تكتيكان… وهدف واحد! (حول “جرة اذن” مقتدى الصدر)
مالذي تغير في الصدر؟! ولا شيء! الصدر هو هو!ّ لم يكن الصدر “داعية اصلاح” او ان مايعنيه بالاصلاح لايتعدى تصور ذا صلة بمصالحه ومصالح تياره، لا اكثر؛ فيما لم يكن له صلة بتحسين اوضاع الجماهير. انه ابن العملية السياسية واحد رموزها واركانها بكل قيمها المحصاصاتية والطائفية، بكل فسادها ونهبها، بكل اجرامها ومليشياتها و..الخ.
انه مؤسس جيش المهدي بجرائمه التي لاحد ولاحصر لها في العراق وبالاخص بين 2006-2008 ابان الحرب الطائفية والقتل على الهوية.
ليس هو من تغير، بل تكتيكه قد تغير. العملية واحدة، لعب ادواراً مختلفة، بيد ان الهدف كان واحد: الحصول على مكانة اكبر في السلطة والحكومة. ان مايتعقبه هو ان تكون له اليد الطولى في العملية السياسية. فبالامس، ابان الصراع الضاري داخل المعسكر الشيعي، كان مايتعقبه هو التزعم ومن هو صاحب الكلمة الفصل في هذا المعسكر الذي غير اسمائه لمرات، “التزعم” و”اليد الطولى” يعني مكانة وحصة اكبر من السلطة والثروة. حين كان وضعه اضعف او اقل مكانة من خصومه، شن المالكي عليه حربا مسلحة تحت اكاذيب “سيادة القانون” و”دولة القانون” بهدف سحق جيش المهدي وتركيعه.
وفي مراحل اخرى، تمثل تكتيكه بركوب موجات الحركات الاحتجاجية العارمة في مدن وسط وجنوب العراق تحت راية “الاصلاح” و”محاربة الفاسدين”، في وقت لايقل هو وجماعته فساداً عن الاخرين رغم الورع والزهد الذي يتظاهر به. كان ساخطاً على المكانة التي يتمتع بها المالكي الذي بلغ درجة كان يحسب ويعد نفسه معها انه “صدام العراق الجديد”، وكان يزهو المالكي بهذا اللقب، وهذا الاقرار من قبل الاخرين.
ومع تاسيس الحشد الشعبي تحت كذبه اسمها “تحرير العراق من داعش”، راى الصدر تياره وهو يتهمش تدريجيا امام الحشد المتضخم كالاخطبوط، وصعد نجم اسماء جديدة منها الخزعلي (الذي كان احد اتباعه)، العامري، المهندس، فالح الفياض وغيرهم. وهيمن الحشد على كل شيء تقريبا من اقتصاد، قوى امنية حكومية، مليشيات، اموال طائلة والتحكم في كل شاردة وواردة في المجتمع، لا في مناطق الوسط والجنوب، بل في المناطق “المحررة” من مثل الموصل وديالي والمناطق الغربية. ليس هذا وحسب، بل اصبح له ظهور اقليمي في سوريا وغيرها. شعر التيار الصدري ان مصيره ومستقبل تياره السياسي في خطر… وان الامور تسير نحو ابتلاع الحشد لـ”الاخضر واليابس”!
مع انطلاق الانتفاضة الجماهيرية العارمة في اكتوبر 2019، سعى التيار الصدري في البدء لركوب موجة الانتفاضة، ولكنه على خلاف المرات السابقة، فشل فشلا ذريعاً، واكدت له الجماهير المنتفضة بالف شكل وشكل ان ما انطلى عليهم في الدورات السابقة، لن ينطلي هذه المرة، وتعرض لخيبة امل جدية وكبيرة بالاخص بعد شعار “شلع قلع والقالها وياهم”!. وجد نفسه وهو “منزوع السلاح والدور”، لا مكانة خاصة له في تيار الاسلام السياسي الشيعي الذي غدا للحشد الشعبي وعصائب اهل الحق وبدر والنجباء والخراساني وغيرهم اليد الطولى بشكل تام تقريبا، ولا بين الجماهير في العراق الساخطة على الفقر، الجوع، البطالة، الفساد، انعدام الخدمات وغيرها….
