الاحتياج الى الإرادة اللينينية
عادل أحمد
لم يصل الرأسمال العالمي الى حالة من عدم الاستقرار شكلا كما نراه اليوم. ولم تصل الفوضى وعدم الرؤية الواضحة لتخطي العالم الرأسمالي ومحنة الخروج من الأزمة الحتمية الاقتصادية للرأسمالية كما نشاهده اليوم.. ولم نر الوجه الحقيقي والوحشي والغير الإنساني للنظام الرأسمالي بهذا الوضوح والعبارات الصريحة والجريئة لممثليه وقادته من السياسيين كما نسمعها اليوم في جميع ارجاء العالم! ان لهذه الدرجة من الأشكال والصور من مرحلة بلوغ النظام الرأسمال العالمي لها دلائلها ولها أسبابها الموضوعية. أولا ان النظام الرأسمالي بعد ان سيطر على العالم واخضع جميع علاقات الإنتاج السابقة الى قوانينه ورحمته وحركها وفق قوانينه ومصالحه، بدأ بتقسيم العالم بين الاقطاب الراسمالية في الحربين العالميين المدمرين والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر من اجل استقرار وتقاسم مناطق النفوذ بينهم و الاستقرار في توازن القوى ونهب الثروات حسب النصر والخسارة والقوة العسكرية والاقتصادية .. وشكلت بعد هذه الحروب المعاهدات والأحلاف العالمية وأنشأت الأمم المتحدة ومجلس الأمن بين الدول المنتصرة من اجل تشكيل فترة زمنية طويلة لإدامة الصراعات السياسية والاقتصادية تحت مظلته وإمكانية حلها بينهم ان أمكن حتى وان كانت بلغة التعصب والهستيريا السياسية.. وكانت هذه الرؤية على الدرجة من الوضوح والتي بات بأمكان النظام الرأسمال العالمي التأقلم معها وحقا كانت فترة من الاستقرار السياسي والاقتصادي نوعا ما بين اللصوص الرأسماليين الكبار وخاصة في الغرب الرأسمالي. ولكن بعد ان اختل هذا التوازن وفقد مجموعة دول وخاصة انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وتباطؤا الاقتصاد الياباني ونشؤ العملاق الاقتصادي الصيني والألماني بدأ العد التنازلي لدور ومكانة اكبر دولة راسمالية من حيث الحجم والقوة الاقتصادية ، أمريكا ، اصبح العالم تحت نير التغيرات الحتمية الجديدة التي لابد منها من اجل إعادة تقسيم العالم وتقسيم المناطق من جديد حسب التوازنات الجديدة. ولكن في العالم المتحضر اليوم وفي حالة تجارب الشعوب فأن الحروب مثل الحربين العالميتين لم يكن من الأمور المرغوبة والسهلة ان تمر على المجتمع البشري مرة اخرى .. وهناك عوائق سياسية واجتماعية لحدوث مثل هذه الحروب ولكن الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن والأحلاف أمثال الأطلسي والناتو والحلف الأوراسي واللاتينية ليس بإمكانها ان تجد طريقا واضحا لتوازن القوى ان كل هذه الأحلاف قد تشكلت من اجل إدامة مرحلة معينة من العمر السياسي والاقتصادي للنظام الرأسمال العالمي وبأنتهاء هذه المرحلة ليس بأمكانها ان تجاوب على المرحلة التاريخية الجديدة بروحها القديمة.. ولهذا برزت مرحلة جديدة لا يمكن اختيار الطرق القديمة لحل الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية والتي نحن نخطو سنواتها الحادية عشرة بدون حلول لمرور خطورتها. ان عدم اعتراف أمريكا بالمنظمات العالمية التي شكلت بعد الحرب العالمية الثانية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعدم اعتراف أمريكا بمنظمة التجارة الحرة العالمية والتعرفات الگمركية وعدم اعتراف كل من روسيا وأمريكا بالمعاهدات العسكرية والسياسية السابقة بينهما مثل الحد من الأسلحة الفتاكة وعدم التمسك الدول بألاحلاف السابقة مثل الحلف الأطلسي والخلافات الحادة بينهما حول نشر الأسلحة والصواريخ العابرة للقارات .. وتفكك التدريجي لمكونات الحلف من الدول ذات المصالح المختلفة مثل تركيا وألمانيا و بدرجة اقل فرنسا.. ان هذه الوضعية جعلت من الرأسمال العالمي ان يمر بمرحلة عدم اليقين في حالة مسيرته ومستقبله ولن يجد طريقا من اجل استقرار الرأسمال العالمي.
