الأطفال ليسوا ملكية للآباء: ملاحظات حول تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188

نادية محمود
لم يثر أي تعديل قانوني في العراق غضب النساء كما أثاره التعديل الأخير على المادة المتعلقة بحضانة الطفل في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188. ورغم أن الموجة الأولى من الاحتجاجات ضد هذا التعديل تركزت على رفض تزويج القاصرات، إلا أن التعديل المتعلق بـ”الحضانة” أثار استياء أوسع وأعمق، لأنه يتعلق مباشرة بمصير الأطفال.
ينص التعديل على سحب الحضانة من الأم عند بلوغ الطفل سن السابعة، وفي حال زواجها تُنتزع الحضانة منها فورًا إذا كان عمر الطفل سنتين أو أكثر، وتُنقل الحضانة تلقائيًا إلى الأب أو الجد من جهة الأب. هذا التعديل لا يستند إلى “مصلحة الطفل الفضلى” كما هو متعارف عليه في أغلب القوانين حول العالم، بل ينطلق من منطلق يُعامل الطفل كـ”ملكية خاصة” تعود للأب. ويتحول دور الأم – وفق هذا المنطق – إلى مجرد “أداة للإنجاب”، تتلقى نفقة لفترة محدودة، ثم تُجرد من طفلها حتى وإن كانت الأكثر قدرة ورغبة في تربيته.
السؤال الجوهري هنا: لماذا تُنتزع الحضانة من الأم تلقائيًا دون النظر إلى مصلحة الطفل أو كفاءة الطرف الحاضن؟ يرى مُعدّلو القانون أن النفقة هي السبب الرئيسي لمطالبة الأمهات بالحضانة، ويدّعون – دون تقديم أدلة كافية – أن حصول النساء على النفقة شجعهن على طلب الطلاق، مما أدى إلى “تفكيك الأسرة العراقية” وزيادة معدلات الطلاق.
لكنهم لا يوضحون مقدار هذه النفقة، وهل هي بالفعل كافية لتغطية نفقات الطفل الأساسية من مأكل وملبس وعلاج وترفيه؟
كما لا تتوفر إحصائيات دقيقة توضح نسبة المطلقات اللواتي يحصلن فعليًا على نفقة. بل في الواقع، تتخلى الكثير من النساء عن المطالبة بالنفقة مقابل حصولهن على الحضانة، وغالبًا ما يشترط الأزواج التنازل عنها مقابل الطلاق أو لحسم نزاع الحضانة. وفي حالات كثيرة، يكون الرجل هو من يرفع دعوى الطلاق وليس المرأة. فكيف يُتوقع أن يحد هذا التعديل من طلبات الطلاق؟ من الواضح أن وراء هذه التعديلات أجندات سياسية وأيديولوجية معادية لحقوق النساء.
أولًا: استثمار سياسي
لطالما استخدمت بعض الأحزاب الإسلامية، خصوصًا الشيعية منها، قانون الأحوال الشخصية كورقة انتخابية لكسب أصوات الرجال، متجاهلة تمامًا مصلحة النساء والأطفال.
ثانيًا: نظرة دونية للمرأة
ينطلق التعديل من رؤية ذكورية متجذرة تعتبر الأم مجرد وعاء للإنجاب وخادمة منزلية وجنسية للرجل. وعندما تطلب الطلاق – وهو حق غير مكفول أصلًا في الفقه الجعفري – تُعاقب بحرمانها من الحضانة والنفقة، وتُعامَل كما لو أن دورها انتهى بانتهاء العلاقة الزوجية.هذه النظرة تلغي كل الروابط العاطفية والإنسانية التي تربط الأم بطفلها، وتتناسى ما تتحمله المرأة من ألم الحمل، وخطر الولادة، وتبعاتها الجسدية والنفسية، كالاكتئاب أو مضاعفات الولادة الخطيرة.
ثالثًا: تسليع الطفل
يُعامل جسد الطفل كأنه ملكية مادية، تنتمي تلقائيًا إلى الأب لمجرد أنه “المنجِب”، رغم أن الطفل يحمل جينات كلا الأبوين.
هذه النظرة لا تنبع من “مصلحة الطفل” بل من منطق امتلاك، حيث يُنظر إلى الأولاد – خصوصًا الذكور – كمصدر قوة وثروة، تمامًا كما يُذكر “المال والبنون” في الخطاب الديني كزينة الحياة الدنيا.
رابعًا: تمييز صارخ ضد النساء
يُمنح الرجل الحق في الزواج الدائم والمؤقت بلا حد، بينما تُعاقب المرأة على الزواج مرة أخرى بفقدانها لحضانة أطفالها، وكأنها تُجرد من أمومتها إذا قررت ممارسة حقها الطبيعي في بدء حياة جديدة.
فهل هذا من العدالة؟ وهل هذه هي المساواة التي نص عليها الدستور العراقي؟ إذا كانت مشكلة بعض الآباء المطلقين هي النفقة، فهل الحل هو انتزاع الأطفال من أمهاتهم؟ أم على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها بتوفير الرعاية، والتعليم، والصحة، والغذاء، والملاجئ، والدعم للأمهات والأطفال؟ الأطفال هم مستقبل المجتمع، وحمايتهم مسؤولية جماعية لا عبء على الأم فقط. واذا كانت مشكلة الاباء هي ” المشاهدة” وتعنت بعض الامهات بتوفير الفرص لتأمين لقاء الابناء بابائهم، فان وضع مجموعة لوائح قانونية تفرض على الجهة الحاضنة بتأمين الاطفال لمشاهدة واللقاء مع الوالد غير الحاضن.
في العديد من دول العالم، تتوقف نفقة الأب عن الطفل فقط عندما تتزوج الأم ويقوم الزوج الثاني بتحمل المسؤولية، باعتبار الطفل جزءًا من العائلة الجديدة. أما في مجتمعاتنا، فيُعامل هذا الطفل كأنه “غريب” لأنه لم يُولد من صلب الزوج، مما يزيد من هشاشة وضع الأم والطفل معًا.
كلمة أخيرة:
الحضانة المشتركة بين الأب والأم، وفقًا لمصلحة الطفل الفضلى، هي الحل العادل. ولكن لتحقيق ذلك، يجب تمكين النساء اقتصاديًا، وتوفير فرص عمل ودخل يكفي لرعاية الأطفال. كما يجب على الدولة والقانون أن يضعا مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، وأن يتحملا مسؤولية حماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة ومستقرة لهم في حال عجز أحد الوالدين عن أداء دوره.
إن تعديل المادة الخاصة بالحضانة في قانون الأحوال الشخصية يجب أن يُناقش من منطلق حقوقي وإنساني، لا من منطلق امتلاكي أو ذكوري. فالأطفال ليسوا ملكًا لأحد – لا للأب ولا للأم – بل هم أمانة، ومصلحتهم الفضلى هي وحدها ما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار.