اما الامتثال لارادة الجماهير ومطالبها، او التغيير الثوري والجذري.
نص معدل عن حديث نادية محمود في ندوة الناصرية حول تأسيس مؤتمر الحرية والتغيير في يوم 16 حزيران 2024.
ماهي العلامة الفارقة لتأسيس مؤتمر الحرية والتغيير( من الان فصاعدا نستخدم كلمة المؤتمر)؟ مالذي يختلف عنه هذا التنظيم عن التنظيمات الاخرى التي تأسست في العراق بعد انتفاضة تشرين؟ مثل البيت الوطني، و حزب امتداد، وحركة نازل اخذ حقي ، وحركة 25 تشرين، وغيرها. والتي تأسست بعد الانتفاضة. سأتكلم في اربعة نقاط لابراز هوية واختلاف مؤتمر الحرية والتغيير عن غيره من المنظمات الاخرى، بما في ذلك اهدافه واسلوب عمل المؤتمر.
اولا: هوية مؤتمر الحرية والتغيير:
المؤتمر هو منظمة جماهيرية، غير حزبية، تؤمن بمختلف الاشكال التنظيمية التي تساعد الجماهير على تنظيم نفسها. اي هي منظمة افقية وعمودية في وقت واحد. فمن جهة، تنطلق من ضرورة التفاف الاعضاء والعضوات والمنظمات الاخرى المنضوية تحت لوائها حول ألتوجه السياسي والاحتجاجي للمؤتمر، وبنفس الوقت، تفتح الابواب واسعة لكل الاشكال التنظيمية التي تبتدعها الجماهير والتي تسهم وتساعد الجماهير في دفع نضالها للامام، وبشكل افقي. المؤتمر هو منظمة تهدف الى ارساء سلطة تعمل على تحقيق هذه الاهداف في عموم العراق.
المؤتمر هو منظمة منبثقة من المحتجين والمحتجات الذين اجتمعوا، وتناقشوا وقرروا على ايجاد اطار تنظيمي لهم. لم يعلن المؤتمر من قبل جهة، او من قبل شخص، لتنضم تحت لوائه شخصيات اخرى، بل جاء نتيجة لكل الاجتماعات التي انعقدت من تشرين الثاني عام 2018- الى يوم 17 ايار 2024، حيث تم اعلان تأسيس المؤتمر.
ثانيا: مسار سيرورة وتاريخ تأسيس مؤتمر الحرية والتغيير:
تعود فكرة انطلاق المؤتمر الى الاجتماعات التي بدأت منذ شهر تشرين الثاني عام 2018 على خلفية ما جرى من احتجاجات في محافظة البصرة من حزيران وتموز الى شهر ايلول من ذلك العام. لقد كانت تجربة ما حدث في البصرة في ايلول 2018 على تواجد فرصة للجماهير لاخذ المبادرة في ادارة شؤونها بنفسها، لكنها لم تفعل. الذي حدث في البصرة هو بعد المواجهات بين الجماهير و قوات الحكومية وغير الحكومية، حدث فراغ اداري وامني نتيجة الاحتجاجات، ترك المحافظ ومجلس المحافظة السلطة، تولد فراغ سياسي واداري وحكومي وعسكري لمدة يومين. تركت الدبابات في الشوارع. وكان السؤال هو: لماذا لم تقم الجماهير بملأ الفراغ السياسي، لم لم تعلن نفسها، كحكومة، كادارة للمدينة. لماذا انتظرت عودة القوات الحكومية، لتواصل حكمها بعد ان هربت الاحزاب من البصرة تحت ضغط الجماهير المحتجة؟ وبقيت المدينة فارغة ليومين. الجواب هو لانها لم تكن مهيئة. لانها كانت تفكر بالاحتجاج والمطالبة، لانها لم تملك الثقة والرؤية بانها يجب ان تملأ الفراغ السياسي وان تقم باستلام السلطة. لذلك يصبح من الضروري تنظيم الجماهير المحتجة، في اطار تنظيمي موحد، كما يفعل خصومنا السياسيين بالضبط، من حيث تنظيمهم، ورفع استعداداتهم لمواجهة الجماهير. الجماهير يجب ان تكون منظمة وعالية التنظيم، اذا ما اريد لهذه المطالب والحركات الانتصار والتحقق. على اعقاب تلك التجربة في البصرة، حيث جرت اجتماعات في محافظات في عموم محافظات العراق، من بغداد وذي قار والبصرة، وكركوك والسليمانية. ناقشت ضرورة وجود اطار تنظيمي يجمع ويوحد الاحتجاجات، ويعمل على بناء الجسور بين المحتجين والمحتجات وتنظيم الصلات والتواصل فيما بينهم.
