اي قيم اتى بها الحزب الشيوعي العمالي؟
يعتبر الحزب الشيوعي العمالي العراقي (الحشعع) انقطاع كامل عن الشيوعيات البرجوازية في العالم العربي، مثل الحزب الشيوعي العراقي، ليس في الاهداف التي يتبناها فقط، بل في القيم الانسانية التي يشيعها في المجتمع بشكل يومي وفي الوضوح والمبدئية في المواقف والطروحات. ان قيم الاحزاب الشيوعية التقليدية في المنطقة، هي قيم حركات التحرر الوطني والتي هي قيم الحركة القومية للدول المتخلفة الواقعة تحت السيطرة الامبريالية ” العالم ثالثية” المتأثرة بالاسلام. ولقد استخدمت هذه الاحزاب، التي هي احزاب حركة برجوازية اصلاحية، الماركسية بالشكل التي تخدم مصالح حركاتها والدفع بقضيتها فيما يخص ” تحرير الوطن”. اذ ليس لشيوعية هذه الاحزاب طابع او بعد انساني بل هي شيوعية فظة، وجافة، وخشنة ولا تتماشى مع المعايير العصرية. لقد تبلورت قيم هذه الاحزاب في سياق التركيز على النضال العسكري والسياسي ومعاداة الغرب والابتعاد عن النضال في الميدان الاقتصادي والاجتماعي. وتتميز هذه الاحزاب بميزة وهي الضبابية والغموض في الشعارات والمواقف والطروحات، بشكل مقصود، وتفادي التصدي الجدي لقضايا اساسية في المجتمع مثل قضية حقوق المرأة او حقوق الطفل والموقف من الدين، وهذه الضبابية تساهم في ان يدخل الحزب الشيوعي العراقي في تحالفات مع الحزب البعث والحركة القومية الكردية وتيارات الاسلام السياسي. ويمكن هذا الامر، الحزب الشيوعي العراقي، على طول تاريخه، على تقسيم الحركات الرجعية مثل الحركة القومية والحركة الاسلامية الى “حسن وسيئ، معتدل ومتطرف، من يقف الى جانب الشعب والمعادي للشعب”، اذ ان الباروميتر في هذه التقسيمات، في احسن الاحوال، هو ” معادة الامبريالية”. في المقابل ان الكثير من القيم الانسانية والعصرية دخلت الى المنطقة على يد الحركة الشيوعية العمالية والحزب الشيوعي العمالي العراقي، الذي يتميز بمواقف وشعارات واضحة وشفافة وبمبدئية وصراحة وعدم مهادنة للرجعية.
الموقف من حرية التعبير!
ان شعار الاساسي للاحزاب الشيوعية في المنطقة حول حرية التعبير هو” الحرية للشعب والموت لاعدائه”. ان هذا الشعار، من الناحية العملية هو شعار فارغ ليس فيه التزام محدد. اذ لا يحدد الحرية المقصودة، ومن سيقوم بتعريف الحرية، ومن هو في صف الشعب ومن هو في خانة اعداء الشعب، وهل المعارضين للحزب الشيوعي العراقي مثلا هم اعداء الشعب؟. وعندما يتعلق الامر بحريات محددة وملومسة وعملية مثل حرية التعبير وحرية النقد وحرية النشاط السياسي، تضع الاحزاب الشيوعية التقليدية شروط لمثل هذه الحريات، وهي تلتزم بل تدعو الى التقيد بكل شروط الحركة القومية والاسلام السياسي. اذ ساومت الاحزاب الشيوعية التقليدية مع الاسلام السياسي والحركة القومية، و قبلت بان حرية التعبير يجب ان لاتتجاوز على ” المقدسات الدينية والقومية”، بحجة ان تلك المقدسات هي مقدسات المجتمع.
