الصراع في أوكرانيا ومهمة الشيوعيين!
ليس هناك شك بان العالم الرأسمالي يمر بتحولات عظيمة؛ حيث يشهد انتهاء معادلات القطب الواحد وبروز اقطاب جديدة وخاصة قطب يتمحور حول الصين وروسيا والى حد معين الهند، ناهيك عن تصدع كبير في أوربا لا يسير على المدى المتوسط تحت ظل أمريكا، وتحديداً فرنسا. ان فقدان القطب الغربي بقيادة أمريكا بعضا من مكانته الاقتصادية والايدولوجية والسياسية واضح جدا.
هناك حاليا صراع حاد ومكثف وشامل ومتعدد الاوجه بين القطب الغربي بقيادة امريكا والقطب الروسي-الصيني-الهندي في كل بقاع العالم. ففي الأيام الأخيرة تم التدخل في باكستان للإطاحة بعمران خان الذي لم يبدِ ولاءً للغرب في الازمة الاخيرة، وتم التدخل بشكل واضح في الانتخابات الهنغارية ضد الرئيس اليميني فيكتور اوربان الذي امتنع الى حد ما عن المشاركة في العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا ولا يماشي سياسات الاتحاد الاوربي (رغم تناقضات أطرافه) تجاه روسيا ولكن فاز بشكل واضح على تحالف المعارضة. وكان هناك تدخل في الانتخابات الصربية، ويتم تهديد الهند بعقوبات ومحاولة الضغط على تركيا للوقوف الى جانب الغرب. في المقابل يقوم القطب الصيني-الروسي بالمثل، اذ تقوم روسيا بتزويد دول مثل الهند بالوقود بأسعار تفضيلية والتدخل لصالح مارين لوبين في الانتخابات الفرنسية. وتقوم الصين بمناورات بالقرب من تايوان وقامت بعقد معاهدة امنية مع جزر سلمان وعشرات الإجراءات الاخرى. الاطراف كلها في صراع محموم لكسب الحلفاء. ما يوجه مواقف الكثير من الدول هي المصالح الاقتصادية والأمنية دون شك، وما يوجه مواقف الجماهير في الكثير من الدول خارج العالم الغربي هو العداء للسياسات الغربية، وخاصة الأمريكية، وعقود من الاستغلال والاذلال.
رغم المحاولات الغربية لتصوير الصراع على إنه صراع بين “الديمقراطية” و “الأوتوقراطية”، إلا أن ما يميز هذا الصراع هو غياب أي غطاء أيديولوجي الى حد بعيد. ولكن رغم هذا هناك تمايز على أساس إن أحد الأقطاب يسعى الى تأسيس نظام عالمي يعطي دور كبير للهياكل والأدوات العالمية القائمة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤتمر دافوس والعولمة الاقتصادية، ويعطي لنفسه الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة الدفاع عن “حقوق الانسان” ويركز على سياسات “الهوية”، وهو القطب الغربي. وقطب يعطي وزناً كبيراً، في ماكنته الإعلامية، لـ”احترام سيادة الدول” و”حق الحكومات باتخاذ قرارات مستقلة” والى حد ما معاداة الثقافة الليبرالية وسياسات الهوية والتمسك بالدين والعرق والقومية وهو القطب الروسي-الصيني-الهندي.
يجب التأكيد بأنه، لا يمكن تصنيف موقف أي دولة ضمن هذه الاصطفافات على أسس تقدمية، ومن زاوية حقوق الأغلبية الواسعة للسكان وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحتى حق الأقليات المضطهدة في تقرير مصيرها. اذ يتشاطر القطبان بشكل فعال في إخفاء التضاد والتناقض والصراع الطبقي في المجتمع وحرفه وتمويهه. ويسعى الغرب، بشكل خاص، في خضم محاولته الحفاظ على موقعه العالمي، الى دفع الأوضاع نحو الفوضى والصراع والتوتر قدر المستطاع وخلق جو يحكمه الخوف والرعب وخلق الصعوبات من ناحية التلويح “بالمخاطر” التي تعصف بأوروبا الهادئة منذ عقود مديدة و”الحرب العالمية الثالثة” من خلال وسائل مثل استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل مكثف.
يعد التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا والمواجهة العسكرية في هذا البلد حلقة من حلقات الصراع بين القطبين. فرغم الدعاية الإعلامية للقطبين، ليس لهذا الصراع علاقة بـ”حقوق الأقلية الروسية في أوكرانيا”، ولا “صعود اليمين” و”النازيين” او ب”خرق سيادة دولة ديمقراطية” و…الخ. إن أوكرانيا هي مجرد ساحة من ساحات هذا الصراع.
