حربان في ان واحد على غزة!
نادية محمود
بعد ان شنت اسرائيل عملية ابادة جماعية قل نظيرها والتي اودت بحياة اكثر من 27 الف قتيل، و اكثر من 66 الف جريح، وبعد تدمير البنية التحتية لقطاع غزة. تقوم اليوم 17 دولة مساندة لاسرائيل بشن حرب ثانية عبر فرض حصار اقتصادي وانساني على غزة، وذلك عبر وقف تمويلها لمنظمة الانروا( وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى). وهي المنظمة المسؤولة عن تقديم المساعدات الى الفلسطينين منذ 75 عاما،اي منذ طرد الفلسطينيين من ديارهم عام 1946-1948. وهي المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه مليونين من اهالي غزة في الحصول على موادهم الغذائية والدوائية والمستلزمات الحياتية الاساسية الاخرى، اضافة الى ثلاثة ملايين في القدس الشرقية ودول الجوار: سوريا والاردن ولبنان.
جاء هذا القرار على خلفية صدور قرار محكمة العدل الدولية بتوفير المساعدات الانسانية والسماح لها بالمرور من الجانب الاسرائيلي الى غزة، وتحديا لقرار المحكمة الدولية، ونقضا له، بتسهيل تقديم المساعدات الانسانية ووصولها الى اهالي غزة. حيث ادعت اسرائيل بوجود 12 موظفا من اصل 30 الف موظف يعملون لدى هذه المنظمة الدولية، في حركة حماس اسهموا باعمال 7 اكتوبر. ومع ان التحقيقات لم تنته بخصوص وجود علاقة لهؤلاء ال 12 التي تدعي اسرائيل باشتراكهم، الا ان الاونروا قامت بتحقيقاتها، وقامت بطرد 9 من موظفيها ممن اشتبهت بوجود علاقة لهم مع حركة حماس. لقد عوقبت الاونروا والشعب الفلسطيني، علما ان هنالك فرق لا تخطأه العين بين مشاركة افراد في عملية 7 اكتوبر عن مشاركة المنظمة اي الانروا فيها. فمشاركة افراد في حماس، لايعني بانه تم تأييده من قبل المنظمة.
ان هذه الدول السبع عشر وهي ( الولايات المتحدة، وبريطانيا، واليابان واستراليا، وهولندا، والمانيا، وايطاليا، والنمسا، وغيرها من دول اوربا الشرقية) ، اصدرت عقوبة جماعية وهي تشارك بشكل فعال في عملية القتل الجماعي والتطهير العرقي. لقد ركزت الزيارة الاولى لبلينكن في المنطقة وزيارة اورسولا فوند دير لاين ، رئيسة مفوضية الاتحاد الاوربي، لاقناع قادة المنطقة على قبول الفلسطين كمهاجرين وهي عملية تطهير عرقي واضحة. عندما فشلت هذه العملية وكل محاولات “الهجرة الطوعية” و ” الهجرة الانسانية” الى افريقيا يقومون الان بقطع التمويل لاسباب تافهة جدا وهي عملية تطهير عرقي.
علما، ان القاء نظرة على الانتهاكات والجرائم التي قامت بها قوات عسكرية في مختلف انحاء العالم، لم يترتب عليها عقوبات، من قطع الامدادات والتمويل. فحين قامت القوات الامريكية في اليابان او كوريا الجنوبية باغتصاب امراة او قوات الامم المتحدة في افريقيا بالاعتداء الجنسي على الاطفال لم يتم قطع التمويل لقواتها او قوات حفظ السلام. فلماذا عندما يتعلق الامر باسرائيل، تختلف وتتباين المعايير؟ ان نسبة عالية من قوات الشرطة في كل تلك الدول تشارك في الفساد والجرائم والتجارة بالمخدرات، فلماذا لايقطع التمويل عنها؟ يجدر الاشارة بان الجيش الاسرائيلي وحتى الحكومة الاسرائليلية تعج بالمجرمين الذين تلطخت ايديهم بقتل الابرياء في حين يقوم الغرب بضخ المليارات لتمويل هذا الجيش. ان اي منظمة تشكل من بشر سيكون فيها من ينخرط في الجريمة ولكن لا يتم قطع التمويل عنها. ان من يعمل في الانروا لم ياتوا من كوكب اخر، بل هم فلسطينين يعانون من بطش الاحتلال، فليس بامر غريب ان ينتمي بعضهم الى منظمات يمينية مثل حماس التي تتغذى على جرائم الاحتلال الاسرائيلي.
