اليسار لا ينتمي بالضرورة إلى الاشتراكية أو إلى الشيوعية، بينما الشيوعية والاشتراكية تنتمي بالضرورة إلى اليسار، وسوف نوضح الالتباس الحاصل بين اليسار والشيوعية والدعوات الموسمية المتصاعدة بين الحين والآخر حول توحيد اليسار عند تصاعد منحنى انسداد الافاق وضياع البوصلة السياسية والشعور باللاحول ولا قوة، وخاصة في فصل الحصاد السياسي مثل الانتخابات وتفاقم الأوضاع الامنية وصياغة مشاريع قوانين معادية للإنسانية تخدم مصالح التيارات البرجوازية سواء كانت إسلامية أو قومية أو الديمقراطية التي تتغنى بالنموذج الأمريكي.
لقد بينّا في مناسبة أخرى وفي موضوع مفصل تحت عنوان (لأي يسار ننتمي- مقولة اليسار بين البرجوازية والبرجوازية الصغيرة)، كما أوضحنا أيضا وأكدنا في الندوة التي أقامتها قناة (البصرة ديرتنا) على منصة (الزوم) حول مفهومنا لليسار، إلا أننا سنشرح هنا على أية أرضية اجتماعية تقف أطروحة (توحيد اليسار)، وكيف نمضي بالمجتمع نحو انعطافه لليسار بشكل نهائي، ونلحق الهزيمة على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي باليمين الرجعي، المتمثل بالتيارات القومية والإسلامية على صعيد الحقوق والحريات وسن قوانين تعيد الاعتبار والكرامة للإنسان والمساواة القومية والدينية والطائفية والجنسية على جميع الصعد.
لا شك أن المجتمع العراقي انعطف نحو اليسار خلال انتفاضة أكتوبر و ما بعدها، والمعطيات المادية على ذلك تمثّلت بنزول الملايين من العاطلين عن العمل إلى ساحات وميادين الانتفاضة تطالب بفرصة عمل، وباقتحام المرأة تلك الميادين إلى درجة بث الرعب في قلب التيار الصدري، ليفتي زعيمه مقتدى بالفصل بين الذكور والإناث في الساحات، وكان جوابهن عليه (شلع قلع والكالها وياهم)، واكثر من ذلك، إذ فرض التراجع السياسي والاجتماعي على عموم الإسلام السياسي بولائيه ووطنيه، لينتهي بخضوع الجناح الموالي لولاية الفقيه وعلى المضض بشخصية غير ملوثة ــ على الأقل بالعلن ــ بسمعة الإسلام السياسي، لرئاسة الوزراء للحفاظ على العملية السياسية من قبضة الانتفاضة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهنا نلاحظ أنَّه ولأول مرة يفقد الإسلام السياسي الشيعي، السلطة التنفيذية منذ حكومة إبراهيم الجعفري عام ٢٠٠٥ حتى السقوط المدوي لعبد المهدي تحت ضربات الانتفاضة عام ٢٠٢٠، ورفع شعارات معادية للطائفية والإسلام السياسي وحرق مقرات عشرات الأحزاب والمليشيات الإسلامية، حتى تعالت صيحات الصدر و الولائيين بالحذر من العلمانيين والملحدين وتهديدهم.. اي بمعنى آخر فإنَّ المجتمع العراقي وتحديدا تياره المتمدن والمتحضر، قال كلمة فصل تجاه كل تخرصات القوى الإسلامية التي تقول بأنَّ المجتمع العراقي مجتمع إسلامي أو أنَّ أغلبيته مسلمة ومن ثمّ يجب فرض الأسلمة عليه عبر توجيه البنادق إلى الصدور او وضع فوهات المسدسات على الرؤوس.
