بصدد أهداف “الصلاة الموحدة”!
عمل سياسي… رد على فشل!
بخلاف ادعاءات مقتدى الصدر وأتباعه وأبواقه الإعلامية، لم تكن “الصلاة الموحدة” التي جرت في الجمعة الماضية لها صلة بـ”عبادة خالصة”. ليس لهذه الحركة صلة بدين أو ديانة. إنه عمل سياسي وحركة سياسية بحت. إنه استعراض سياسي للقوى بوجه خصومه، وتحديداً الولائيين والإطار التنسيقي. وإلا ثمة سؤال مطروحاً: لماذا الآن؟ ما سر هذا التوقيت؟! إن توقيت يوضح بأجلى الاشكال هدف هذه “الصلاة الموحدة”.
إن هذه الخطوة هي استعراض للتغطية على الفشل. نعم، الفشل في مشروعه رغم تحقيقه ضعف الاصوات الانتخابية على اقرب منافسيه، اي مشروع تشكيل “حكومة أغلبية”. إنها خطوة لستر والرد على هذا الفشل السياسي وعجزه التام عن تشكيل حكومة، ناهيك عن “حكومة صدرية قح” برئيس وزراء صدري قح (جعفر الصدر). إذ فشلت كل هذه.
تأتي هذه في أوضاع تمر العملية السياسية وأطرافها قاطبة بانعدام آفق سياسي تام. ويعاني التيار الصدري، مثلما هو حال خصومه، من هذا المأزق السياسي الصعب، وليس من الواضح إن هناك ضوء في آخر نفق هذه العملية. إنه حال يجلس فيه “المنتصر” و”المهزوم” على الكرسي ذاته، كرسي انعدام الآفاق بانتظار وتطلع رحمة عامل “خارجي” ليحل هذه العقدة، وتحديداً مآل الصراعات العالمية والإقليمية، وبالتالي، آثارها على العملية السياسية وقواها وخلق توازن قوى آخر يفتح أبواباً أخرى.
ولأن التيار الصدري تيار حركي، وإن محور تقليده السياسي هو الحركة المتواصلة وعدم السكون أو الاستكانة لإبقاء مثلما يقولوا بالعراقي “حمّامه حامياً”، لإبقاء تياره حاضراً في المجتمع وكسب القوى، يلجأ لهذه الخطوة عديمة الأهمية والقيمة والثقل السياسي فقط لإعطاء انطباع كاذب وسطحي بأن أوراق الامور لا زالت بيده، وان لديه “اوراق”، وتغطية فشله وعجزه السافرين!
جرعة للمكانة المتهاوية للإسلام السياسي!
لم يلجأ الصدر هذه المرة الى أسلوب التظاهرات والتجمعات و”اقتحام المنطقة الخضراء وغير ذلك والتي طالما هدد بالقيام بها. إن لهذا الأسلوب الاخير مبرراته وضروراته اليوم.
لا يمكن فصل هذا الشكل من الحركة، “الصلاة الموحدة” عن مكانة الإسلام السياسي المتردية في المجتمع اليوم. لقد تعفر وجه الإسلام السياسي بتراب سخط واحتجاجات المجتمع العريضة. لقد بلغ الإسلام السياسي من الناحية الاجتماعية والسياسية دركه الاسفل في المجتمع. وبلغ هذا السخط والنقمة على قوى هذا التيار قمته في انتفاضة تشرين التي رفعت “باسم الدين باكونا الحرامية (سرقونا اللصوص) و”شلع قلع والكالها وياهم (ومن قالها معهم، اي الصدر نفسه)” وغيرها من شعارات. من جهة أخرى، شهدنا خلال السنوات الاخيرة تصاعد مد مدني واسع، داعي للحرية والتحرر من قيود وخرافات قوى هذا التيار، داعي للعيش كحال البشر في عالمنا المعاصر. إنك تجد هذا في كل مكان وزاوية. إن تلاشي الكثير من الوهم حول الاسلام السياسي وقواه، وحتى مرتكزاته، يقض مضجع مجمل الإسلام السياسي وقواه الرجعية قاطبة.
تأتي هذه الخطوة، وبهذا الشكل، أي الصلاة الموحدة واللجوء الى القيم الإسلامية، لـ”تبييض” وجه الإسلام السياسي، ونفخ الروح به مرة أخرى.
لقد جربت الجماهير ماهية هذه التيار وقواه على اختلاف توجهاته، وتنازله الجماهير في كل لحظة وفي كل زاوية من زوايا حياتها. إنها اتخذت قرارها الحاسم والواضح تجاهه. وليس بوسع الف “صلاة موحدة” أن “تبيّض” وجهه الكالح.
إشاعة الأوهام!
وكأي تيار برجوازي، سعى التيار الصدري الى حرف أنظار جماهير العراق. ليس حاجة المجتمع اليوم الى “عبادة خالصة” لوجه الله! الأغلبية الساحقة تتراوح بين الفقر وتحت خط الفقر، محرومة، جائعة، عديمة الحاضر (ناهيك عن المستقبل)، تفتقد الخدمات وأساسيات الحياة، ترى ثروات المجتمع تتناهبها جماعات مليشياتية وطفيلية. لا الطفل فيه طفلاً ولا الطاعن في السن طاعن في السن ولا الطالب طالب ولا حملة الشهادات حملة شهادة ولا…. مجتمع لم يبقوه كمجتمع. أمراضه الاجتماعية في تعاظم وتعاظم. إن جماهير العراق بأمس الحاجة وتناضل يومياً من اجل كنس هذه الوضعية والقوى الطفيلية والإجرامية التي تقف خلفها.
إن الصلاة الموحدة لا تتعدى إدامة الوضعية ذاتها وتأبيدها. إنه حرف أنظار الجماهير عن نضالها، وحدتها حول مطاليبها وأهدافها، وسعيها من أجل إرساء عالم مرفه وإنساني لا يمر إلا عبر كنس هذه القوى جميعاً، وفي مقدمتهم التيار الصدري نفسه.
ينبغي ان تدرك الجماهير الدرس وتبتعد عن أن يجعل منها الصدر وقود حربه مع أمثال المالكي والخزعلي والعامري و…غيرهم، وان تصبح ملحق لسياساته بوجه خصومه الذين لا يختلف عنهم في شيء. لا يختلف عنهم في درجة الاستبداد والإجرام ومصادرة الحريات السياسية والفردية ومناهضة المرأة والشباب والطفولة. إنه وخصومه ابناء عائلة واحدة يتصارعون من أجل حصتهم من السلطة والثروة، لا أكثر! ينشد مقتدى الصدر من حكومة الاغلبية حذفهم من حصة الحكم والثروة، وخصومه يريدون التشارك في الحصة. اختلافهم اختلاف أفراد عائلة! ولهذا يجب إزاحة كل هذه العائلة وكنسهم من التحكم بمصير مجتمع.