ثانيا لم نر الوجه الحقيقي والوحشي بهذه الدرجة من الصراحة والوضوح للراسمالية كما نراه في أفعال وأقوال ممثليها السياسيين في شتى أنحاء العالم من ترامب وبوتين وماكرون وجونسون والتي تتسم بأقل قدر من الأدب والمتشبعة بالعنصرية والكراهية والتعصب القومي المتعفن في خطاباتهم وتعاملاتهم وتشريعات قوانينهم المناهضة للروح الإنسانية … ونرى معاركهم وقتالهم بأحدث الأسلحة الفتاكة والصواريخ في عمليات القتل الجماعي في العراق وسورية واليمن وفي ليبيا وفي بعض المناطق أوكرانيا ونرى تعاملهم مع المجموعات الإرهابية ومساندتها بالخفاء والعلن و تدفق السلاح والمال اليها بطرق عديدة ودعم جماعات دينية متطرفة في كل من الهند والباكستان وبورما والدعم الصريح لليمين المتطرف المناهض لحقوق المهاجرين في أوروبا الشرقية ومحاولة عدم مساعدة المهاجرين العالقين في البحار وغرقهم بسبب عدم إرسال السفن لإنقاذهم وتقليص الأموال اللازمة لمنظمات الإغاثة العالمية لللاجئين في شتى أنحاء العالم.. وإبراز الطائفية والاثنية وصب الزيت على صراعاتها الرجعية.. كما رأينا نماذجها في بورما والهند والعراق وسورية واليمن. وان هذه الوجه الوحشي للرأسمالية هي الوجه الحقيقي لهذا النظام والتي كشفت عنها بوضوح بسبب موقعها الموضوعي في التاريخ وموقعها في الصراع الطبقي وقوانينه الموضوعية وصراعاتها التي تناهض الحضارة والقيم الإنسانية المعاصرة.
ان دفن هذا النظام الى الأبد هو الحل الأمثل والواقعي ، ولكن لايزال هذا النظام يمتلك الإمكانية والقوة لبقائه ولإيزال يمتلك الأدواة والوسائل للتأثير على مجرى الأمور وكتم الأصوات المعارضة له ولايزال بأمكانه قمع الحركة العمالية وخلق مئات المشاكل امام الحركة الاشتراكية والشيوعية العالمية من اجل عرقلة نهوضها من جديد.. ولا يزال قادرا على تغيير صورة الثوريين وتشبيههم بالإرهابيين .. ولكن كل هذه الإمكانيات والمقدرة متوقفة على الحركة العمالية وطليعتها السياسية الحركة الشيوعية وتنظيمها وقادتها ورثة اللينينية. اللينينية ليس بمعيارها التاريخي وانما بمعيار استخدام الإرادة السياسية لخلق ظروف تؤدي الى حتمية انتهاء عمر الرأسمال ونظامه.. ان اللينينية كانت من الناحية التاريخية خاصة بالأوضاع في روسيا ولكن كانت لها ارادتها السياسية العظيمة لقلب الأوضاع مهما تكن قوة الرأسمالية ومهما تكن وحشية الرأسمالية فان بأمكان الطبقة العاملة هدم قلعتها وتحطيم أسطورتها وقلع سلطتها المالية والاقتصادية هذه المهام التي تقع على كاهل الطبقة العاملة العالمية وهذا ما يحتاجه المجتمع البشري المعاصر من الطبقة العاملة من اجل إنهاء آلامه ومعاناته الى الأبد .