وفي هذه الانعطافة اليسارية في المجتمع يلاحظ ضعف مكانة واقتدار الماركسية وعموم التيار الاشتراكي والشيوعي فيها. وكما قلنا سابقا فإنَّ ضعف التيار الاشتراكي في صفوف الانتفاضة، وعدم تسلح فعاليها و نشطائها بالفكر الاشتراكي، وغياب القسم المنتج من الطبقة العاملة الذي يعني ضعف التيار الاشتراكي في صفوفها، أدى بالتالي إلى أنَّ الخيار الاشتراكي الذي طرح في الانتفاضة والسياسة التي طرحها التي تمثَّلت (بإنهاء عمر العملية السياسية، تأسيس حكومة تسند على الإرادة الحرة للجماهير، وبرنامجها تحقيق الحرية والمساواة والأمان والذي يتلخص بحل المليشيات بما فيها الحشد الشعبي، تقديم قتلة المتظاهرين إلى المحاكم العلنية، توفير فرصة عمل او ضمان بطالة، تحقيق المساواة وإنهاء كل أشكال التمييز الجنسي والقومي والديني والطائفي)، نقول لم يحظ هذا الخيار بمكانة وقيافة واعتبار ولم يكن من بين الخيارات السياسية أمام الانتفاضة، مما أدى بالنهاية إلى سيادة الأفق القومي المحلي على الانتفاضة، وكان هذا التيار وراء عدم تحول الانتفاضة إلى ثورة عارمة تكنس كل هذه القوى الرجعية وعمليتها السياسية.
ومن هنا تكتسب مقولة (اليسار) المعنى الاجتماعي. إنَّ الرؤية الاجتماعية هنا غائبة كليا في مفهوم المنظمات التي تتبنى الماركسية وبغض النظر عن عددها وحجمها التنظيمي، ولذلك نجد أنَّ ما يطرح اليوم في صفوف تلك المنظمات، حيث يتمحور دائما وأبدا حول مشروع (توحيد اليسار) و بشكل ببغائي ودون أي محتوى، على أنَّ توحيد اليسار وبحسب ما عبرنا عنه في مكان آخر ومثلما تراه هذه المنظمات هو حصيلة مجرد جمع جبري لمنظمات، لأنَّها لا ترى المحتوى الاجتماعي لليسار ولا تنطلق من منظور طبقي، أو بالأحرى لا ترى على أية أرضية طبقية تقف، وكل اعتقادها هو أنَّ تحقيق أهداف توحيد اليسار فقط يكون بذلك الجمع الجبري، في حين أنَّ العالم الواقعي، هو عالم صراع طبقي و تتلاطم فيه مصالح الأحزاب السياسية التي تعبر عن مصالح طبقاتها.
الصراع على أبوية اليسار:
قبل كل شيء علينا أن نقر حقيقة بأننا لو أخذنا مقولة أو مصطلح (اليسار) بشكل عمومي في المجتمع، فأنَّ من مثّله خلال القرن العشرين في العراق هو الحزب الشيوعي العراقي. فهو قد استطاع التعبير عن تيار اجتماعي كبير في المجتمع إذ اقترن معنى (اليسار) في تلك المرحلة بمقارعته للاستعمار، ومن ثمَّ طرح برنامج اقتصادي يستند على رأسمالية الدولة الذي جاء في تطابقه مع بقية الاجنحة البرجوازية المعادية للاستعمار مثل التيار البرجوازي الوطني الذي مثله انقلاب العسكر بقيادة عبد الكريم قاسم وبعد ذلك مع مشروع حزب البعث في تأميم النفط ومجانية التعليم والطبابة المجانية وبناء واستحداث بنية تحتية اقتصادية كي تمكن العراق من الانخراط بالسوق الرأسمالية العالمية وأن تكون له القدرة على المنافسة أو استقطاع جزء من أرباح الإمبريالية العالمية التي تسيطر على العالم، وهذا التطابق في التوجهات كان وراء التحالف عشية انقلاب تموز ١٩٥٨ وثم تأسيس ما تسمى بـ (الجبهة الوطنية) بين البعث والشيوعي لإدارة الحكم في العراق بعد انقلاب البعث ١٩٦٨، وعليه سواءً أكان البعث او الحزب الشيوعي فقد قاما بجرِّ اليسار بشكله العمومي ورائهم أو لنقل انهما مثلاه في تلك المرحلة.
وكان هذا اليسار، وهو يسار الطبقة البرجوازية، هو يسار قومي إصلاحي، وقد مثله الحزب الشيوعي العراقي، إذ تربع على مركز اليسار خلال مرحلة القرن العشرين مع تقاسم حزب البعث معه في حقبة السبعينات من القرن المنصرم بعد إعلان تأميم النفط وتبني مشروع رأسمالية الدولة.