ثالثا: اهداف المؤتمر: ثلاثة اهداف تشكل البوصلة والمرشد لعمل مؤتمر الحرية والتغيير وهي:
الهدف الاول: الاجابة على المطالب الاقتصادية للجماهير. المطلب الاساسي والرئيسي الذي دفع الملايين للتظاهر والاحتجاج منذ عام 2011 والى يومنا هذا. هذه المطالب تركز على ايجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، تثبيت العاملين في دوائر الدولة ومؤسساتها، المطالبين والمطالبات بالضمان الاجتماعي، المغبونين من العاملين في دوائر الدولة ممن يتطلعون الى تعديل سلم رواتبهم ليكون عادلا ومنصفا لكل موظفي الدولة.
الهدف الثاني: هو توفير الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم ورعاية اجتماعية لكل الساكنين في العراق. فمع ارتفاع درجات الحرارة وخاصة في الصيف، تجتاح مدن العراق موجات الحر الشديد، والتي تحتاج الناس معها الى خدمات الكهرباء للخلاص من درجات الحرارة العالية. توفير الماء الصالح للشرب، حتى لا يضطر المواطن الى شراء الماء، وخاصة من الطبقات التي تعاني الفقر والكفاف. توفير الرعاية الصحية المجانية لكل المواطنين وخاصة اولئك الذين لا تسمح لهم اوضاعهم الاقتصادية سداد كلف العلاج الصحي. الرعاية الاجتماية للمسنين/ات، وذوي الحاجات الخاصة،حتى لا تضطر الاسر وعلى الاخص النساء الى بذل ساعات من العمل الطويل بتقديم تلك الخدمات، بل تتحمل الدولة مسؤوليتها، لترفع العبء عن كاهل الاسرة. اعتبار العمل المنزلي والعمل الرعائي الذي تقوم به، في الاعم الاغلب، النساء، اعتباره عملا اساسيا ومهما لادامة الحياة الاجتماعية، مما يتوجب حسابه، وتقديره ودفع الاجور عليه، مثل اي عمل اجتماعي اخر.
الهدف الثالث: تحقيق الامان من حيث توفير كل مستلزمات احترام التعبير عن الرأي، واحترام الحقوق الفردية بدون تدخل من الدولة او الافراد، وصيانة الحق في ممارسة كافة النشاطات المدنية، بدون تدخل الدولة واجهزتها الامنية، تحت اية ذريعة كانت. فرض القانون الذي يعامل البشر على اساس متساو وغير متحيز لجنس على حساب الجنس الاخر، او التمييز على اساس الانتماء السياسي او الانحدار الديني والطائفي، وفرض تنفيذ القانون من اجل توفير اوضاع امنة للجماهير لممارسة حياتها بعيدا عن العنف، والابتزاز، والقهر، عبر الاستعانة باجهزة الدولة لاحقاق حقوقها.
لقد رأينا التظاهرات، والاعتصامات، والتجمعات، وحرق الاطارات، وقطع الطرق الخارجية، بل وحتى محاصرة شركات النفط، وقطع الطريق عن السفن، واحتلال الموانئ، ووقف المدارس، وتعطيل دوائر الدولة، كلها كأعمال احتجاجية، هل كانت كافية لممارسة الضغط على احداث تغيير جذري في النظام؟ من الواضح ان الكثير من مطالب الجماهير بالكهرباء والخدمات وفرص العمل لم تتوفر رغم استخدام كل تلك السبل لايصال صوتها الى الحكومة.
كما نرى ان السلطة تستخدم ستراتيجية الجزرة والعصا. العصا تتمثل باستخدام العنف، وهي بهذا الصدد، مٌنَظَمة بل وعالية التنظيم. فالسلطة الحاكمة رغم كل التشرذم والشقاقات فيما بينها، الا انها مٌنَظَمة تماما في تصديها لمساعي الجماهير بالحصول على حقوقهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. واصبحت مجربة، ولديها خبرة في التعامل مع الجماهير المحتجة، من استخدام العنف وتوزيع الادوار بين اطراف قواتها الامنية المختلفة. كلنا نتذكر في ايام ايلول عام 2018، كيف قامت الميلشيات بالقتل والاغتيال، وقيام قوات الشغب بالاعتقالات، وكيف سارع الحشد الشعبي الى تأسيس لجان التعبئة الطوعية، لمواجهة احتجاجات وتظاهرات البصرة.
