حدود وأهداف حركة التيار الصدري الأخيرة!
قام التيار الصدري بخطوة “جديدة” أخرى في صراعه السياسي مع خصومه على السلطة، الإطار التنسيقي الشيعي. حيث وبخطوة سريعة قام باحتلال مجلس النواب، وبعدها اقتحم دار القضاء، ليتحصن في البرلمان ويقيم مراسيم طقوس شيعية هناك! ورافق هذا الامر استعراض قوة، استعراضات عسكرية لمليشيات سرايا السلام. في الحقيقة انها خطوة ليست بجديدة أو ليست غير متوقعة. اذ قام بذلك سابقاً.
حال الإطاريين:
ان هذا الخطوة التي قام بها التيار الصدري دفعت الامر والوضعية الى وضعية جديدة نوعاً ما. فرض عبرها تراجع جدي على خصومه المذكورين. مال ميزان القوى لصالحه بشكل كبير في صراعه من اجل السلطة والحكم. وبيّن بأجلى الاشكال ضعف خصومه، وفي مقدمتهم المالكي ودولة القانون والولائيين. ولم يجلب الاستعراض الهزيل للمالكي لنفسه ومعه حماياته، ووضع ادعاءات “دولة القانون” والمؤسسات على جهة والظهور كأي بلطجي سوى السخرية. وكشف التيار الولائي والاطار التنسيقي عن تلك الحقيقة التي طالما أكدنا عليها وهي انه تيار مليشياتي وغير اجتماعي، ليس لديه حاضنة اجتماعية، وليس له اي صلة بمجتمع متعارف وعادي وبالطبقات الاساسية للمجتمع.
ان رد فعل هذا التيار في الازمة هو حدود غير متناهية من التخبط وانعدام الافاق وليس لديه ما يقوله، سوى الحديث عن “تغليب منطق العقل” و”الحوار” وحتى “التملق” للتيار الصدري وغير ذلك. وبالأخص يحس المرء انعدام حيلة ولي امرهم، الجمهورية الاسلامية في ايران. فها هو قاآني عاد وذهب دون ان يكون له اي تأثير يذكر. ان حضور نظام الجمهورية الاسلامية في العراق اليوم، وفي هذه الاحداث، هو الاضعف. ان هذا المسار التراجعي لهذا النظام هو ليس وليد اليوم، وانما منذ سنوات عديدة. فالجمهورية الاسلامية، وبالإضافة الى التناقضات السياسية الحادة في المنطقة وازماتها المتعددة وانعدام افاقها تجاه التحولات الجارية في المنطقة ومكانتها، تواجه اليوم جماهير ايران المتطلعة للحرية والمساواة والخلاص من نظام الجمهورية الاسلامية، وتنازله الطبقة العاملة والنساء والجماهير المحرومة والكادحة بألف طريقة وطريقة يوميا. إذ ان جماهير ايران التحررية عقدت العزم على إنهاء عمر هذا النظام البالي الجاثم منذ اكثر من 4 عقود على صدر المجتمع.
ابن العائلة وشريك العملية السياسية!
ان التيار الصدري هو احد ابناء عائلة العملية السياسية. ليس اقلهم فساداً، وليس اقلهم اجراماً، وليس أقلهم نهبا لثروات المجتمع، ليس اقلهم مساهمة في افقار المجتمع ودفع ملايين الناس تحت خط الفقر. إنه تيار استبدادي وفاشي بكل ما للكلمة من معنى، تيار معادي للحريات السياسية ومناهض للحريات المدنية والفردية الى ابعد الحدود، تيار يستند الى “الطاعة العمياء” و”المقدسات” و”الرموز” الدينية والطائفية، وتحديداً مقدساته “الصدرية”! تيار يعد الجهل والتخلف والعبودية وذل الانسان جزء من اركانه. تيار تعد البلطجة جزء لا غنى عنه لممارسته السياسية. ولهذا، ان اي تقدم يحرزه التيار في هذه الوضعية وفي المجتمع هي خطوة معادية ومناقضة تماماً لأي تطلع انساني حر ومشرق.
ان هذا التيار هو، وعلى طول الخط، وعلى امتداد ما يقارب العقدين، شريك أساسي في العملية السياسية التي جلبتها حرب امريكا واحتلالها للعراق. انه مسؤول بالقدر ذاته عن كل ما مر ويمر به المجتمع من ضياع وفقر وجوع وبطالة وانعدام حقوق وغياب الخدمات واجمالاً الوضعية الكارثية التي يمر بها المجتمع كل هذه السنوات. ليس بوسعه أن يفصل حساباته عن البقية ومصائبهم التي جلبوها للمجتمع.
