لقد أصبح أمر مؤكد منه، بان تسرب الغاز من السيل الشمالي واحد والسيل الشمالي اثنان وهي انابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا الى المانيا ومنها الى الدول الاوربية الأخرى، كانت نتيجة عمل تخريبي متعمد. كما يؤكد معظم الخبراء بان هذا العمل لابد ان تقف ورائه دولة وليس افراد او مجاميع إرهابية. حيث سجلت مراكز الزلازل في السويد والدنمارك عدة انفجارات قوية في 26 أيلول في المنطقة الاقتصادية السويدية والدنماركية حيث تمر الانابيب ناتجة عن مواد متفجرة وليس زلزال. وبعدها تم اكتشاف تسرب الغاز في أربع نقاط مختلفة.
يجب التأكيد بأنه في اليوم الذي تم تفجير خطوط السيل الشمالي ( نورد ستريم)، تم افتتاح خط أنابيب جديد لنقل الغاز من النرويج الى بولندا ومنها الى دول أخرى مما سيعود بمكاسب اقتصادية كبيرة على بولندا. ان توقيت الانفجار من فتح الانبوب الجديد ومع مراسيم ضم روسيا لأربعة مناطق اوكرانية قد لا يكون محض صدفة.
يُعتقد بان التخريب قد لا يكون قابل للإصلاح اصلا، وإذا كان بالإمكان إصلاحه، فان العملية قد تستغرق سنة. ولا نعرف فيما اذا كان بإمكان اوروبا الصمود سنة أخرى بدون الغاز الروسي.
لا نعرف لحد الآن منْ الطرف الذي قام بهذا العمل الاجرامي الخطير وقد لا نعرف ابدا. ولكن كالعادة قام الغرب باتهام روسيا في حين نوه بوتين بان أمريكا أو بريطانيا أو الاثنين معا يقفان وراء هذا العمل.
كان نورم ستريم واحد، ينقل 40% من حاجة اوروبا من الغاز الطبيعي. رغم ان نورد ستريم اثنين لم يدخل الخدمة حيث لم توافق المانيا تحت ضغط من أمريكا على تشغيله عندما انتهى العمل فيه في 2021 ونورد ستريم واحد غلقته روسيا بحجة الصيانة وتعطل التوربينات، الا ان هذه الانابيب كانت حاضرة لان تفتح في أي وقت. تعطي هذه الخطوط روسيا نفوذ ووسيلة للضغط على اوروبا وخاصة ان أوروبا على وشك الدخول في شتاء وهي على وشك ان تشهد نقص حاد في الطاقة. وقد جاء هذا الهجوم بعد حدوث مظاهرات في اوروبا تدعو الى فتح هذه الخطوط لنقل الغاز.
من جهة أخرى ان الولايات المتحدة كانت مصرة على منع او اقناع اوروبا على عدم شراء الغاز من روسيا منذ فترة طويلة تعود الى عهد جورج بوش الابن. ونتذكر جيدا عندما عاتب دونالد ترمب المانيا قائلا ما معناه، نحن ندافع عنكم ولهذا يجب ان تشتروا الغاز منا وليس من روسيا. وقال بايدن في 7 شباط 2022 أي قبل الحرب الأوكرانية، إذا قامت روسيا باحتلال أوكرانيا، سوف ننهي نورث ستريم 2. حيث لم يقل سوف نقوم بتأجيل او تأخير دخول هذا الخط في الخدمة، بل قال سوف نضع نهاية له.
كما قامت الولايات المتحدة والغرب باتهام روسيا بالكثير من التهم التي تبين لاحقا زيفها مثل متلازمة هافانا. اذ اتهمت أمريكا روسيا باستخدام سلاح سري للهجوم على الدبلوماسيين الأمريكيين في الكثير من الدول والتي أدى الى اعراض مختلفة وغامضة والتي تبين لاحقا بانه امر مختلق. كما اتهمت أمريكا روسيا باختلاق فضيحة حاسوب هنتر بايدن، ابن الرئيس الأمريكي، ولكن تبين لاحقا بان هذا الكومبيوتر كان شيء حقيقي ويحتوي على فضائح وجرائم ارتكبها هنتر منها التورط هو ووالده في عمليات فساد في أوكرانيا اضافة الى استخدام المخدرات وحتى ممارسات جنسية توحي بالاغتصاب. نفس الشيء ينطبق على ادعاء استخدام النظام السوري بمباركة روسيا الأسلحة الكيماوية في دوما التي تبين لاحقا بان المعارضة الموالية للغرب هي التي قامت باختلاق الحدث. كما اتهمت روسيا بالتدخل في الانتخابات الامريكية او ان ترامب كان عميلا روسيا الخ والتي تبين إنها مزيفة كذلك.
