لقد تمت الإطاحة بمعظم الأنظمة الملكية في أوروبا من خلال الثورات البرجوازية التي شهد بعضها صراعا عنيفا في اعقاب الثورة الصناعية. لقد وجدت البرجوازية الناشئة بان الملكية كنظام سياسي للحكم عائق امام توسع مصالحها. لذا فإن البرجوازية في اوروبا التي انتصرت في صراع استمر عدة قرون، قد اقرت بان المنصب السياسي والسلطة السياسية يجب ان لا تكون وراثية او “امتياز يمنحه الله” بل يجب ان تكون من خلال الانتخابات و”الكفاءة والأهلية”. ولكن لم تطبق البرجوازية يوم من الأيام هذا المبدأ في الميدان الاقتصادي.
ولكن رغم هذا تخاف البرجوازية من السلطة البرلمانية والانتخابات البرجوازية وحق التصويت العام. لان النظام الرأسمالي هو نظام طبقي مقسم الى طبقة صغيرة تملك كل شيء واغلبية معدومة، هناك دائما خطر ان تستخدم الانتخابات كوسيلة لتغير الوضع القائم والقضاء على عدم المساواة. لذا تقوم البرجوازية من بين إجراءات أخرى بالمحافظة على قوة او مؤسسة رجعية احتياطية مثل العائلة الملكية، او مجلس الشيوخ نصفه غير منتخب او المحكما العليا او حتى الجيش كسلطة سياسية نهائية للتدخل بالضد من أي تغير جذري في وقت الازمات.
تحاول البرجوازية إعطاء انطباع بان المؤسسة الملكية والسلطة الملكية هي سلطة رمزية او مجموعة من المشاهير الذين يشاركون في فعاليات اجتماعية مفيدة مثل العمل الخيري الخ. تؤكد بان وظيفتها هي ان تكون رمز لوحدة البلاد والمحافظة على الهوية الوطنية وهي جزء من التقليد والارث الوطني.
وقد تنظرُ حتى غالبية الجماهير في أسوأ الأحوال الى العائلة الملكية كمؤسسة غالية التكاليف، مجموعة من العاطلين عن العمل الذين يعيشون على خيرات المجتمع، ولكن في المطاف الأخير ليس لها أذى معين.
ولكن بالنسبة للدول التي تعرضت للاستعمار مثل الصين والهند وافريقيا ودول الشرق الأوسط، وامريكا تعتبر العائلة الملكية في بريطانيا رمز الامبراطورية البريطانية أي رمز للنهب، والقتل الجماعي، والتميز والعبودية وحرمان الاستقلال السياسي والثقافي وانتهاك الكرامة.
ان هذه المؤسسة بالنسبة للطبقة الحاكمة حتى في الدول المتقدمة مثل بريطانيا وكندا واستراليا تلعب دور مهم وهي الخندق الأخير للإبقاء على حكم البرجوازية. ان أهمية هذه المؤسسة هي أكبر الان حيث تمر الرأسمالية بأزمة متعددة الجوانب، ونشهد درجات خرافية من عدم المساواة، ويشعر القسم الأعظم من المجتمع بان الوضع الحالي غير قابل للتحمل ويزداد الغضب وتزداد المطالبة بتغيرات عميقة في النظام الاقتصادي والسياسي. تمثل العائلة الملكية رمز الإبقاء على الوضع الحالي وتقديسه.
يبقى التاج الملكي شيء رمزي مادام بقي البرلمان او أي شكل حكم برجوازي اخر مقبول من قبل المجتمع، ولكن ما ان تشكل الطبقة العاملة خطر على السلطة سوف تقوم البرجوازية بإحضار المؤسسة الملكية من القصور ومن وراء اسوار القلاع المظلمة من اجل حماية حكم الطبقة الحاكمة.
لذا تصرف البرجوازية جهود جبارة وتنفق الملايين من اجل اعطاء العائلة المالكة هيبة، والمحافظة على راهنيتها، أي خلق علاقة بينها والواقع الراهن للمجتمع، جعلها جزء من حياة المجتمع اليومية، وتاريخيه وثقافته وشخصيته وقيمه التي يجب المحافظة عليها. لذا تبث المراسيم المتعلقة بالعائلة الملكية بشكل يومي، تبث اخبار فعاليتها، تضع صورة الملكة على النقود الخ.