هدف هذه الخطوة:
لا يهدف التيار الصدري من هذه الخطوة الانقلاب على العملية السياسية وحسمها لصالحه. فالأمر أعقد من ذلك بكثير اذ أن حسم العملية السياسية مرهون بعوامل “غير محلية”. ان الصراع السياسي في العراق لا ينفصل عن مجمل الصراع الاقليمي في المنطقة. ان عجز البرجوازية في العراق عن تشكيل سلطة متعارف عليها او عادية هو ان القوى المليشياتية الحاكمة في العراق هي مليشيات أنشأتها حرب امريكا واحتلالها للعراق ومرحلة الصراع بالوكالة في العراق، صراع الدول الاقليمية من مثل ايران والسعودية والامارات وتركيا وغيرها، وطالما لم يركد بعد غبار اثار وتبعات مرحلة الحرب بالوكالة، فان الطبقة البرجوازية الحاكمة عاجزة عن تنظيم المجتمع تحت سلطة موحدة. ان شرط الطبقة البرجوازية في تنظيم حكومة وسلطة سياسية موحدة مرهون بذلك العامل. ولهذا، فان اقصى حد تسير اليه خطوة التيار الصدري هذه هو ليس حذف الخصوم من الساحة، وانما تقليم اظافرهم، فرض بعض الاملاءات والشروط والضغوط من مثل ازاحة وتهميش المالكي وحتى محاكمته على التسريبات او طرد فائق زيدان او لجم المليشيات “غير المنضبطة” وغيرها. ومن هناك إدامة الوضعية الراهنة، بقاء الكاظمي في الواجهة لأشهر اخرى قادمة، وترك مقاليد ادارة المجتمع بيد الامانة العامة لمجلس الوزراء التي هي بيد التيار الصدري الذي ينتهز هذه الظروف للدفع بأجندته اكثر فاكثر وتقوية مكانته..
عن اي “اصلاح” يتحدثون؟!
ان هذا التيار ليس “اهل اصلاح”. أن كلمة “الاصلاح” عند التيار الصدري لا تعني ايجاد فرص عمل، لا تعني ضمان بطالة، لا تعني حريات وحقوق، لا تعني خدمات وكهرباء، لا تعني … اي شيء من هذا القبيل. انها الاسم الرمزي لحذف منافسيه وخصومه السياسيين “الفاسدين” في التيار السياسي الشيعي الولائي والإطاري، يعني اعادة الهيبة لمؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة وغيرها تحت قيادته واشرافه واشراف سرايا السلام ومليشيات “الجيش المهدي” و”اليوم الموعود” وغيرها، يعني تحكم رجالاته وازلامه على مجمل مفاصل المجتمع، يعني اشاعة قيم التيار الصدري بوصفها قيم المجتمع، يعني تعميق الطائفية والنزعات الطائفية وغيرها. لا أكثر. اي صياغة مجتمع وفق عقائده ووفق قناعاته السياسية والاجتماعية القرووسطية متجاهلاً وضارباً عرض الحائط كل القيم والافكار والتقاليد الانسانية والتقدمية والراقية الاخرى.
ما لعمل؟!
إن ثمة خطأ ترتكبه الجماهير هو الامل والتطلع من امثال هذا التيار لتغيير وضعية جماهير العراق. إن تغيير هذه الوضعية الكارثية التي يمر بها المجتمع، وبالأخص السعي لإزاحة طبقة سياسية فاسدة ومتقيحة يعترف رموزها وشخصياتها الاولى بانها افسد وافشل طبقة سياسية في كل تاريخ العراق الحديث، لا يمكن ان يأتي على يد التيار الصدري. ان جزع الناس يدفعهم في احيان كثيرة للتعلق باي قشة لتغيير الوضعية. دعك عن نوعية هذا التغيير. وجراء الجزع والياس و”انعدام الحيلة”، ومثلما اكدت التجارب في عراق “صدام” وايران الشاه و..غيرها، تمضي الجماهير في احيان كثيرة وراء اي تيار سياسي قادر على تغيير هذه الوضعية بمعزل عن ماهيته السياسية والاجتماعية. إذ ركضت وراء الخميني وهللت لدبابات امريكا و”المعارضة العراقية”!
لا يمكن للجزع والياس و”انعدام الحيلة” ان يكون مرشد ومنطلق موقفنا وتعاملنا. ان مصالحنا، وفقط مصالحنا الخاصة بالحرية والمساواة وعالم افضل لمجتمع يتمتع بكل الامكانيات اللازمة لتحقيق الرفاه والسعادة هي ما ينبغي ان تكون عليه بوصلتنا. اننا مجتمع مليوني ناقم على كل هذه الوضعية وبكل اطرافها السياسية والطبقة التي ينتمون ويدافعون عنها، البرجوازية، وفي الوقت ذاته متعطش لحياة افضل. بوسع هذه القوى المليونية ان يكون لها كلمة أخرى، خارج هذه العملية المتهرئة والبالية. ليس بوسع الف تيار مليشياتي ان يلجم جموع مليونية وهبتها. لقد بينت تجربة انتفاضة تشرين عن ذلك بوضوح. ان تشرين آخر مستلهم دروسه وعبراته من نواقص تلك الانتفاضة بوسعه ان يكنس كل هذه القوى المليشياتية، “كلهم يعني كلهم”، وان يغيّر كل الوضعية في العراق ويرسي مجتمع اخر يستند الى الحرية والمساواة. إن تنظيم الجماهير لنفسها وصفوفها في الاحياء والمحلات وأماكن العمل والدراسة، اي على صعيد اجتماعي قاعدي، والتدخل من هناك بكل ما يخص حياتها وفرض ارادتها الجماهيرية الواقعية وتنظيم انفسهم في مجالس واية اشكال مناسبة اخرى، هو خطوة لا غنى عنها لذلك. ان هذه مهمة الشيوعيين والكادحين والمحرومين ودعاة الحرية والمساواة في المجتمع.