تخيم على البشرية، وسط هذه الأجواء والمواجهة أجواء قاتمة، وأيام عصيبة جداً ومستقبل مجهول. تواجه الجماهير في أوكرانيا حملة عسكرية وحشية؛ اذ يتحول الملايين الى وقود حرب، كما تواجه الطبقة العاملة على مستوى العالم ظروف اقتصادية صعبة جدا وتدني في مستوى معيشتها بدرجات لم يسبق لها مثيل لعقود نتيجة للأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تعمقها الحرب والعقوبات الاقتصادية. ويقف كل الاقتصاد الرأسمالي على حافة ركود اقتصادي وشيك سوف تدفع مئات الملايين، إن لم نقل مليارات، حول العالم تحت خط الفقر.
لمواجهة هذه الوضعية المخيفة، على الطبقة العاملة والشيوعيين على مستوى العالم فصل صفوفهم عن قطبي هذا الصراع الرجعي والوقوف ضد كل السياسات والإجراءات الرجعية التي يتخذها كل من هذين القطبين، وتعميق الصراع الطبقي وتشديده وخلق الظروف من اجل إنهاء عمر كل النظام الرأسمالي الذي بات يهدد لا سلامة الإنسان ورفاهه وسعادته، بل وجود الإنسان في كل مكان.
وفي مواجهة الصراع في أوكرانيا يجب القيام بالخطوات ورفع المطاليب التالية:
أولاً، يجب ان يكون واضحاً إن الحروب والدمار هي جزء لا يتجزأ من وجود النظام الرأسمالي. إن أنهاء الحروب وجعلها جزء بائد من تاريخ الانسانية هو فقط وفقط عبر إنهاء عمر هذا النظام وإرساء مجتمع حر واشتراكي عبر الثورة الاشتراكية للطبقة العاملة وسائر الجماهير الكادحة. طالما إن النظام الرأسمالي قائم، فهذا الخطر، خطر الحرب، يلوح بالأفق دوماً.
ثانياً، تنظيم حملة عالمية مناهضة للحرب والعسكرتاريا وتقف بوجه كل أطراف الصراع.
ثالثاً: بما ان أمريكا والناتو يتحملان أكبر مسؤولية في دفع الأمور الى المواجهة والصراع العسكري في أوكرانيا، تتحمل أمريكا و الناتو مسؤولية اكبر لأنهاء هذه الحرب. يجب ان يوقف الناتو كل اشكال التدخل في أوكرانيا والسعي الى تصعيد الحرب او اطالتها والقبول بان تكون أوكرانيا دولة محايدة وسحب قواته من دول اوروبا الشرقية.
إن دعوة اقسام من اليسار الى “ضرورة دعم المقاومة الأوكرانية بالأسلحة”، وبالأخص في ظل عدم وجود حركة او قوة جماهيرية مستقلة مناهضة للاجتياح الروسي، يعني عملياً تقوية جبهة اليمين والفاشيين المدعومين من الغرب. فمن جهة ان من يقوم بتزويد أوكرانيا بالسلاح هي الحكومات الاوربية والناتو التي هي طرف في هذا الصراع، وهي من تقوم بضمان وصول هذا الدعم الى قوى اقصى اليمين الرجعية. ان نتيجة ارسال الغرب للسلاح الى أوكرانيا، لن تكون أفضل من تجربة أفغانستان وسوريا وليبيا حيث ستؤدي الى بروز فرق مسلحة رجعية، داعشية نازية، تلحق الكثير من الأذى بالبشرية وترسم حاضر ومستقبل مظلم لأمد غير معلوم. بدون وجود مقاومة مسلحة تقدمية في أوكرانيا ودون وجود امكانية لضمان وصول أي دعم يرسل الى أوكرانيا الى القوى التقدمية، فان مثل هذه الجهود، أي ارسال السلاح الى اوكرانيا ستؤدي الى نتائج سلبية للغاية مثل إطالة الحرب وحتى الحرب الاهلية.
رابعاً: يجب على روسيا وقف كل العمليات العسكرية وسحب قواتها من أوكرانيا حالاً. يقف جزء من اليسار في الغرب مع روسيا في الصراع في أوكرانيا ومع القطب الروسي-الصيني. اذ يعتبر البعض منه ان هذا القطب “تقدمياً” وبعضه الآخر تسيّره نزعات معاداة امريكا وتاريخها الاجرامي لعقود مديدة. إن هذه مجانبة صريحة للواقع. إن الأنظمة الحاكمة في روسيا والصين والهند هي أنظمة يمينية في غاية الرجعية. النظام الروسي بالذات هو نظام قومي قمعي يوظف النزعة الشوفينية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية والعرق السلافي لخدمة أهدافه. أن اصطفاف القطب الروسي-الصيني بوجه الإمبريالية الامريكية لا يعطيه بأي شكل من الاشكال أي صفة “إيجابية”. يجب الوقوف بقوة ضد التدخلات العسكرية الروسية وإدانتها.
