بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول مشروع “تعديل قانون الأحوال الشخصية”
مرة أخرى يُفرض التراجع على التيار الرجعي القروسطي الداعي الى “تعديل” قانون الأحوال الشخصية. إذ سعت تيارات الإسلام السياسي الحاكمة في العراق، ومنذ تسلمها للسلطة قبل عقدين، الى فرض التراجعات على المكاسب التي حققتها الحركة النسوية والتحررية والمساواتية في العراق، وفي مقدمتها القوى الإشتراكية على إمتداد عقود مديدة. تلقت دعواها وقرارها المذكور ضربة موجعة وإستنكار جماهيري واسع من قبل قوى التقدم والتمدن، وفي مقدمتها النساء والتحررين.
ولشدة هلع هذه الأطراف، قامت بارسال مشروع القرار للبرلمان بغتة ودون اللجوء الى الاجراءات والمسارات العادية المألوفة للقرارات، وسعت الى مباغتة البرلمان بهذه الخطوة كي يصوت عليه وتكون فيه الاطراف المعارضة له عديمة الحيلة ومغمضة العينين. ليس هذا وحسب، بل وبخطوة تستهتر بابسط القيم الإنسانية، ساوم البعض الاطراف المعارضة لهذا القرار في البرلمان، وابتزوهم بربط الاقرار على قانون “العفو العام” مقابل التصويت لصالح القرار سيء الصيت هذا. إنها خسة ونذالة ان تربط هذه القضية المختلفة كلياً بحياة عشرات الالاف من السجناء الذين يرزح معظمهم في سجون منذ سنوات تحوم حولهم أحكام الإعدام البشعة جراء تهم كيدية ومخبرين سريين وإعترافات بالقوة والعنف والحقد الطائفي وتصفية الخصوم والخ!! من الواضح انه لم يبق أمامهم سبيل مشرف ومتعارف عليه للدفع باجندتهم المعادية للمرأة والطفولة ومدنية المجتمع سوى هذه الاساليب القذرة.
ان التعديلات التي يتحدثوا عنها ليست بتعديلات. إنها نسف للقانون. انها عودة بالمجتمع القهقرى القهقري للمجتمع أكثر من ستة عقود ونيف! إنها “تعديلات” تجعل من المرأة كائن ممسوخ، وعاء جنسي صرف للرجل، عديم الحقوق والحريات، محروم من الميراث والتملك وعرضة للتفسيرات الفقهية المتخلفة والجائرة لرجالات كارهة للمرأة فعلاً. تحرم المرأة من حق حضانة الطفل، تزويج (قل إغتصاب) القاصرات وغيرها من قيم العصور الغابرة، قيم ما قبل التحضر والمدنية وحقوق الانسان. تعديلات ترهن منح النفقة للمرأة بتلبية الحاجات الجنسية للرجل تحت قاعدة: “هناك جنس، هناك نفقة” والا فلا!
وباطلاق أيادي الشيوخ ورجال الدين عديمي الضمير في أمور الزواج والطلاق والحضانة وسائر الشؤون اليومية لمجتمع من أكثر من 40 مليون انسان، فان هذه “التعديلات” تنسف المواطنة والقانون والمحاكم والدولة حتى بالحد الأدنى لهذه المفاهيم. إنها تعديلات ترسي لدولة الشيوخ والملالي خارج الدولة.
ان هذه القضايا هي أجندة الاسلام السياسي وتعكس ماهيته الحقيقية. وعليه، فان اي إنتظار أو تطلع من هذه القوى هو وهم سافر. ليس لهذه القوى صلة بتحسين أوضاع الناس، ولا بتوفير الخدمات ولا بالارتقاء بالصحة والتعليم والسهر على راحة مجتمع مليوني متعطش للرفاه والحرية. ليس هذا وحسب، بل انها غارقة في الفساد والجريمة ونهب ثروات المجتمع وإشاعة الفوضى وإنعدام القانون والمتاجرة مع سائر القوى الرجعية من عشائرية وطائفية.
لقد رفعت رئاسة البرلمان هذا القرار من جدول أعمالها. بيد ان هذا السيف يبقى مسلطاً على رؤوس المجتمع. ومن الوارد ان في عملية تساومية وابتزازية و”لوي أذرع” وخسة وغيرها من ممارسات تمثل جزءاً متاصلاً من ماهيتهم السياسية والإجتماعية، ستفرض هذه الجماعات مشروع القانون هذا على المجتمع. وعليه، ينبغي توحيد القوى والصفوف من أجل عدم فسح المجال قط لهذه القوى بتنفيذ أجندتها المعادية للمرأة والطفولة ومدنية المجتمع.
يناشد الحزب الشيوعي العمالي كل قوى الحرية والمساواة على مواصلة نضالها والتصدي لهذه القوى وبرامجها القروسطية البائدة. ويؤكد مرة أخرى ان البرلمان والحكومة لا يتمتعان باي قانونية وصلاحية لاقرار اي قانون أو قرار. إنهما أدوات فرضت على المجتمع بالعنف والقوة والمليشيات. إنهما أدوات لم تمنحها الاغلبية الساحقة صوتها ولم تعترف بها من الأساس. ينبغي إنهاء التلاعب بمصير المجتمع عبر كنس العملية السياسية الراهنة قاطبة، عبر انتفاضة جماهيرية تنهي هذه السلطة وانتخاباتها وبرلمانها وقوانينها المعادية للأغلبية الساحقة للمجتمع وإرساء سلطة جماهيرية تستند الى الإرادة المباشرة للجماهير.
25 تموز 2024