تدعي الدعاية البرجوازية بان احدى ميزات العائلة المالكة هي انها لا تتدخل في السياسة، هي فوق السياسة وهي تقف حيادية من الأحزاب.
ولكن في الواقع ان العائلة الملكية هي منحازة الى جانب الطبقة الحاكمة وكل الجرائم التي قامت بها بريطانيا تمت تحت التاج البريطاني. اننا لا نتحدث عن تاريخ قديم بل نتحدث عن قتل نصف مليون طفل عراقي من خلال الحصار وقتل اكثر من 6 مليون انسان بشكل مباشر وغير مباشر نتيجة التدخلات الامريكية والغربية في اخر عقدين التي كانت بريطانيا طرف فعال فيها. نتحدث عن الدفاع عن نظام التميز العنصري في جنوب افريقيا وعن الدفاع عن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين وغيرها من الجرائم. ان عدم الوقوف ضد هذه الجرائم يعني ان العائلة الملكية موافقة عليها.
ان حيادية العائلة الملكية في الوضع الطبيعي، هي من اجل إعطائها الشرعية للتدخل بشكل سافر في وقت الازمات. عندما تفقد اغلبية الجماهير الثقة في الأحزاب السياسية، ويكون النظام في ازمة ويبرز احتمال خروج الأوضاع من يد الطبقة الحاكمة، تدوس هذه المؤسسة على مبدأ الحيادية وتفرض الحل الذي يحافظ على مصالح الطبقة الحاكمة. ان ادعاء ان التاج الملكي منفصل عن السياسة وحتى مصالح الرأسماليين هو وهم صرف.
ان حيادية التاج الملكي بين الأحزاب التي تتنافس على السلطة هو لان هذه الأحزاب كلها تمثل بشكل مقبول مصالح الطبقة الحاكمة.
اذ هناك الكثير من الأمثلة حيث تم استخدام السلطة الملكية من قبل الطبقة الحاكمة للتلاعب بنتائج الانتخابات البرجوازية والوقوف ضد أي تغيير في الوضع الراهن. هنا لا نتحدث فقط عن دول مثل تايلند والأردن، بل عن دول مثل استراليا وكندا وهولندا.
قامت البرجوازية في استراليا باستخدام الحاكم العام الذي يمثل التاج الملكي ضد حكومة لا تخدم مصالح البرجوازية. اذ قام بإزالة رئيس وزراء حزب العمال في عام 1975، وايتلام، وإعطاء السلطة للحزب الليبرالي على الرغم من كونه اقلية.
واستخدمت السطات الملكية بالضد من العملية البرلمانية في كندا في عام 1926 عندما قام الحاكم العام بينغ برفض طلب رئيس الوزراء ماكينزي بحل البرلمان واجراء انتخابات وبدلا من ذلك قام بإعطاء السلطة الى حزب المحافظين.
واستخدمت الملكية في هولندا في أواخر 1918 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى بعد اضطرابات كبيرة في البلاد وتصاعد نضال الطبقة العاملة وبروز مجالس الجنود تحت تأثير ثورة العمال في روسيا مثل باقي الدول الغربية لاتخاذ إجراءات منعت خروج الأوضاع من ايدي الطبقة الحاكمة.
وتعيش هذه الشريحة عالة على المجتمع، اذ خصصت للعائلة الملكية في 2020 ميزانية مقدراها 117 مليون جني إسترليني وقد قطعت هذه الميزانية من الضمان الاجتماعي والصحة والتعليم وغيرها من البرامج الاجتماعية من اجل المحافظة على وجود هذه المؤسسة الطفيلة وجعلها بشكل مستمر جزء من النظام السياسي والقانوني والدستوري للبلاد.
هذا ينطبق على المرجعيات في العراق. يجب ان ينظر لها كقوة احتياطية رجعية للإبقاء على الوضع الحالي الذي يديم نهب البرجوازية لخيرات المجتمع. ان أي نضال من اجل قلب الواقع الحالي الذي أصبح غير قابل للتحمل، يجب ان يجعل القضاء على هذه المؤسسات هدف أساسي له.