بهذه العقوبات الجماعية، تظهر اسرائيل، والدول الداعمة لها، كأنها لم تعاقب الشعب الفلسطيني في غزة وللشهر الرابع على التوالي على عمل حماس في يوم 7 اكتوبر عبر القتل المنظم اليومي وعبر الابادة الجماعية التي سقط الالاف من ضحاياها، لتبدأ استراتيجية جديدة لمعاقبة وتجويع شعب باكمله.
وكأن كل تلك الدول السبعة عشر- وتلك التي تنتظر حتى انتهاء نتائج التحقيق- لم تكتف بالقبول باعمال الابادة وبقتل وتيتيم الاطفال وترمل النساء التي سببتها الابادة الجماعية على سكان غزة، حيث فقدت الاسر النازحة، احبائها، وبيوتها وعملها، لتتحول الى مخيمات النزوح تكافح كل ساعة من اجل البقاء في اوضاع البرد والتشرد وقلة الطعام، بل تذهب الى تجفيف مصادر الطعام والدواء التي تقدمها هذه المنظمة الى الفلسطينين في غزة. انهم شركاء في عملية القتل المنظم للفلسطينين في غزة.
بغض النظر عن نتائج التحقيق، فان قرار قطع التمويل عن الاونروا يعني القضاء على المصدر الوحيد والذي يزود اكثر من 1.7 مليون شخص اي اكثر من ثلاثة ارباع الشعب الفلسطيني في غزة، والذين يعيشون في الخيام او في مبان مهجورة في محافظة رفح الجنوبية، بعد ان اضطروا إلى الفرار والنزوح بسبب القصف والقتال في شمال غزة ووسطها. فبدلا من تسهيل وصول المساعدات، نظرا لتدهور الاوضاع وخاصة في فصل الشتاء، وتماشيا مع توصيات مقررات محكمة العدل الدولية، تتم معاقبة شعب باكمله بجريرة عمل افراد.
انها ابادة وحصار اقتصادي في ان واحد.
تملك الولايات المتحدة، ومن لف لفها من الدول الغربية من بريطانيا، والمانيا، وفرنسا، تاريخ حافل بالاجرام الحقيقي عبر فرض الحصار الاقتصادي، وقد شهدنا في العراق نتائج تلك السياسات بمقتل الاطفال والشيوخ والمرضى الذين لم يجدوا العلاج والدواء، والذي ادى الى اكثر الماسي انسانية في العراق.
يصدع الاعلام الغربي ادمغتنا بان هنالك كره للغرب في هذه المنطقة، وهو نتيجة تزمت الاخرين وكرهم لنمط الحياة الغربية وقيم الغرب!. ان كل هذه الادعاءات تجافي الحقيقة، فهذه الكراهية نابعة من الاعمال الاجرامية التي تقوم بها هذه الدول تجاه الابرياء العزل في هذه المنطقة.
ان رياء ونفاق الغرب ليس له حدود. فعندما يقوم الاوكرانيون بالاغتيلات ومهاجمة المدنين والمنشئات المدنية يهلهل لها الغرب، يدعمها ويعتبرها اعمال مشروعة ولكن ان تصدر نفس الاعمال بل حتى المقاومة المسلحة التي تعتبر حق مشروع ضد الاحتلال من افراد فلسطينين هي كافية لفرض المجاعة على شعب باكمله وقتله.
ولكن يجب ان يكون واضحا، لقد خسرت اسرائيل عالميا، ولازالت خساراتها تتوالى سياسيا، حيث الدعم العالمي لحقوق الشعب الفلسطيني، وما قرارات محكمة العدل الدولية المساندة لحقوق الفلسطينين، وان كانت غير كاملة ووافية، الا انها ادانة من قبل هذه المنظمة الدولية لاعمال اسرائيل.
يجب انهاء وحشية دولة اسرائيل، والدفاع عن حقوق الفلسطينين، والتنديد بوقف المساعدات الانسانية او قطع التمويل على منظمة الاونروا من اجل سد الحاجات الملحة للفلسطينيين والتي لا يمكن تأجيلها باي شكل من الاشكال. يجب فضح حكومات هذه الدول على كل هذا النفاق وفرض المجاعة على شعب باكمله اجبر افراده على العيش كلاجئين في مخيمات تفتقد اي ابسط مقومات الحياة. يجب ممارسة الضغط على الانظمة في المنطقة لتعويض الاموال التي قامت الدول الغربية بوقفها من اجل تمكين الاونروا للقيام بوظائفها التي هي حياتية.