كذلك استخدمت ” الجزرة” حيث تم تقديم الوعود للمتظاهرين بالتعيينات في القطاع الحكومي. مثلا وعدوا الشباب في البصرة في عام 2018 بـ 10 الاف وظيفة، في الوقت الذي قدم 300 الف شاب على عمل، ليتم الاعلان بعدها انه لا توجد مخصصات مالية في ميزانية 2018 مما دعا الى ترحيلها الى 2019. الا انه قيل لا توجد مخصصات في الميزانية لهذا العام ايضا، اي لعام 2019. اضافة الى شراء المواقف، الاغراءات المالية والوظيفية، من اجل تفريق صف الجماهير المحتجة. لقد جربت السلطة مختلف الوسائل لنزع الفتيل الثوري. ولم تنل الجماهير حقوقها بعد. عبرت الجماهير عن رفضها للمشاركة في الانتخابات عبر العزوف الواسع عن التصويت. الا ان السلطة، دأبت على الاعتراف بنتائج الانتخابات واعتبرتها شرعية. علما ان الجماهير لم تمنحها صوتها.
اما الاحزاب التي تشكلت بعد الانتفاضة، فلم يكن لها دورا مشهودا او مؤثرا في تغيير اوضاع الجماهير. لقد شكلت احزاب وانضمت لنفس التركيبة السياسية الحالية وانخرطت في العملية السياسية ذاتها والقائمة على اساس المحاصصة والطائفية. ولكن هل توفرت الفرص للعمل؟ هل توفرت الخدمات؟ هل حل الامن، هل توقفت النزاعات العشائرية، هل تحسنت الصحة، هل تحسن التعليم؟ ما هو التغيير الذي احدثه وجود هذه الاحزاب في السلطة. لاشيء.اننا نشهد استمرار الاحتجاجات في مناطق مختلفة، ولمطالب مختلفة، منها التعيين، او التثبيت، او تعديل سلم الرواتب، والخ، ولحد يومنا هذا.
رابعا: أسلوب عمل المؤتمر:
من اجل تحقيق مطالب الجماهير المحتجة، ينطلق المؤتمر من اعتقاده الراسخ باهمية تنظيم الجماهير لنفسها حول افق وقيادة تحررية وثورية. بدون تنظيم الجماهير لنفسها لا يمكن لها فرض مطالبها من أجل نصرها النهائي في كافة محافظات العراق. يؤمن المؤتمر بالاصلاح وبالتغيير الثوري كسبيلين للدفع بنضال الجماهير نحو تحقيق اهدافها. حيث يطالب بالاصلاحات من الحكومات، ولكن، ايضا يؤمن بالانتفاضة والثورات كوسيلة للجماهير لتحقيق اهدافها. حيث يقود عمل المؤتمر مبدأ اساسي وهو: اما الامتثال لارادة الجماهير ومطالبها، او التغيير الثوري. يعتمد المؤتمر في استراتيتجته على تنظيم الجماهير. ان عدم التنظيم وعدم وجود قيادة موحدة للاحتجاجات، قد اصابت الانتفاضة في مقتل.
ان الحاجة ماسة وضرورية لتنظيم هذه الاحتجاجات، لبناء الجسور بينها، والعمل المشترك، التضامن المشترك، وتقديم مختلف اشكال الدعم، وتبادل الخبرات، والاتفاق المشترك. ان تجربة لجان الاحياء في السودان، ولجان المقاومة وطريقة عملها، يمكن ان توفر لنا تجربة غنية يمكن التعلم منها. من الواضح ان عملنا في العراق يتميز بوجود الاحتجاجات والتنظيمات ليس في مكان السكن او المحلة، بل في الساحات العامة، وامام المؤسسات الحكومية ذات الصلة بالاحتجاج. مثلا للمطالبة بالكهرباء، تنظم الاحتجاجات امام محطات توليد الطاقة الكهربائية، او امام المؤسسات الحكومية مثل مجالس المحافظات. ويجري تنظيم هذه النشاطات بعيدا عن الاحياء المحلية.
بناء عليه، يجب تنظيم شبكات اجتماعية واحتجاجية عبر المدن يكون اعضاء وممثلوا مؤتمر الحرية والتغيير، اطراف منظمة وفاعلة فيها. هذا يستوجب على اعضاء مؤتمر الحرية والتغيير التواجد الفاعل، واقامة الصلات الاجتماعية والاحتجاجية مع ناشطي وفاعلي هذه الحركات، من اجل تأمين عملها وقيادتها تحت راية واحدة، وجمع مختلف الاشكال التنظيمية القاعدية المتفرقة، تحت راية منظمة مركزية واحدة، تعمل على خلق الانسجام وتوحيد المحتجين والمحتجات في عمل جماهيري منظم ومتناغم.