مني مقتدى الصدر و تياره والطرف الثالث، بفشل سياسي كبير في تظاهرة اليوم المصادف 24 كانون الثاني، سواء على الصعيد العددي الذي دعى الى مليونية او على صعيد المشاركين فيها، او على صعيد الخطاب السياسي الذي اورده الصدر بالمناسبة.
على الصعيد المليونية، فبالرغم من تسخير كل امكانات الدولة من مركبات لنقل المتظاهرين من مدن وسط وجنوب العراق والى ساحة التظاهرة في بغداد، وفضائيات تمولها الحكومة و الاحزاب المليشياتية في السلطة للتعبئة السياسية، والنفقات التي دفعت للمتظاهرين اضافة الى تأمين ساحة التظاهرة بنسبة 100٪.
في الحقيقة ان مليونية الصدر تحولت الى10٪ منها وبدعم ومساعدة الطرف الثالث ونقصد جميع المليشيات وسلطتها، بمشاركة التيار الصدري نفسه والعصائب وحزب الله والنجباء وحزب الدعوة وبدر اضافة اسماء اخرى، فلم يجمعوا اكثر من 100-150 الف شخص مع المبالغة من قبلنا في تضخيم العدد.
اما على صعيد المشاركين فيها، فبينت التظاهرة ومن خلال انخراط المليشيات فيها بشكل فاعل، الى عدائها السافر لجماهير العراق، فهي حاولت استعراض قوتها ليست تجاه امريكا والقوات الامريكية التي كانت عنوان فقط وليس اكثر، بل ضد متظاهري ساحة التحرير والحبوبي وام البروم والعشرين…الخ من ساحات الانتفاضة. ان التظاهرة كانت رسالة ولاء الى الجمهورية الاسلامية، رسالة جوابية على ثلاثة شعارات رفعتها جماهير العراق خلال ايام الانتفاضة وتوجت في مليونية 10 كانون الثاني وهي “ايران برة برة.. بغداد تبقى حرة” و” ذيل، لوكية..العن ابو ايران يا بو امريكا”، شلع قلع..ولي كايله وياهم” واضافة الى شعار اخر ردده متظاهري ساحة التحرير والساحات الاخرى بعد دعوة الصدر الى تظاهرته المزعومة، لا مقتدى ولا هادي..حرة تبقى بلادي”.
اما على صعيد الخطاب السياسي، فكان خطاب الصدر مليئ بالانتهازية والتخبط، فمن ناحية اراد الصدر ان يقوم بأحتواء غضب الجماهير المنتفضة في الساحات التي تقتل بدم بارد بيد المليشيات التي اتفق معها على تظاهرته الالفية ومن مدينة قم الايرانية، ومن ناحية اخرى لم يرد استفزاز الادارة الامريكية. فالشق الاول بما يخص الجماهير الغاضبة منه دعى الى دمج الطرف الثالث اي مليشيات الحشد الشعبي بوزارتي الداخلية والدفاع، وبغير ذلك فيجب تنفيذ اوامر القائد العام للقوات المسلحة. ان هذا المقترح بقدر انه يضع المشكوكية على ولاء الطرف الثالث لجهة اخرى غير القائد العام، بنفس القدر يثير الضحك والسخرية. فالحق يقال ان مليشيات الحشد كانت تنفذ اوامر القائد العام للقوات المسلحة عندما قتلت المئات من المتظاهرين بالرصاص الحي والغازات المسممة وكواتم الصوت، وتقوم بعمليات والاختطاف والتعذيب، واجبار المحظوظين من المتظاهرين اذا لم يقتلوا او يغتالوا بالتوقيع على براءة من التظاهرات وعدم المشاركة فيها. وقد منحها القائد العام للقوات المسلحة لقبا فخريا وهو الطرف الثالث كي يفصل بينها وبين وزارتي الدفاع والداخلية. ان المقترح المذكور لا يعدو اكثر من تفسير الماء بالماء اكثر مما هو وضع الرماد في العيون، ويعبر عن اتخبط الصدر الذي لا يحسد عليه الصدر عندما وضع يديه بيد قتلة المتظاهرين ويرفع شعارهم وصور من اباح دماء الجماهير منذ اليوم الاول من تشرين الاول 2019. اما بالنسبة للشق الثاني من الخطاب فقد بعث برسالة اطمئنان الى الادارة الامريكية، بعدم الموافقة على ضرب البعثات الدبلوماسية، وكان يقصد رفضه قصف السفارة الامريكية بين الفينة والاخرى بصواريخ المليشيات، والدعوة الى الهدنة وعدم اللجوء الى المقاومة العسكرية.
وبكلمة اخيرة فبالنسبة للصدر اراد استعراض قوته ويفصل نفسه عن مسار الانتفاضة الذي بات لا يسيطر عليها او في اسوء الاحوال التشويش عليها، فباقل من 4 اشهر وصمود الجماهير في الساحات وارادتهم الثورية اماطت الانتفاضة اللثام عن انتهازية التيار الصدري ومقتدى الصدر، وها هو مقتدى الصدر وعبر تغريدته بعد تظاهرته يعتب على متظاهري ساحة التحرير لانهم لم يشاركوه، وفوض فيهم الامر للله.
وهكذا كشف اليوم ان هناك تياران في العراق، تيار سلطة المليشيات بما فيها التيار الصدري دون استثناء ويريد استبدال نفوذ امريكي وقواته المجرمة ومشاريع مؤسساته المالية التي نهبت وتنهب جماهير العراق منذ عام 2003 بنفوذ الجمهورية الاسلامية ومليشياتها الوحشية وقواتها الحرس الثوري ويريد الاستمرار بالسلطة والسرقة والفساد، وتيار تحرري يطالب بالحرية والمساواة وقال كلمته لا لايران وارهابها..ولا لامريكا وارهابها في العراق. وبهذا نستطيع ان نقول دون الحاجة الى عناء في التحليل، ان تظاهرة المليشيات منيت بفشل سياسي كبير ويكاد يكون صداها مدويا، وان ثاني انجازات الانتفاضة بعد اقالة المجرم عادل عبد المهدي، هو فَصَلَتْ افاقها عن افاق احدى التيارات الرجعية في المجتمع اراد الاستمرار اللعب على حبلين.