذا كان سهل علينا تلقف الشيوعية العمالية واعتبارنا لها، انها من تعبر فعلاً عن ماركس ولينين. ولهذا كان انضمامنا سهلاً نوعا ما.
لأورد لك مثلاً ملموساً. التقيت أول مرة أول مسؤول حزبي لي عام 1984، ونقلت له في لبّة الحرب حيرتي: (انظر للحرب وللقتل والموت، للاضطهاد والقمع والديكتاتورية، لماذا لا ينتفض الناس؟! ماذا ينتظرون؟!” رد عليّ فوراً وكانه كان يفكر بجواب هذا السؤال أشهراً وبلهجة الواثق: “ألا تعرف؟! الناس بعدها تأكل وتشرب وتستمتع بوقتها فأي ثورة؟! اذا لم يعصف الجوع والفقر بهم درجة بحيث عندها سيفكرون بالثورة” اقتنعت عموما برده!… ولكن بعد فترة وقع مجلد للينين بيدي باسم “حول النقابات” يتحدث عن الاضرابات والنضال الاقتصادي وتحسين الاوضاع الاقتصادية للجماهير ودور النضال الاقتصادي في تقوية النضال من اجل الاشتراكية والخ. الاختلاف في التصورات كان 180 درجة!! تذكرت هذا الاختلاف في الايام الاولى بعقد المقارنة ما بين الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العراقي، وعليه اخترت الاول.
بإيجاز كانت هناك رواية واحدة للشيوعية، رواية الحزب الشيوعي العراقي، ليس هناك روايات اخرى لا ألبانية ولا ماوية ولا تروتسكية فالكل اتى ارتباطاً بهذه القناة، سواء أكان متفقاً ام مختلفاً! ونحن كنا من هذا التاريخ
المحاور: بالنسبة للمواقف السياسية، هناك مواقف سياسية مختلفة اتخذها الحزب الشيوعي العمالي عن تلك التي اتخذها الحزب الشيوعي العراقي… هل تعطي المشاهدين صورة عن هذا الأمر؟
فارس محمود: حتى اجسد هذا الاختلاف بشكل ملموس، لا أمضي للتاريخ القديم. لأتحدث عن هذه الاختلافات من الماضي القريب الذي نعيش آثاره لحد اليوم، وقصدي مثلاً من حرب أمريكا على العراق في 1991. هناك اختلافات جدية بهذا الصدد. مثلاً احتلال الكويت، ادانوا احتلال الكويت. تحدثنا لماذا ندين هذا الغزو او الاجتياح؟ على أي أساس ندينه؟ لا الكويت تأسست استناداً الى ارادة الجماهير ولا السلطة أتت تعبيراً عن هذه الارادة و…الخ. انها ابار نفط، حين ترك الانكليز المنطقة نصبوا شيوخاً عليها. لا أكثر! ولا “عدم خرق الحدود الدولية” معياراً لنا لإدانة ذلك، فيوميا تنتهك هذه المعايير الف مرة من قبل اصحابها.
مسألة الحصار الاقتصادي: وقفنا من اليوم الاول ضد الحصار الاقتصادي، فيما كانوا مؤيدين له بالأخص السنوات الاولى. وروّجوا للدعايات المبتذلة المصرحة بان الحصار هو من أجل اضعاف النظام بهدف اسقاطه، ويسهّل اسقاطه. كان جلّ هدف الحزب، كسائر المعارضة البرجوازية العراقية، اسقاط النظام حتى ولو بأي ثمن… حصار ذهب مئات الالاف ضحية له، ناهيك عن شيوع الامراض والدمار الروحي والمعنوي وانهيار المجتمع ومدنيته وتصاعد النزعات والقيم الرجعية والمتخلفة وفسح المجال للعشائرية وقتل النساء و”النهوة” والثارات العشائرية والفهلوة والرشاوي وغياب القانون . اذ دمّر البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع. لم يبقَ المجتمع كمجتمع. ان وضعية المجتمع المأساوية سببها الحصار كذلك.
وقفنا بشدة ضد الحصار ونظّمنا حركات احتجاجية ضدها في العديد من بلدان اوربا وامريكا واستراليا، غيّروا في السنوات الاخيرة موقفهم، حين لم تبق لاحد الجرأة على الدفاع عن الحصار. فرفعوا شعار خجول: “تشديد الحصار على الدكتاتورية وتخفيفها عن الشعب!”؟! كيف يتم ويمكن هذا؟! لا أحد يعرف!
