بصدد ما بعد إعلان نتائج الانتخابات وقرع الولائيين طبول الحرب!
حين تحدثنا عن إن الانتخابات ليست بانتخابات. قفز البعض ليقول ليس ثمة سبيل لتغيير الوضعية سوى هذا المسار. والان نرى تبديات وإفرازات هذا المسار وتلك الكذبة التي سعوا لإقناع الاخرين بها.
قرع طبول الحرب!
ما أن أُعلنت النتائج الاولية للانتخابات والهزيمة النكراء التي ألحقت بقائمة فتح والحشد الشعبي والتيار الولائي إجمالاً، حتى شهدنا تصعيداً إعلامياً صاخباً من قبل قادة فتح برفض نتائج الانتخابات “المفبركة”: وتوجيه الاتهامات بالتزوير و”سرقة أصوات ممثلينا” والخ، وتم إرفاق هذا بتهديدات مسلحة سافرة وصريحة.
من جهته، وبعد اجتماع لقوى “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” عقد في منزل الحكيم اليوم، حضره العامري والمالكي والخزعلي والفياض والعبادي والحكيم و…، أصدروا بياناً صريحاً وواضحاً بإسم “الإطار” بان نتائج هذه الوضعية “ستنعكس على السلم المجتمعي”، علماً انها كانت قد اصدرت سابقاً بياناً بعد الساعات الاولى من إعلان النتائج الاولية تحدثت فيه ان الوضعية “تقوض العملية السياسية” و”تضع البلد امام مخاطر لايحمد عقباها”.
بوسع أطراف هذا الإطار والاجتماع ان تعطينا تصوراً عن ماهية هذا الاجتماع وأهدافه. شعور هذه التيارات الولائية بهزيمة سياسية كبيرة وإنزواء متعاظم. ولايمكن فصل انزواء هذه التيارات التي كانت تتشدق لحد امس القريب بـ”قدسية الحشد” و”الحشد المقدس”، وانطلت ادعائاتهم على الاغلبية الساحقة للمجتمع، بلغ الأمر بها من التردي حداً، وبالأخص بعد وعلى اثر انتفاضة تشرين، بحيث لا تعرف كيف ترد على الاستياء الاجتماعي الواسع على الحشد.
بيد إن لنظرة عابرة على طبيعة الوضعية السياسية في العراق، يتبين ان إمكانية تنفيذ هذه التهديدات هو امر ليس سهلاً. الكل يعرف إنها مليشيات، وحين تُهزم ليس بصعب أو غريب أن ترد على هزيمتها عبر السلاح. ولكن هذا الامر ليس بيسير لعدة اسباب. ليس من السهل ان تدخل مغامرة كبيرة من هذا القبيل إن عرفت بدايتها، قد لا تعرف نهايتها أو إلى اين ستمضي الاوضاع. بالأخص ان للجمهورية الاسلامية، راعيتها، لا تفضل وليست على استعداد للدفع بهذه الخطوة التي بأمكان ان تأزم وضعها ووضع تلك القوى المليشياتية الموالية لها أكثر وأكثر.
من جهة اخرى، لديها مصالح ومكاسب سياسية واقتصادية كبيرة، ليست على استعداد للمخاطرة بها ووضعها كلها في مهب الريح. ليس معلوماً ان تنفيذ التهديدات سيصون او يبقي على مكاسبها التي انتزعتها بشق الانفس من القوى المنافسة لها على امتداد سنين صعبة وطويلة.
من جهة اخرى، انها تعلم علم اليقين، إن ميزان القوى السياسي والإجتماعي اليوم ليس بصالحها بتاتاً. فمن جهة، تعرف حجم إنزوائها الاجتماعي والسياسي الواضح. فاليوم ليس أيام “عصرها الذهبي”، أيام ما بعد “النصر على داعش” و”تحرير الموصل” وغيرها. ومن جهة اخرى، مال ميزان الكفة كثيراً لصالح تيار عروبي-عراقي قومي واسلامي، تيار االصدر-الكاظمي، الذي هو تيار تميل اليه امريكا وتدعمه. وبوسع امريكا، إن انسحبت من العراق، ان ترى فيه خلف لها في العراق يمكن الركون أليه والوثوق به.
بالاضافة الى ما سبق، هناك عامل مهم ومؤثر برأيي ألا وهو ان وضعية التيار القومي العروبي في المنطقة قد تغيرت، واصبح يده أطول مما قبل عامين او ثلاثة. وهذا بضرر هذه التيارات الولائية كثيراً.
بالاضافة الى هذا وذاك، يرون ان “المكون السني” وتياره القومي العراقي، “تقدم” والحلبوسي، في افضل وضع ممكن منذ 2005 ولحد الان. إن تصاعد هذا التيار، ومن خلفه تركيا التي يتصاعد تدخلها اليوم وبشكل حثيث بالعراق، عبر تيار البارزاني وحليفها الجديد الحلبوسي بالدرجة الاساس، يضع عراقيل جدية أمام التيار الولائي الذي لا تدعمه ولا ترغب به المرجعية والحوزة كذلك.