في حين دخلت مقولة حرية التعبير غير المقيدة وغير المشروطة الى المنطقة والعراق، على يد حركة الشيوعية العمالية والحزب الشييوعي العمالي العراق. يرفض الحزب الشيوعي العمالي العراقي وضع اي شرط او قيد على حرية التعبير وحرية النقد وحرية اعلان الوجود، باعتبار هذه الحرية غير المقيدة وغير المشروطة هي ضرورية للدفاع من المراتب الادنى ضد تجاوزات المراتب الاعلى في المجتمع مثل الدولة او صاحب العمل الخ. فاي شرط وقيد يضع على حرية التعبير وحرية اعلان الوجود هي وسيلة تستخدمها القوى المتسلطة لتقيد حرية شريحة معينة من المراتب الدنيا في المجتمع. يجب ان تضمن لكل الافراد الحرية في التعبير وحرية اعلان الحضور المعنوي والاجتماعي والحرية السياسية و نقد مختلف الجوانب السياسية، الثقافية والأخلاقية والأيديولوجية للمجتمع . ويجب ان لاتقمع هذه الحريات باي شكل من الاشكال وتحت اي ذريعة مثل التجاوز على “المقدسات القومية والدينية او الاضرار بالمصالح الوطنية او بسمعة الوطن او جرح المشاعر العامة او ضرب المعنويات او عدم منطقية وتفاهة الافكار المطروحة”. فحرية التعبيرفي نظر الحشعع هي حرية التعبير عن اي فكر وتصور مهما اعتبر تافها وغير منطقيا او بشعا في نظرالاخرين،فهذه الاوصاف هي اوصاف ذاتية، نابعة عن نظرة معينة للحقيقية، وتعني التقيد بحدود اخلاق ونظرات جهة معينة. عرض افكار وسلوكيات وشخصيات معينة كمقدسات المجتمع، هي وسيلة لفرض قيم ومفاهيم وسلوكيات وشخصيات حركات اجتماعية وسياسية معينة على المجتمع، وقمع المخالفين لها باسم المجتمع. من حق الانسان ان يؤمن بما يعتقد هو صحيح ويمثل الحقيقية، ولكن هذا لايعني على الاخرين احترام عقيدته. اي ان حرية الاعتقاد هو حق ولكن فرض احترام تلك المعتقدات على الاخرين هو ليس حق.
كما يأمن الحشعع بحرية العقيدة، والتحزب والتظيم و عقد الاجتماعات، والنشر، والتظاهر،و الإضراب، دون قيد أو شرط. لايقبل الحشعع بالقمع لاعدائه، وكانت هذه القناعات الدافع وراء كل سياسات الحشعع منذ تاسيسه، ولذلك قام مثلا بالتنديد باعتقال عبداللة اوجلان، قائد الحزب العمال الكردستاني رغم كل الخلافات، لانه يامن ان هذا النوع من عمليات القرصنة السياسية تمنع اقامة مجتمع سليم.
الموقف من الدين!
تتفادي الاحزاب الشيوعية التقليدية، اتخاذ موقف واضح من الدين، وقد ساومت بشكل مهين مع الاسلام وحركات الاسلام السياسي. ويعتبر قبول الحزب الشيوعي العراقي مثلا بمدأ كون الدين الاسلامي خارج نظاق النقد لكونه من ” مقدسات المجتمع وعقيدة الجماهير” والتحالف المخزي الحالي مع الاسلام السياسي المغرق في الرجعية اخر الامثلة. في حين ان موقف الحزب الشيوعي العمالي العراقي من الدين هو راديكالي الى اقصى الحدود وقد عبر عن موقف صريح ولالبس فيه من الدين بما فيه الاسلام وحركات الاسلام السياسي.
لايقبل الحشعع بمقولة ان المجتمع العراقي هو مجتمع اسلامي. في نظر الحشعع، ان الدين الذي كان جزء من ارث المجتمع العراقي لقرون يترك ثقل عليه و يؤثر على تفكير ونظرة ومزاج وسلوك بعض الناس في المجتمع العراقي ولكن المجتمع العراقي هو ليس مجتمع اسلامي، بل هو مجتمع متعطش للحرية والمساواة وانهاء التميز وللحياة الكريمة و يامن بالعلم و يحب الحضارة والمدنية ويحب الفن والموسيقى العصرية وهو يماثل المجتمعات البشرية المعاصرة. ان الاعراف والتقاليد والقوانين والسوكيات الاسلامية في المجتمع، هي ليست نابعة من رؤية ومعتقدات الجماهير، بل تم فرضها من خلال عنف منفلت العقال وقصف اعلامي يومي هائل.
على الرغم من كل هذا العنف والدعاية الهائلين واسلمة القوانين والعلاقات السائدة اخفقت كل الجهود منذ الحملة الايمانية للبعث الى ممارسات المليشيات في يومنا هذا من اجبار المجتمع على قبول الهوية الاسلامية بوصفها هويته، وهكذا جائت ثورة اكتوبر لتنزف كل الترهات حول اسلامية المجتمع. فالاسلام ليس له صلة بالاقتصاد السياسي للمجتمع الراهن، بما فيه المجتمعات في الشرق الاوسط. ان صعود الاسلام السياسي ليس نتيجة لنفوذ الاسلام والعقيدة الاسلامية على فكر البشر في هذه المنطقة، بل جاء كجزء من الصراع بين الاقطاب العالمية ومعادلات الحرب الباردة وسياسات الغرب تجاه هذه المنطقة والقضية الفلسطينية ونتيجة اخفاق الحركة القومية ومشروعها التحديثي الاقتصادي والثقافي في بلدان الشرق الاوسط.