طبّلوا لحرب أمريكا. وقفنا ضدها وذلك لمعرفتنا بعواقبها الكارثية. كان كل همهم “اسقاط النظام”. اصطفوا خلف أمريكا مع المعارضة البرجوازية القومية والطائفية والدينية والعشائرية. فيما وقفنا ضدها ووضحنا ان حرب أمريكا من أجل الهيمنة على العالم، لا من أجل “اسقاط الديكتاتوريات”. ان أساس القضية هو ان أمريكا، بعد انهيار الكتلة الشرقية، تريد ان ترسخ مكانتها بوصفها شرطي العالم وعلى الجميع ان يرضخ له. كانوا يتحدثون “البديل ليس مهماً، المهم الاطاحة بصدام”. تحدثنا في وقتها ان صدام استبدادي ومجرم ومعروف ولكنكم ترمون المجتمع نحو المجهول. ليس صحيحاً ان تدعوا الى اسقاط صدام دون إقرار اي بديل سياسي بمجموعة من المبادئ الاساسية لصالح جماهير العراق، والتزامه والتعهد بها! لهثوا وراء امريكا ودافعوا عنها رغم انهم انفقوا 3 ارباع عمرهم بفضح ومهاجمة الامبريالية الامريكية. مضوا يروجون ان عراق ما بعد صدام هو “عراق الحرية”، “عراق الديمقراطية وحقوق الانسان”، “عراق ترجع فيه الثروات للشعب بدلاً من أن يصرفها النظام على نزواته وحروبه ومغامراته واجهزته القمعية|”. الان راينا بأم أعيننا اين مضت ولازالت “ثروات الشعب”!! ليس هذا فحسب، بل ارتضوا لأنفسهم صفة الشيعية في مجلس الحكم ضمن تصنيفات بريمر. أي ابتذال هذا. انخرطوا في العملية السياسية المشؤومة من اليوم الأول، ولهذا فهم مساهمون في خلق هذه المأساة. كم هي مساهمتهم في خلق هذه الجريمة وتوريط المجتمع فهذا أمر ثانوي وموضوع آخر. شاركوا واشاعوا الوهم بدستور قومي وطائفي وديني وعشائري ومتخلف استند الى تصنيف الأقليات الرجعي. مفهوم الاقلية تعني مواطن من الدرجة الثانية سواء شئت أم أبيت!
مثلاً موضوعة “تحالف سائرون”. أنا لا أعرف كيف يستطيعون تفسير وتبرير هذا الأمر؟! هذه مواقفهم السياسية وليس تهجماً عليهم. مع مقتدى الصدر وجيش المهدي؟! مع “القبعات الزرقاء”؟! …. لا أفهم صراحة!
المحاور: “سائرون” هو آخر حلقة في سلسلة التحالفات، لأنه هناك تحالفات عديدة قام بها الحزب الشيوعي في تاريخه… حسن عاكف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي نشر في 21/8/2018 وتحدث عن ان مبدأ التحالفات والائتلافات لازال مبدءاً ثابتاً على امتداد عقود من عمره. وهذه التحالفات أثرت سلباً على الحزب الشيوعي العراقي مثل التحالف مع البعثيين وآخرها سائرون. السؤال لماذا لا تدخلون في تحالفات او بالأحرى ما هو موقفكم من التحالفات؟!…
فارس محمود: أود أن أتحدث عن مسألتين هنا. وآتي على كلام عاكف حول “ان التحالفات هي سياسة خاطئة”. التحالفات هي جزء من بنية الحزب الشيوعي العراقي. لا يستطيع أن يتخلى عنه لأنها جزء من رؤيته للسلطة السياسية. هذا هو أساس القضية. ينظرون للسلطة بشكلها المثالي على انها تتألف من مجموعة أحزاب، قاعدة عريضة للسلطة. اي ليس طرف واحد بيده السلطة. بل قاعدتها تتسع لأكثر ما يمكن من الاحزاب والجماعات. اي يتوفر لنا جميعاً مكان فيها. لا يهم هذا الكل قومي أوديني أوطائفي أوعشائري أو مجرم وقاتل، زعيم مليشيا، تجار حرب … ليس مشكلة! المهم نشارك جميعاً بإدارة المجتمع ونتقاسم السلطة والثروة. يأخذ كل واحد حصته حسب مكانته أو أدوات ضغطه. ولهذا فهي مسالة بنيوية وليست تكتيكية أو عابرة أو مؤقتة. علماً ان كل التحالفات التي دخلوها لم تكن من موقع قوة، من موقع “الأخ الصغير”.. وماذا كانت نتيجتها؟! ضربة دموية لتنظيماته وصفوفه. قام البعثيون بذلك، وبعدها القوميون الكرد في جبهات الثمانينات، ومنها الجريمة النكراء التي قام بها الاتحاد الوطني الكردستاني في بشت آشان، ولا أعرف مكانة هذا الحدث عند قيادات الحزب اللاحقة، وبعدها طردهم الاسلاميين في مؤتمر دمشق في 1996 حسب ما أتذكر. واليوم يكررون التحالف مع سائرون….