خامساً: يجب ممارسة أوسع أشكال الضغط من أجل عودة الأطراف المتصارعة، بما فيها الناتو، الى المفاوضات لإنهاء الحرب وإقامة نظام يأخذ ما يسمى بأمن روسيا في الحسبان. يجب ان يتوقف الغرب خططه للإطاحة بالنظام في روسيا، والتي هي مهمة الطبقة العاملة والجماهير التحررية في روسيا، وسياسات تقسيم روسيا الى عدة دول والتوقف عن التدخل في شؤون الدول الاخرى. حل جميع الأحلاف العسكرية من أمثال الناتو وغيرها.
سادساً: وقف والتصدي لكل اشكال سباق التسلح وتخصيص الميزانيات الحربية الخرافية الذي يصب ارباحاً بتريليونات الدولارات سنوياً في جيب حفنة من الرأسماليين واذنابهم في الحكم والسلطة، رأسماليون يعتاشون على دماء الملايين من الابرياء والعزل. لقد تجاوز الانفاق العالمي في 2021 تريليونين دولار حيث بلغت الميزانية العسكرية الامريكية 770 مليار. وهناك تقارير تشير بان شركات تصنيع الأسلحة وخاصة الامريكية سوف تحصل على عقود بقيمة 15-20 ترليون دولار في العقد القادم.
سابعا: تنظيم نضال شامل ضد التدهور الفظيع للأوضاع المعيشية للطبقة العاملة والفقر والعوز والجوع. يجب التصدي الحازم لمحاولات البرجوازية تحميل الطبقة العاملة تبعات الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي التي بدأت قبل التدخل الروسي بأشهر، ولكن خاصة تلك الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب رداً على لتدخل الروسي. يجب ان لا تقبل الطبقة العاملة محاولات تحميلها اثار التضخم وارتفاع الأسعار وشحة الغذاء والبضائع الاستهلاكية باي شكل من الاشكال. يعد تعميق النضال الطبقي في كل دولة أفضل رد تقوم به الطبقة العاملة لمواجهة الصراع في أوكرانيا. لقد طلب الرئيس الامريكي جو بايدن في 28/04/2022 من الكوجرس الأمريكي تخصيص مبلغ 33 مليار دولار كمساعدة للأوكرانيا من اجل إطالة الحرب والتسبب في المزيد من القتل، في حين ان المبلغ المطلوب لحل مشكلة التشرد في أمريكا بشكل كامل التي تطال ما يقارب 600 الف انسان هو 20 مليار.
ثامنا: يجب وقف كل اشكال العقوبات والحصار الاقتصادي. يجب الوقوف ضد ما يسمى بـ”العقوبات الهادفة” حتى تلك التي تستهدف الرأسماليين الروس كأفراد، لأن كل اشكال العقوبات الاقتصادية تضر بالطبقة العاملة. إن الاقتصاد الرأسمالي كلّ مترابط بشكل كبير، وإن أية عقوبات اقتصادية تؤدي الى فقدان الوظائف. حتى إن مصادرة القوارب واليخوت الفاخرة للرأسماليين الروس مثلاً يؤدي الى زعزعة الثقة في الحكومات الغربية، مما قد يؤدي الى هروب الرساميل الاجنبية وهذا بدوره قد يؤدي الى فقدان الوظائف. كما تساهم مثل هكذا عقوبات في تقوية النزعات القومية والشوفينية والعنصرية.
تاسعا: فتح الحدود امام اللاجئين من أوكرانيا وكل بؤر الصراع في العالم.
عاشرا: دعم الحركات التقدمية المعادية للحرب في روسيا وأوكرانيا.
حادي عشر: إجراء استفتاء شعبي حر في المناطق الشرقية في أوكرانيا، أي منطقة دونباس، لتقرر الجماهير في تلك المناطق مصيرها ومستقبلها السياسي.
التصدي لأي سياسة تؤدي الى تقوية النزعات الرجعية مثل الشوفينية والفاشية والنازية الجديدة.
فضح الرياء الغربي والدعاية الإعلامية الغربية التي تستند على الكيل بمكيالين فيما يخص بالحروب والتدخلات العسكرية.