أن التصاق مكانة الحزب الشيوعي العراقي بمفهوم اليسار جاء من تلك الأرضية الاجتماعية واليسارية التي تطرقنا إليه، وإن خيارات الحزب الشيوعي العراقي بتشكيل جبهات سياسية بعد الاحتلال مثل التحالف مع الوفاق الوطني وتأسيس القائمة العراقية او التحالف مع التيار الصدري، ليس منبعه انحراف الحزب الشيوعي العراقي عن مبادئه السياسية وبرنامجه، ولا نابع من صدق او عدم صدق نيات ونوازع أخلاقية، إنما هو امتداد لكل تاريخه السياسي (انظر موضوعة التحالف عند الحزب الشيوعي العراقي-المد العدد ٨)، وبمعنى آخر كانت تلك التحالفات نابعة من مصالحه السياسية. وكان أساس تلك التحالفات هو المضي بالمشروع القومي المحلي الذي بدئه منذ تأسيسه، بيد أن ما وقف حائلا خلال مرحلة ما بعد غزو واحتلال العراق هو الصراع الطائفي، ولذلك لابد له من إيجاد مشروع عابر للطائفية التي وقفت حائلا او عائقا جديا أمام الانسجام السياسي للطبقة البرجوازية، وخلق الاستقرار السياسي للنهوض بالاقتصاد وترميم السوق الرأسمالية العراقية وإلحاقها من جديد بالعالم الرأسمالي الحر أو الاقتصاد الحر، أو كما سماها ممثلي الحزب الشيوعي العراقي أمثال رائد فهمي أو قبله حميد مجيد موسى في البرلمان بمسمى النهوض بالقطاع الخاص.
وسواءً وافق المخلصون الأيديولوجيون لأطروحة توحيد اليسار، أو لم يوافقوا، فأن أي مشروع يجهض الطائفية في العراق، ــ حيث دفعت جماهير العراق ثمنا باهظا للاستقطاب الطائفي الذي نتج عنها حرب أهلية ــ نقول أي مشروع يجهض الطائفية فإنَّه ولاشك سيصب في صالح تقوية أجواء الانعطاف نحو اليسار في المجتمع، او بمعنى آخر انتشال المجتمع من القذارة الطائفية. وهذه السياسة أي مشروع عابر للطائفية جاءت في صالح بقاء الحزب الشيوعي العراقي على مقعد اليسار، وبغض النظر عن محتوى الرجعي للجماعات المتحالفة معه أو حتى تبوئه مركزا في مجلس الحكم الذي أسسه الاحتلال بقيادة بول بريمر على أساس المقعد الشيعي.
وخارج هذا المشروع (المشروع العابر للطائفية)، ليس للحزب الشيوعي العراقي أي مشروع للبقاء في حلبة احتكار تمثيله لليسار، بيد أن الإصرار على أبويته لليسار ومحاولته التمسك بهذه الأبوية، تُعد سياسة واعية لإقصاء أي منافس يساري له، فهذا الحزب ليس لديه مشكلة مع القوى اليمينية سواء كانت قومية عروبية أو إسلامية، فهو يعرف بأنَّه لا يمكنه التنافس معها او إزاحة أي منها، لذا نجده متمسكا بابويته لليسار كي يكون رقما في المجتمع وبالتالي للحصول على سهم في السلطة، ويستمد قوة هذه الأبوية من تاريخه المضاد للاستعمار وتضحياته على هذا الطريق. صحيح أنَّ هذا الحزب يعلن بين مدة وأخرى عن تأسيس تحالفات مثل التيار المدني او التيار الديمقراطي، ولكن إذا ما دققنا فيه، ليس هناك اي وجود او ثقل لأي حزب أو منظمة شيوعية أو ماركسية أو اشتراكية فيها، لأنه لا يريد وضع نفسه في موقف محرج أو إيجاد منافس له يزيحه، وفي نفس الوقت يُعد ذلك وسيلة للحفاظ على أبوية هذه التحالفات.
ما نريد أن نقوله إن اليسار الذي ساد على الصعيد السياسي، كان يمثله الحزب الشيوعي العراقي. أما القسم الآخر من اليسار فهو ينقسم إلى قسمين، الأول خرج من رحم الحزب الشيوعي العراقي والذي ما زال وكأنَّه يعيش فترة حكم احمد حسن البكر وما زال يردد مقولة الاستعمار والبرجوازية الكمبرادورية والبضاعة الوطنية، أمّا القسم الآخر فقد خرج من رحم الحزب الشيوعي العمالي العراقي واستقل بمنظمات حاولت التمسك بعباءة ماركس وتلابيبه إرضاء لـ تاريخها النضالي والحيلولة دون رؤية كوابيس في أحلامها بسبب تأنيب ضميرها الأيديولوجي، وان هذين القسمين يرفعان راية توحيد اليسار على صعيد الشعارات، بينما على الصعيد العملي لا يقدمون على أية خطوة لان نزعات المثقفين، البرجوازية الصغيرة، النرجسية والانا و اللاتحزب تقف وراء تشرذمها وعدم جمعها بشكل أحادي.