التحالفات ليس تقليدنا السياسي؟! زد على ذلك، مع مَنْ نقيم تحالف…؟!
المحاور:… تحالفات مؤقتة….
فارس محمود: انظر الى اللوحة السياسية وأجبني مع مَنْ؟! انهم مافيات لصوصية واجرامية وتجار حروب… انهم عائلة واحدة. القوميون والاسلاميون والطائفيون والليبراليون والديمقراطيون هم ابناء عائلة واحدة، طبقة واحدة هي البرجوازية. كل منهم يبحث عن حصتهم من غنيمة السلطة والثروة. ليس لديهم مشكلة في وجود ظلم واستغلال واضطهاد سياسي وعمل الاطفال وقتل النساء و…الخ.
لنطرح السؤال بشكل آخر: أ قليلة هي الجماهير الساخطة على هذا الوضع؟ وضع العمال كارثي… أصبح تقليداً ان يتملص ارباب العمل أشهر من دفع الاجور للعمال، مثل عبيد او عمال السخرة… أ قلة هن النساء الساخطات على أوضاعهن؟ الجماهير المتعطشة للحرية وينشدون مجتمع يجرون أنفاسهم فيه قلة؟! الشباب الساخط والمتذمر دون أي عمل أو ضمان بطالة قلة؟ العاطلون والمفقرون والجياع قلة؟ لماذا لا أذهب وأنظمهم؟! لماذا أذهب مع مقتدى؟ مالذي لديّ معه او مع غيره؟! ببساطة لأنه حزب برجوازي يتطلع كغيره للسلطة والمكانة والثروة.
هدفنا تنظيم الجماهير في العراق من اجل أرساء مجتمع يرفل بالحرية والمساواة والرفاه. تنظيم الاحتجاج هو طريقنا وقناتنا. تنظيم الجماهير العمالية والكادحة والعاطلين والنساء وكل من هو ساخط على هذه الوضعية الكارثية، كل من يتطلع الى احداث تغيير جذري في المجتمع وكل من يتطلع الى حياة لائقة بالإنسان..
التحالفات ليس تقليدنا، ولكننا على استعداد في الوقت ذاته أن نطرق باب اي جهة أو طرف سياسي في برنامج مهما كان صغيرا للرد على قضايا المجتمع وفئاته المحرومة. تعالوا لبرنامج مشترك حول ارساء دولة غير قومية وغير دينية، أو فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، الدفاع عن الحريات السياسية وحق التنظيم والتجمع والاضراب، الغاء عقوبة الاعدام، المساواة التامة بين المرأة والرجل، حلّ المليشيات، الضمانات الاجتماعية والخدمات… نحن على أتم الاستعداد للعمل مع أي جهة حول هذه القضايا. لأن هدفنا آخر. هل سيأتون؟! أشك جدياً!
المحاور: لو وافق الحزب الشيوعي العراقي على توقيع ورقة أو بيان حول المساواة وفصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم او حول علمانية الدولة أو الغاء الدستور الطائفي والقومي… هل انتم على استعداد للتوقيع معه؟
فارس محمود: ان تعاملنا مع الاحزاب ليس وفق معيار ايديولوجي، بل سياسي وكم يخدم مصالح الجماهير. نحن على أتم الاستعداد بدون قيد أو شرط. ان هذه هي مطالبنا. ولكن لأكن واضحاً معك. لا يقومون بهذا. لأن جبهتهم أخرى، يتعقبون أهداف أخرى وقناتها ليست الحزب الشيوعي العمالي العراقي ولا النضالات الواقعية والحقيقية للجماهير. مكانة في السلطة مهما كانت هذه المكانة صغيرة….
المحاور: شكرا لكم ولوقتكم…
فارس محمود: انا من عليّ ان اشكرك… كما اشكر المشاهدين.