استفتاء تركيا والتغيير الى نظام رئاسي
22/04/2017
جرى يوم 16 من نيسان الجاري استفتاء شعبي عام في تركيا فاز فيه انصار تغيير النظام البرلماني الى الرئاسي بنسبة ضئيلة جدا اذ ان اصواتهم لم تتجاوز%51.3 من المصوتين. فاز اوردوغان وحزبه، اي رعاة الارهابيين، في هذا الاستفتاء، بيد ان العملية بمجملها، وبالاخص اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الاوضاع الرجعية السائدة في المنطقة، قد عمقت وتعمق من الصراعات السياسية في المجتمع وتدفع بها الى مديات خطيرة وبافاق سياسية قومية ودينية ليست لها اي صلة بمصالح الجماهير في تركيا. فاز الاسلام السياسي في تركيا، ولكن الحزبان الرئيسيان في المعارضة، الحزب الشعب الجمهوري والحزب الشعوب الديقراطي، يطالبان بإلغاء 60% من عملية الاستفتاء. اذ قدما طلبا إلى المجلس الانتخابي الأعلى لالغاء الاستفتاء بالاستناد الى حدوث خروقات قانونية اثناء تنفيذه.بهذا الفوز سوف يتم تحويل النظام البرلماني التركي، السائد منذ سقوط الامبرطورية العثمانية وتاسيس الجمهورية التركية، الى النظام الرئاسي ويخول رئيس الجمهورية الحالي، “اوردوغان”، صلاحيات سلطان تركي جديد في عصر الجمهورية. سلطان ليس له منازع ولا منافس، بصلاحياته الواسعة والمتنوعة، سلطان ورئيس سلطة تنفيذية ورئيس لحزبه وقائد العام للقوات المسلحة. باختصار، ان المعنى الفعلي لهذا الفوز هو الدفع بدكتاتور آخر على المسرح السياسي والاجتماعي في المنطقة، مثله مثل صدام حسين وحسني مبارك واخرين ولكن بطعم الديمقراطية التركية، ديمقراطية الاسلام السياسي الاخواني .القضية الرئيسية في عملية الاستفتاء والاتجاه السياسي الذي يحركها نابع من قضايا محلية تركية من جهة، واقليمة وعالمية من جهة اخرى. هناك ازمة اقتصادية راسمالية عالمية مستمرة وصلت الى كل بقاع العالم بما فيها تركيا، وهناك حالة انعدام الاستقرار و الأمن وخصوصا بعد الانقلاب العسكري الاخير والانفجارات الارهابية العديدة التي حصلت في المدن الكبرى من تركيا . هذا ، بالاضافة الى فشل السياسة التركية لاوردغان وحزبه التي بنيت على اساس وصول الاسلام السياسي الاخواني الى السلطة السياسية في مصر و تونس للتدخل في مسارات السياسة في بلدان المنطقة ومنها العراق و ليبيا، وبالاخص تدخلها الدموي لصالح القوى الارهابية للاسلام السياسي في سوريا. يضاف الى ذلك ازدياد المعارضة الرسمية البرلمانية والمعارضة الجماهيرية بوجه هذه السياسات التي بدأت منذ سنة 2013 وعبرت عن نفسها في ميدان تقسيم في اسطنبول.آخذين كل ذلك بنظر الاعتبار، فان سياسات اوردكان وحزبه في الاستمرار بالظلم القومي ضد الجماهير في كردستان تركيا وقمع الحريات السياسية فيها بشكل سافر مستغلا الانقلاب الاخير لقمع التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية في هذه المنطقة واعتقال الالاف من عناصر حزبHDP البرلماني من ضمنهم رئيس هذا الحزب صلاح الدين دميرتاش باتت تدفع تركيا الى اتون حربا شوفينية قومية دموية لا نهاية لها. ان اوردغان و حزبه سعيا للتغيير الى النظام الرئاسي للاستمرار بهذه السياسية الشوفينية، حيث استندت دعاياتهم اثناء الاستفتاء، في قسم كبير منها، الى اثارة النعرات القومية مع ما يلازم ذلك من ماسي و تزايد النزاع القومي.تواكبت كل هذه الامور المحلية مع رفض الاتحاد الاوروبي قبول تركيا في اتحادها ولو بشكل غير رسمي من جانب، ومن جانب اخر، صعود الحركات السياسية البرجوازية على الصعيد العالمي، ومنها اوربا وامريكا، الداعية الى الانعزال القومي والعودة للتراث القومي والعرق وفصل المجتمعات والبلدان المختلفة على هذا الاساس.تقف كل هذه التطورات المحلية والعالمية وراء تطبيق هذه السياسة، اي تحويل النظام الى نظام رئاسي ليتمكن الحزب البرجوازي الاسلامي الحاكم التمسك بالسلطة والحفاظ على النظام البرجوازي في هذا البلد بوجه الطبقة العاملة والكادحين وذلك عبر تضيق الخناق على الحريات السياسية والفردية والمدنية وحرية الصحافة وممارسة القمع بصوة سافرة وبالتحديد تجاه الطبقة العاملة ومعارضيي سياسات الحكومة في عموم تركيا .ان استراتيجية اردوغان وحزبه تركز على تغيير وجه سياسة الحكومة نحو اسيا و الشرق لا اوروبا التي رفضتها، والسعي لاقناع المجتمع التركي بهذا الامر عبر اكاذيب النمو الاقتصادي و تقليل نسبة البطالة…الخ. هذا الفوز، اذا تم تطبيقه، او اذا لم تستجب الحكومة الحالية لطلب معارضيها باعادة الفرز او اعادة الاستفتاء، سيؤدي الى قطع تاريخي مع الجمهورية التركية التي صينت في خضمها تحت راية علمانية الدولة ومدنيتها حدود من الحريات والحقوق السياسية والمدنية، وبالاخص فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، وحقوق المراة وغيرها. اي باختصار الى قطع مع التراث والتقاليد الانسانية العالمية او ماتسمى “بالغربية” و رجوع القهقري الى تقاليد و تراث الاسلام السياسي والشرقي الرجعي وتحقير المراة. ففي التحليل الاخير، ان هذا اتجاه سياسي لحركة سياسية برجوازية يقودها حزب العدالة والتنمية في تركيا، لمعالجة مشاكل تركيا و ازمتها الاقتصادية والسياسية وحتى الايديولوجية.اننا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي ندعو الطبقة العاملة في تركيا وكافة القوى التقدمية واليسارية والعلمانية الى رص صفوفها بوجه هذه السياسة التي تؤدي لا محالة الى تقسيم المجتمع على الاساس الدين والطائفة وخصوصا نحن نشاهد بداية لهذه السياسة على لسان اردوغان نفسه حيث خاطب انصاره في مطار انقرة وبعد الاستفتاء وقال: على الرغم من مقاومة ” الذين يتمسكون بعقيدة الصليبيين”. انتصرنا! ان الوقوف بوجه هذه السياسة مهمة كل المناضلين في سبيل علمانية الدولة والمدافعين عن الحريات السياسية والصحفية والفردية وحقوق المراة. ان الحزب الشيوعي العمالي هو من بين اكثر القوى المدافعة عن هذا النضال والساعي بكل قواه من اجل تحقيق هذا النضال واهدافه.الحزب الشيوعي العمالي العراقي
19
نيسان 2016