اليسار والوحدة تحت راية الاشتراكية:
وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى، وهي لماذا لا تسعى هذه المنظمات بعدم التوحيد والتجمع والعمل تحت راية الاشتراكية، او تشكيل قطب اشتراكي. والجواب هو أنَّ العمل تحت الراية الاشتراكية وببساطة، ستكشف عن بعد تلك المنظمات عن الاشتراكية، فهي لا تريد وضع نفسها في هذا الاختبار، هذا ناهيك عن رواية وفهم كل طرف للاشتراكية.
ولذلك نجد القفز إلى مقولة (توحيد اليسار) ووضع هذه المنظمات تحت هذه اليافطة آمن لها، لتلافي المشكلات الأيديولوجية التي تعترض طريق توحيدها الذي دائما ما يكون لفظيا، أو في أفضل الأحوال التخلص من تأنيب الضمير، ولا يتجاوز أطر وجود منظماتها والحفاظ فقط على قدسيتها الفرقوية او المحفلية.
فعلى سبيل المثال لا تنظر هذه المنظمات إلى برنامج الحزب الشيوعي العمالي العراقي في مواجهة كورونا، والذي سمي بالبرنامج الوطني والتي تبناه ٦ اتحادات عمالية و ١٦ منظمة وحزب سياسي، بانه احد مشاريع اليسار، أو تقوية اليسار في المجتمع، ولم نسمع من أية منظمة من تلك المنظمات التي تدعي اليوم إلى توحيد اليسار، بأن تقدم على الانخراط في البرنامج الوطني (الدولة مسؤولة عن أمن وسلامة الجميع)، او تنظيم الحزب لأربعة طاولات مستديرة للناشطين والفعالين في الاحتجاجات الجماهيرية بين عامي ٢٠١٨-٢٠١٩ والعمل على رص صفوفهم وتقويتهم سياسيا وفصل آفاقهم عن القوى والتيارات البرجوازية، وقبله كان هناك مشروع مؤتمر حرية العراق الذي حشد القوى الجماهيرية وانخرط في صفوفه أيضا العديد من القوى السياسية على الصعيد المحلي والعالمي لإنهاء الاحتلال وتقصير أيادي الإسلام السياسي، وكان وراء تنظيم أكبر مؤتمر عمالي في تاريخ العراق في نيسان من عام ٢٠٠٩ وبمشاركة وفود من أمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان وجنوب أفريقيا وايران, وصادق على قرارات إنهاء الاحتلال وتأسيس حكومة غير قومية وغير دينية في العراق وتشكيل جبهة مناهضة لمشروع قانون النفط والغاز للاحتلال، والدفاع عن الحريات النقابية في العراق. الخ، كل هذه المشاريع التي قام بها الحزب الشيوعي العمالي العراقي، لا ترى هذه المنظمات فيها خطوات نحو توحيد اليسار او تقوية اليسار في المجتمع العراقي، لأنها لا ترى باليسار إلا بحدود منظماتها الأيديولوجية فقط، فهي تنخرط في التحالفات، هذا إذا استطاع صياغة تحالف ما، بمن تشاركها الهموم الفكرية أو القريب منها أيديولوجيا، إلا أن تحقيق أي هدف اجتماعي بما يقوى يسار المجتمع فلا شأن لها به.