ولكن ثمة حقيقة ينبغي ان لا تغيب عن بالنا: الكل يعرف ان المليشيات هي مليشيات في المطاف الاخير. اي انها لا تتورع عن القيام يخطوات مسلحة إن اقتضت مصالحها. بيد ان تقديري السياسي هو ان هذا الضجيج الصاخب الذي يقومون به هو من أجل ممارسة أوسع اشكال الضغط على مقتدى الصدر من أجل فرض التراجع عليه، من أجل جره مرة أخرى وإعادته لـ”الإطار التنسيقي للقوى الشيعية”. أي ان يعود الى “البيت الشيعي”. وهو البيت الذي ليس سهلاً ان يتخلى عنه مقتدى الصدر لأن في ذلك مجازفة كبيرة. إذ انه بأمس الحاجة الى هذا “البيت” بوصفه “خط رجعة” مهم. لن يمضي الصدر الى حرق كل السفن وراءه. فعالم السياسة متقلب، ولا يعرف ماذا يحل غداً، وبالاخص أنه رأى ماذا بوسع الجماهير المنتفضة أن تفعل.
ولهذا، فإن تكتيكها يهدف التلويح بالحرب، أو حتى الشروع بمناوشات هنا وهناك، بهدف اجباره على “العودة” وتشكيل حكومة أئتلافية او “حكومة إئتلاف وطني” في المطاف الأخير. أي نقسم كعكة السلطة باتفاقنا، وإرضاء الجميع. وقد تُرضخ هذه القوى الغاضبة لنتائج الانتخابات، حيث يصعب تغييرها وبالاخص بعد ظهور النتائج النهائية (ما بعد الاعتراضات) وتطابقها مع النتائج الاولية. ولكن مقابل ذلك ان يقوم التيار الصدري بتعويضهم بأشكال اخرى: مناصب، امتيازات، وألاهم من هذا كله إعطاء ضمانات حول “عدم المس بالحشد الشعبي” (وهو الامر الذي كثيراً ما صرح قادة هذه التيارات الولائية عن انه مبعث قلق جدي لديهم)، و..غير ذلك من امتيازات.
فبالإضافة الى هذه الوضعية، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سبيل الحل الذي طرحه أياد علاوي للخروج من هذا “المأزق”، والذي مفاده (إقامة مؤتمر وطني لكل القوى في العملية السياسية وإقامة حوار هاديء بينها)، فأن هذا يدلل على سخافة موضوعات الانتخابات و”رأي الشعب” وغيرها من ترهات. إن هذا يدلل على ان متبجحي الديمقراطية والانتخابات كم هم أمناء في ادعاءاتهم. إنهم، وبجرة قلم، يدوسون على كل ادعائاتهم وتشدقاتهم حول الديمقراطية و”إحترام صوت الناخب” التي يمضغونها منذ 3 عقود وسعوا الى ان تبتلعها الجماهير دون تمحيص او تفكير. برأيي، ان تحقق هذا المسار بهذا الشكل، سيتبين للجميع ان الانتخابات وكل ما هو ذو صلة بها لايتعدى كذبة وضحك صريح على الذقون!
ولكن ثمة حقيقة: رغم هذا وذاك، ينبغي ان لا نغفل المخاطر التي بوسع قوى من هذا القبيل ان ترمي المجتمع اليه. وحتى لو لم يشنوا الحرب، فانهم، وللأسف قد خلقوا اجواء قلق ورعب وخوف تُلقي بضلالها على المجتمع اليوم وتترك تاثير جدي على حركته ونضالاته.
ان هذه هي قصتهم، فما هم قصتنا؟!
إن الانتخابات هي اطار لترتيب بيت هذه القوى المليشياتية الطائفية، ترتيب بيت سلطتهم وحكمهم، بيت تقسيم ثروات المجتمع فيما بينهم. بيد ان قضيتنا لم تبدأ بالانتخابات ولم تنته بها اساساً. ان قضيتنا قضية اخرى. سعوا بالإنتخابات الى طمس قضيتنا، التحايل والإلتفاف عليها. بيد ان المقاطعة العارمة التي قامت بها الجماهير لهذه الانتخابات، والتي على قول اياد علاوي إن نسبة المشاركة لم تتعدَ 12%، شلت مسعاهم وقصرت اياديهم من أن ينطلي هذا التكيتك (وأد الانتفاضة) على المجتمع.
سواء أكانت الحكومة صدرية ام مالكية ام إئتلافية، الأمر سيان لنا نحن الأغلبية الساحقة للمجتمع من عمال وكادحين ومحرومين ومضطهدين. إن سبيلنا لتغيير الاوضاع يبدا بادامة نضالنا وحركتنا الاحتجاجية، بتقوية صف احتجاجنا، بالإرتقاء بنضالنا، والرد على نواقص حركتنا، بالتنظيم الجماهيري القاعدي، من اسفل، في الاحياء والمحلات وفي مناطق العمل والدراسة، بتوعية حركتنا، بالإرتقاء بأشكالنا النضالية والتنظمية، برسم افاق نضالية راديكالية وتحررية واضحة، وبتسليح الجماهير وقادة الحركات وناشطيها بهذه الافاق.
لقد قالت جماهير العراق بصريح العبارة: “كلهم يعني كلهم”! لسنا على استعداد لأن ننتظر “مجرّب” او “غير مجرّب”. فنحن لسنا حقل لتجاربكم. نحن أسمى من هذا. أناس في القرن الحادي والعشرين نتطلع للحرية والرفاه والمساواة والتنعم بآخر منجزات البشرية. وإن ما يحول دون ذلك هو وجود السلطة المليشياتية الحاكمة قاطبة، بإسلامييها وقومييها، بعربها وكردها، بسنتها وشيعتها و.. . ان السبيل امام ذلك هو ان تشمّر الجماهير في العراق عن سواعدها للإطاحة بهذه الجماعات الاجرامية. إن هذا امر ممكن وقريب المنال.