انعقد مؤتمر قمة الديمقراطية بصورة افتراضية، وهي القمة التي دعى لها جو بايدن رئيس أمريكا يومي التاسع والعاشر من ديسمبر. ولم تكن روسيا والصين مدعوتان لهذا المؤتمر بحجة ان أنظمة هذه الدول تتعارض مع مفهوم الديمقراطية والنظام الديموقراطي. والهدف المعلن لهذا المؤتمر هو الدفاع عن مفهوم الديمقراطية والشكل الأنسب للنظام السياسي العالمي وبنيته الاقتصادية. ولكنه في الحقيقة مؤتمر تحالفات عالمية لمواجهة القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة، والتي تتسارع وتيرة صعودها امام انزلاق وهبوط الاقتصاد الأمريكي ومكانته العالمية.
ان تعريف المؤتمر بانه “تحدي الديمقراطية للاستبدادية” هو اكبر كذبة تخفي في طياتها خطر المرحلة العالمية التي يمر بها النظام الراسمالي العالمي واحتمال المواجهات السياسية والعسكرية بين الأقطاب المتصارعة. ان تشديد العقوبات على الدولة الصينية واقتراب الناتو الى حدود روسيا وتضخيم مشكلة أوكرانيا وتسليح الجيش الاوكرانى والمناورات العسكرية للناتو بالقرب من نقاط الأهداف الاستراتيجية الروسية، وكذلك مناورات أمريكا في بحر الصين الجنوبي بالقرب من حدود الصين الشعبية هي اكبر دليل على خطورة هذه المرحلة واحتمال نشوء مواجهات عسكرية خطيرة في حل الخلافات السياسية والاقتصادية في عالم الراسمال الحالي … وان ابراز الديمقراطية مرة اخرى وفرضها بالقوة ليس الا محاولة أخرى تقوم بها أمريكا بقيادة بايدن لكسب الحلفاء الى جانبها في معركتها الاقتصادية والسياسية مع الصين.
ولكن العالم الراسمالي الواقعي يلهث وراء الأرباح، وانى يكون سهلا ان يستثمر وان يربح فهذه هي الطريقة النموذجية. واليوم يعد النموذج الصيني بالنسبة لاكثرية الراسماليين الطريقة الناجحة والملائمة للتراكم ولا قيمة لانتهاك حقوق الانسان او ماشابه ذلك في حسابات الأرباح. حتى ان بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا لا تعير اهتماما لقيم الديمقراطية بقدر إيجاد موضع قدم في النظام العالمي الذي هو في طور الإنشاء والتكون.
ان خوف أمريكا والغرب من النموذج السياسي والاقتصادي الصيني، وبشكل اقل الروسي، لتنامي الراسمال والسيطرة على الأسواق ومناطق النفوذ، وكذلك نمو القدرة العسكرية الصينية والروسية والقدرة على ادخال احدث التقنيات والتكنولوجيا الذكية في الصناعات العسكرية هي اكبر خطر على أمريكا والغرب. وان تقبل هذه الوضعية بالنسبة أمريكا هي بمثابة حياة او موت نظامها السياسي والاقتصادي والذي هيمن على العالم بعد الحرب العالمية الثانية والى يومنا هذا… وان النموذج الغربي الديمقراطي، حسب اعترافات المثقفين البرجوازيين انفسهم، وصل الى مطافه الاخير من حيث نمو الأرباح وتتفاقم ازمته يوم بعد يوم على الرغم من اعمال ضخ الدم في عروقه باستمرار. ولكن في المحصلة لا يستطيع ان يواجه نموذج تدخل الدولة في كل تفاصيل حركة الراسمال.
بالنسبة للصين، ان نموذجها الاقتصادي ونظامها السياسي واغراق الأسواق بالبضائع الصينية، وضخ رساميلها في تنمية أسواق الدول “النامية” في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، كما استطاعت حتى الان ان تكسب ثقة الدول والمستثمرين، بالإضافة الى التاريخ غير الاستعماري للصين في العالم وعدم تورطها في الحروب العالمية تعد عوامل قوة لهذه الانطلاقة الصينية العملاقة. وان هذا النموذج لادارة الراسمال العالمي له الفرصة والحظوظ لان ينافس وبنجاح بقية النماذج الديمقراطية الغربية. ولهذا، نرى اقتراب روسيا وبعض الدول الأخرى من الصين وبناء علاقات سياسية واقتصادية معها للوقوف بوجه امريكا.
ان ازمة أوكرانيا، وقبل ان تكون بمواجهة روسيا، هي في الحقيقة محاولة لمواجهة الصين، ويحاول الغرب ان يضغط على روسيا عسكريا وفرض عقوبات اقتصادية عليها لكي تبتعد عن عقد اتفاق استراتيجي مع الصين. وان في المقابل يتم تحشيد الجيش الروسي على الحدود الأوكرانية واحتمال احتلال اوكرانيا هي نقطة انطلاق صراع نحو مواجهات عسكرية ضارية، والتي قد تؤدي في دورها الى حرب نووية مدمرة. وان هذا هو الخطر المحدق الذي قد يسود الأجواء العالمية في بداية السنة الجديدة. واذا استطاعت القوى الراسمالية العالمية فرض هذا الصراع بالقوة على المجتمع البشري، سيمر مستقبل الأجيال البشرية بنفق مظلم وثمة احتمالية ان تُدفن كل الحضارة الانسانية وان تسود البربرية مكانها…
ان القوة البشرية فقط من باستطاعتها ان توقف عجلة هذه البربرية، وان تقف في وجهها و تفشل كل مخططاتها. ان هذه القوة الإنسانية المتنامية هي في نهوض وعلى دراية بخطر المرحلة الحالية، وخاصة في ظل وباء كورونا الذي خيم على حياتها ومعيشتها. ليس سهلا على امريكا ان ترى افول شمسها وسيصاحب هذا الافول، دون شك، الدمار والوحشية من اجل إبقاء أمريكا لمكانتها. ولكن هذا ليس سهلا، وانما يتوقف على صراع القوة المنتجة وعلاقاتها وصراعاتها في المجتمع. وان أية طريقة تحاول فيها ان توقف عجلة تطور المجتمع لابد لها من ان تستخدم القوة المفرطة والدموية في صراعها. وان هذا هو الخطر الذي علينا لجمه بقوتنا الإنسانية والطبقية في انحاء العالم.
ان معرفة اوضاعنا الحالية ومعرفة الصراع الطبقي في المجتمع ومعرفة التوازن والإمكانيات الطبقية هي مفتاح للنصر في المواجهة وإيجاد الطرق المناسبة لايقاف هذه البربرية للراسمالية وحروبها وويلاتها ومآسيها … وان ادراك خطر مرحلتنا و تطور مسارها وكذلك إيجاد سياسة واقعية في مواجهتها هي مهمتنا الحالية، مهمة الشيوعيين والتحررين في انحاء العالم قاطبة.