من جهة أخرى، ان منع أوروبا من شراء الطاقة من روسيا سيجبرها على شراء المزيد من الغاز المسال من أمريكا ويصعب على الصناعات الاوربية المنافسة مع الصناعات الامريكية. ولا تريد أمريكا أي سلام بين أوروبا وروسيا، بل تريد توسيع نطاق الحرب واستمرار العداء بين أوروبا وروسيا وإبقاء أوروبا الى جانبها.
كما ان من مصلحة أوكرانيا وقف تدفق الغاز الروسي الي اوروبا. وهذا الشيء ينطبق ايضا على بولندا التي تعادي كل من روسيا وألمانيا وهي لاتزال تطالب المانيا بتريليونات الدولارات كتعويضات مقابل الغزو الألماني اثناء الحروب العالمية.
بغض النظر عمن قام بهذا العمل، فهو يعتبر تصعيد خطير بين روسيا والغرب وهو هجوم عسكري سري على بنية تحتية مدنية في غاية الأهمية بالنسبة لأوروبا وهو بمثابة عمل حربي ضد المانيا بالذات. انه ينقل الحرب الأوكرانية الى مرحلة جديدة وخطيرة جدا.
قلما يحدث شيء من هذا القبيل، حتى اثناء الحرب العالمية الأولى والثانية. اذ قد يفتح هذا العمل، الطريق لهجمات مماثلة على خطوط الانترنيت وخطوط الانابيب في بقع أخرى في العالم مما يجعل حياة المليارات من البشر أصعب بأضعاف المرات وقد تساهم في نشوب حرب مباشرة بين الدول النووية العظمى.
ان عدم قدرة روسيا على إيصال الغاز إلى أوروبا سيجعل من الصعب تحقيق السلام لأنه ستفقد كل الأطراف دافع قوي لتحقيق السلام. وهذا الامر يخدم سياسة واشطن بغض النظر عن الطرف الذي قام بهذا العمل.
فأوروبا على أبواب الشتاء وهناك احتمال ان يعاني السكان نتيجة البرد والفاتورات الخيالية من اجل التدفئة، وهذا قد يؤدي الى خروج الملايين الى الشوارع لمطالبة حكوماتهم من اجل مفاوضات سلام مع روسيا، الامر الذي يسمح بتدفق الغاز الروسي مرة أخرى. ولكن تم الان سد الطريق امام هذا الاحتمال.
ان هذا العمل خطير جدا ويشير بان البرجوازية على استعداد للقيام بأقبح وأخطر الاعمال بما فيه الاعمال الارهابية ضد منافسيها وهي لا تهتم بأمن وسلامة ورفاهية البشرية. معظم التوقعات تشير بان الاقتصاد الالماني ومعه الاقتصاد الأوربي سوف يدخل في ركود في 2023 بسبب غلاء أسعار الطاقة نتيجة توقف تدفق الغاز الروسي، مما يعني تسريح ملايين العمال، واضطراب في حياة وبرامج الملايين من العوائل. وقد بدأت بالفعل الكثير من الصناعات والمشاريع في اوروبا بالإفلاس او بتقليص انتاجها وتسريح العمال. لهذا يجب على البشرية اخذ المخاطر الناتجة عن الصراع في أوكرانيا والتوتر بين الغرب وروسيا وبين الغرب والصين على محمل الجد. ان من يقوم بعمل إرهابي من هذا النوع بإمكانه القيام بأمور أسوء بما فيها الحرب النووية. كما ان مثل هذا العمل قد يؤدي على الاقل الى خروج الأمور عن السيطرة والانتهاء بحروب مدمرة للبشرية. يجب حشد كل الطاقات لأنهاء الحرب الأوكرانية بأسرع وقت. بإمكان البشرية المتمدنة فقط من القيام بهذه المهمة.