ويعتقد الحشعع بانه ليس للاسلام جناح تقدمي يمكن الدفاع عنه. ولايمكن تقسيم الاسلام السياسي الى “اسلام جيد وسيئ” ولايجب فصل الحكومات والتيارات الاسلامية عن الدين الاسلامي لغرض حماية الاسلام من جرائم الاسلام السياسي. ان مايجري في بلدان ” المسلمة” ليس نابع عن الفهم والاستنتاجات الخاطئة لهذه التيارات والحكومات عن الاسلام بل هو التعبير الحقيقي عن الاسلام.
يدعو الحشعع الى فصل الدين عن الدولة وقوانينها وعن التربية والتعليم بشكل كامل. يدعو الى الغاء مقولة الدين الرسمي. وفي الوقت الذي يدعو الحشعع الى حرية التدين والالحاد ويعتبر الدين شان خاص للافراد، يامن في نفس الوقت بان الدين هو نوع من الوهم الذي يجب ازالته من المجتمع ليس من خلال الاستبداد والقمع، بل عن طريق القضاء على الارضية التي تقوي الفكر الديني ونفود الحركات الدينية. يناضل من اجل فضح الدين ويعتبره جزء من السفاحة واللوبينية في المجتمع. اذ يامن بان اقامة نظام سياسي علماني وعصري هو مجرد الخطوة الاولى في مسيرة تحرر الانسان من كل الخرافات الدينية والقومية والاثنتية والجنسية والعرقية. لذا يجب ان يناضل المجتمع بشكل واعي من اجل ازالة تاثير الدين.
من جهة اخرى، رغم ان مناهضة الشيوعيين للدين هي مسالة هوية، لان الدين وخاصة الاسلام هو سبب لمصاعب كبيرة للانسان وسبب لاهانة الانسان و لهتك الكرامة الانسانية وهو مصدر للنزعة البطريركية والتجاوز على حقوق الطفل والمراة ويشجع نزعة نشدان الموت ويتناقض مع الفرح، ولكن مناهضة الدين غير كافي في مجتمعاتنا. يجب مواجهة الاسلام السياسي الذي يعتبر الاسلام احد بدائل اليمين في المنطقة لتنظيم سلطة البرجوازية بمجابهة اليسار والطبقة العاملة وفي المنافسة مع البرجواية العالمية على حصته من الثروة والنفود بكل قوة ودون مساومة، لانه حركة يمينية رجعية وعنصرية مناهضة للشيوعية والاشتراكية وللحرية والتحديث والتمدن والثقافة المتحررة وللفرح والسعادة الانسانية وللحقوق المدنية للمرأة والطفل،و لحرية ابراز الوجود للناس في الميادين الثقافية والشخصية، وهو يمارس القتل الاعمى ويفرض قوانين بربرية على البشرية.
الموقف من المساواة بين الرجل والمرأة!
لاتعير الاحزاب الشيوعية البرجوازية اهمية كبيرة لقضية المرأة واعتبرت قضية ثانوية لمسالة تحرير ” الشعب من الاستعمار ومن الدكتاتورية”. يتركز اهتمام الحزب الشيوعي العراقي مثلا في قضية المراة في الاشادة بمشاركة المرأة في النضال الى جانب الرجل، ولم تكن مكانتها في المجتمع وحقوقها ومساواتها قضية هذا الحزب .
في حين يناضل الحشعع من أجل المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع النواحي. ويناضل في الميدان الفكري والعملي ضد الثقافة والتقاليد والأعراف البطريركية و المقيدة والمتخلفة المعادية لحقوق المرأة وأرادتها المستقلة وشخصيتها بوصفها مواطنة متساوية الحقوق في المجتمع.
ويحارب بقوة ضد كل اشكال سوء المعاملة والإهانة و العنف بحق المراة في المجتمع وداخل الاسرة. ويقف ضد التدخل في العلاقات الشخصية والعاطفة والجنسية للمراة من اي جهة كانت. ويقف ضد اي قيود لحرية المراة في اختيار الملبس واختيار العمل والمعاشرة وفي السفر. يامن بحق الانفصال والطلاق بدون قيد أو شرط للمرأة والرجل والمساواة التامة في الحقوق والمهام للمرأة والرجل في الأمور المتعلقة برعاية وتكفل الأطفال بعد الانفصال.
ويحارب كل أشكال الفصل بين المرأة والرجل في الجامعات وفي مواقع العمل والمواصلات العامة. ويرفض الحشع الألقاب التي يتم بها تعريف المرأة وفقاً لمكانتها مقابل الرجل.
يطالب الحزب باعتبار بيع الجسد مهنة وبرفع الصفة الجرمية عن حياة وعمل الأشخاص الذين يلجأون إلى بيع أجسادهم و يطالب بحماية القانون لهم بوجه اي استغلال وتطاول، ويدعو الى صون شخصيتهم واحترامهم.