ووفق هذا المنطلق الاجتماعي، فلا يعتبر الحزب الشيوعي العمالي العراقي، بأنَّ الحزب الشيوعي العراقي منافساً له في قيادة اليسار في المجتمع، لأن الأرضية الاجتماعية الطبقية التي يقف عليها الحزب الشيوعي العمالي العراقي ليست الأرضية التي يقف عليها الحزب الشيوعي العراقي، فكما يعلمنا منصور حكمت أن روايتنا للشيوعية والاشتراكية هي رواية ماركس للشيوعية التي جاءت في البيان الشيوعي و الأيديولوجية الألمانية ورأس المال، أي القضاء على العمل المأجور وبناء مجتمع خالي من الطبقات، بينما كانت رواية الحزب الشيوعي العراقي عن الشيوعية هي النضال ضد الاستعمار والقضاء على الإقطاع في الماضي التليد الذي لم يبق منه شيئا في عالم الرأسمالي اليوم، ثم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تبنى (الديمقراطية) أسوة بالأحزاب الشيوعية التقليدية التي كانت تدور في الفلك السوفيتي، وليس هذا فحسب، بل لا يوجد في منظومتنا الفكرية والسياسية مقولة الشيوعية الرسمية، واننا نمثلها او هناك من يمثلها، ولذلك سمينا أنفسنا بالشيوعية العمالية كما يقول منصور حكمت لفصل انفسنا عن الشيوعيات التقليدية سواء كانت من المدرسة السوفيتية او الماوية الصينية او الأورو شيوعية او الألبانية او اليوغسلافية. الخ.
وعليه وبعكس المنظمات اليسارية الأخرى التي تلوم دائما الحزب الشيوعي العمالي العراقي بأنه يدير ظهره ل”وحدة اليسار” فإننا ننظر إلى اليسار بمنظور اجتماعي كما أسلفنا، وأن أولوياتنا الفكرية والسياسية في هذا الميدان، تنصب على تقوية التيار الاشتراكي على العموم والشيوعية على وجه الخصوص وتسليحه بالراية الماركسية ولاسيما في صفوف الطبقة العاملة.
أن نقطة انطلاقنا هي طبقتنا، الطبقة التي ننتمي لها وهي الطبقة العاملة، وننظر إلى المجتمع على أساس طبقي، إذ ينقسم إلى الطبقة العاملة والبرجوازية، وان كل المظالم التي يتعرض لها المجتمع الإنساني هي بسبب الظلم الطبقي، ذلك من اجل ادامة العمل المأجور، للحفاظ على ربحية الرأسمال التي تنتزع من ثمرة عمل العمال، بينما يعيش العمال في حالة اغتراب عن ثمرة عملهم ولا ينعمون بها. أن كل أشكال التمييز العرقي والقومي والجنسي، تجارة المخدرات بيع الأعضاء البشرية، تجارة الجنس، هي مظاهر الظلم الطبقي السافر الذي يعيد إنتاج نفسه كل يوم. وعليه أن عنصر تحرر المجتمع الإنساني هو العامل، وان تحرر العامل من عبودية العمل المأجور يؤدي بالتالي إلى تحرر المجتمع، والماركسية هي الراية النضالية الفكرية والسياسية لذلك العامل في تقدمه من اجل تحرير نفسه وتحرير المجتمع الإنساني برمته، هذه هي باختصار شيوعيتنا، ولا يهمنا لا من بعيد ولا من قريب من يدعي أو ينتحل صفة الهوية الشيوعية.
إنَّ اتحاد اليسار او تحالف اليسار ليس علما جاء من الفضاء، ولا يُعد تحويله إلى مشروع عملي من المهام المستحيلة، ولكن المعضلة الأصلية أن المجاميع التي تدعو إلى توحيد اليسار لا تريد العمل على أرض الواقع لأنها انتزعت عامل التغيير الاجتماعي من أسسه الفكرية والسياسية، واستعاضت عنه بالجدالات الفكرية والأيديولوجية العقيمة التي تكون أقرب إلى الجدل البيزنطي، هل الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة.
وأخيرا فإنَّنا في الحزب الشيوعي العمالي عملنا ونعمل، من اجل تقوية يسار المجتمع الذي يعني الدفاع عن نضالات عمال العقود والأجور في الكهرباء وعمال الحفر في قطاع النفط، ونضالات خريجي البيطرة والهندسة والمحاضرين والمهن الصحية والدراسات العليا، وتنظيم حركة ضد البطالة، والدفع بنضالات المرأة من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية ومساواتها الكاملة مع الرجل، وندافع عن حقوق الطفل، و والدفاع بضراوة عن الحريات الفردية والسياسية، والنضال من اجل إنهاء الظلم القومي والطائفي والديني بحق الديانات والطوائف الأخرى، اي النضال من اجل فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، و إنهاء تطاول المليشيات وفرض التراجع على كل جماعات الإسلام السياسي، أن أي طرف يشاركنا في أية واحدة من هذه الميادين نحن نبادر ونمد أيدنا له، وكفى من رفع يافطات “توحيد اليسار” دون أية خطوة عملية، فكما قال ماركس “هنا رودس فلنرقص هنا” .