تطورت الانتفاضة وغدت اكثر راديكالية وجماهيرية والتيار الصدري في تهميش وانزواء يوميين. اتت حادثة مقتل سليماني والمهندس، لتجلس الجمهوريية الاسلامية معه وتعقد صفقة. مدركة ان قواها المليشياتية وحشدها، خزعليها، عامريها وغيرهم من تربوا باحضان ولي الفقه اضعف من ان يستطيعوا الرد على حدث عظيم مثل هذا.
فمن اجل ادامة عمر سلطتها ونفوذها في العراق، وهي المهددة في لبنان وفي عقر دارها، ايران، عقد نظام الجمهورية الاسلامية صفقة مع تيار مقتدى الصدر. ابلغوه التالي: لايمكنك ركوب موجة التظاهرات هذه المرة، ان انتصرت الانتفاضة لن يطاح برؤوس الخزعلي، الفياض، العامري، المالكي والكعبي و…. غيرهم فحسب، لن تستطيع انت ان تنقذ راسك، سيزول راسك مع زوال هذه الرؤوس، لا تتوهم ان يبقى للاسلام السياسي، ومن ضمنه انت، مكان لكم في عراق الانتفاضة المنتصرة. الجماهير المنتفضة قالت كلامها بوضوح مابعده وضوح.
اقنعت ايران جماعات الحشد والاطراف الموالية لها بما مفاده (ان علينا القبول بحصة اصغر ودور اصغر ومكانة اصغر لاننا جميعا عاجزين عن لجم الانتفاضة، نتفق مع الصدر على ان يتصدر هو المشهد، يقمع الانتفاضة، ينال حصة اكبر. علينا ان نقبل بحصة ومكانة اقل افضل من ان يتم اجتثاثنا نحن والاسلام السياسي جميعا، ولايمكن ان ننجو في ايران ان اطيح بكم في العراق.) اعطوه الضوء الاخضر ورفع جميع ابناء المعسكر الايراني قبعات الولاء لـ”زعيمهم الجديد”، زعيم هذه المرحلة، الذي تطابقت اجندته مع اجندة ولي نعمتهم في ايران.
اتى بالقبعات الزرق، الاعتداء بالسكاكين والهراوات، ويهدد بايقاف تجميد جيش المهدي، وجعل قوات السلام تصول وتجول، وتحول الى حامل راية “الطرف الثالث” بكل ما للكلمة من معنى. كشف الصدر عن انيابه بسفور بالغ دون اي تردد … لماذا يتردد؟! ان الهدف الذي تعقبه طيلة اعواما مديدة، وبصراعات مريرة وقاسية الى ابعد الحدود مع خصومه في المعسكر والخندق الشيعي، بقالب ركوب موجة الحركات الجماهيرية و”الاصلاح” وغيرها، ها هو يتحقق وهذه المرة بتزعم خندق “الطرف الثالث”، الاستبدادية الاسلامية السافرة. يقدمه له خصومه على طبق من ذهب!
وها نحن نرى مقتدى الصدر منتشياً باقرار جميع قوى العملية السياسية التي تلقت ضربات موجعة جراء الانتفاضة المليونية بدوره ومكانته. لقد تحول لمنقذ العملية السياسية الطائفية وامتيازات الجماعات والعصابات المليشياتية الاجرامية المخضبة اياديها بدماء اجمل الشباب. ترى هذا الانتشاء واضحاً في لغة الصلف، الغرور، الاستهتار، الجهل، التخلف، “اللسان الطويل” بوجه جماهير العراق بالدرجة الاولى وبوجه خصومه الذين لم يستطيع ان يفرض عليهم تراجع نهائي واخير على امتداد مايقارب 17 عاما.
لم يبقى امام الصدر سوى ان يكشف عن وجهه الاستبدادي الشرس بحد من الاستهتار بحيث يسمي مقتل العشرات من الابرياء على ايدي جلاوزته، ناهيك عن اعمال الخطف، استخدام السكاكين والهراوات بحق المحتجين بانه “جرة اذن”!! بث رعب وهلع ليس بقليل على صعيد المجتمع. بيد انه هلع ورعب عابرين، وسيهزم شر هزيمة كما هزم اصحابه من قبل.
ان مجتمع مابعد اكتوبر 2019 ليس كما من قبله.