ومن الناحية العملية لقد حول حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل الى قضية اساسية في مجتمع كردستان في التسعينيات. وقد تصدى حسب الامكانات لاي تطاول على حقوق المرأة من حملة النظام البعثي ضد باعات الجسد، الى التطاولات على حقوقها في حدود الجاليات الشرقية في الدول الغربية تحت ستارسياسات تعدد الثقافات. وفي داخل البيت وضمن حدود الاسرة بلغ لوجوب مشاركة الرجل في عمل البيت وتربية الاطفال، ومنع فرض العمل المنزلي على الزوجة وقد حوله الى حد ما، الى تقليد بين اعضائه.
الموقف من حقوق الطفل!
يقف الحشعع ضد كل أشكال إيذاء الأطفال البدني والنفسي في نطاق الاسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع بشكل عام وتهديدهم وتخويفهم. ويقف ضد استغلال الاطفال جنسيا حتى اذا كان تحت غطاء الزواج. ويقف ضد تشغيل الاطفال.
يقف الحزب بقوة ضد تلقين الاطفال اي ايدولوجية، بما فيها الافكار الماركسية قبل سن 16 سنة، اذ يجب ان لايفرض اي معتقد او تقليد عليهم. ويدعو خاصة الى حماية الأطفال تحت سن 16 عاماً من كل نوع من التجاوزات المادية والمعنوية للأديان والمؤسسات الدينية. ان الدين مسالة خاصة وشخصية بالوالدين وينبغي عدم فرضها على الطفل، اذ ليس للطفل دين وتقاليد. يامن الحزب بوجوب منع الحجاب الاسلامي للاطفال من خلال القانون اذ له تاثيرات سلبية هائلة على عقل وحياة الفتيات حيث يرافقه عزل الاطفال من الاناث ومنعهن من الاختلاط والتعلم ووالتسلية والرياضة واللعب بحرية والاستفادة من الامكانات التي يوفرها المجتمع كحق. حرية الملبس هو حق متعلق بالكبار ولايعتبر تحجيب الاطفال حرية الملبس. ان تحجيب الفتيات هو قسر وفرض اتباع فئة دينية معينة ملبس معين على الاطفال. و يقف الحشعع ضد التجنيد العسكري للاطفال تحت سن 16. ودخلفي وقت سابق، في مواجهة مع سسياسات الحزب العمالي الكردستاني في تجنيد الاطفال في كردستان العراق.
الموقف من الحزبية والتحزب!
ان موقف الاحزاب الشيوعية واليسارية التقليدية من ترك الافراد لصفوف الحزب والاستقالة احيانا هي نظرة شبة دينية وينظر اليها كارتداد وقد تودي الى التشهير والتسقيط وحتى التصفية السياسية.
في حين ان الانتماء الى الحزب الشيوعي العمالي العراقي والاستقالة منه هو خيار شخصي. ليس هناك اتهام او اي حق للحزب على الشخص المستقيل.
من جهة اخرى، اعطى الحشعع بخلاف احزاب التيارات الاخرى حرية التامة للفرد في الرأي. واذا كان الفرد مخالف لسياسة معينة من سياسات الحزب –يمكنه عدم الترويج لها، اذ ليس شرط ان يوافق الكوادر على كل السياسات التي يتبناها الحزب.
ومن المسائل الاخرى، يدافع الحزب الشيوعي العمالي العراقي بقوة عن فصل الدولة عن القومية وعن المساواة التامة والمطلقة في الحقوق المدنية لجميع المواطنين ومساواتهم أمام القوانين. ويدعو الىى عدم تقسيم البشر على اساس المراتب ايا كانت. ويدافع عن ترسيخ الثقافة والقيم والمعاييرالانسانية والمعاصرة والعلاقات الانسانية المتحررة وعن العلم وكل النضالات التحررية. ويدافع الحشعع بقوة عن الحقوق الشخصية مثل حق كل شخصين تجاوزا 16 عاما في الحياة المشتركة، ويعتبر الجنس بين البالغين شان شخصي ليس لاحد الحق في التدخل فيه وعن وحرية اختيار الملبس وحري اختيار الاقامة والسفر. يقف الحشعع ضد الافتراء وانتهاك حرمة الاشخاص، والتدخل في خصوصيات الافراد، وتفتيش العقائد الخ. يعير الحشعع اهتمام خاص بالتسلية والاستجمام والسعادة.
هذه واخرى هي العشرات من التقاليد الانسانية والعصرية التي تعكس الطابع الانساني للحزب الشيوعي العمالي العراقي. ويدافع عنها بمدئية ودون اي مساومة وهي صيفة غريبة عن الاحزاب الشيوعية التقليدية.