حول الهبة الجماهيرية في السودان
12/06/2019
منذ خمسة اشهر وجماهير السودان بمختلف الشرائح الاجتماعية المسحوقة من عمال ومهنيين وكادحين ونساء وشباب خرجوا الى الشوارع مطالبين بالخبز والحرية ومنددين بقمع النظام العسكري الاسلامي الذي يحكم السودان خلال عقود بالحديد والنار. واستطاعت الجماهير المنتفضة اسقاط نظام عمر البشير البغيض والذي يعتبر احد الانظمة الاستبدادية الاسلامية المجرمة في المنطقة العربية ، ذلك الذي وصل الى السلطة عبر انقلاب عسكري عام ١٩٨٩ وبدعم مباشر ومشاركة الاخوان المسلمين. وخلال سنوات حكم نظام البشير العسكري رمي الاف من المعارضين السياسيين في السجون والمعتقلات وفرضت سياسة الافقار ونهب الثروات اسوة باقرانه من الانظمة العربية الفاسدة، واشاع الجوع والعوز بين الجماهير ليكون بذلك اكثر الانظمة فسادا في المنطقة، واطلق العنان للمليشيات والقبائل والعشائر وتم التنكيل بالعمال والنساء وفرضت القوانين الاسلامية عليهم للنيل من حريتهم وحقوقهم وكرامتهم الانسانية.وقد لعب العمال دورا كبيرا في اندلاع شرارة الانتفاضة او الهبة الجماهيرية في منطقة “العبرة” التي تعتبر احدى اكبر القلاع العمالية في السودان من اجل الخبز والحرية لتجتاح بعدها بقية المدن السودانية وينخرط فيها العمال والشباب العاطلين عن العمل و الاف المؤلفة من النسوة وليشكلوا جبهة جماهيرية تصارع عرابي المجلس العسكري وهم من اسلاميي نظام البشير المنهار، حيث لم يشهد اي بلد اجتاحته رياح الثورتين المصرية والتونسية مجابهة جماهيرية كما حدث في السودان.ان نظام البشير العسكري الملتحف بالاسلام والمحمي برجال الدين والاخوان الملسلمين، استمر بالسلطة عن طريق القمع ودعم الانظمة الرجعية العربية واقطاعيات الخليج في المنطقة وقوى دولية مثل روسيا والصين. بيد ان هذا النظام الذي نفذ عمره، قٌدِّمَ قربانا الى الجماهير من قبل المجلس العسكري الذي بدأ يحكم السودان خوفا ورعبا من وصول حريق الهبة الجماهيرية الى المجلس العسكري نفسه. كانت الاطاحة بالبشير ونظامه من قبل العسكر خطوة لتفريغ غضب الجماهير وبعد ذلك للالتفاف على الانتفاضة الجماهيرية كما حدث في مصر وانقلاب السيسي العسكري تحت عنوان انقاذ الثورة. الا ان الجماهير السوادنية لم تنطل عليها اللعبة، ولم تنطل عليها كل اكاذيب ودعايات المجلس العسكري، ولم يستطع برغم كل الدعم الذي قدم له من قبل قلاع الرجعية في المنطقة مثل دولة الامارات والسعودية وقطر وتركيا وايران وكذلك الدعم العسكري والسياسي الذي تقدمه الصين وروسيا ان يلتف على الاحتجاجات الجماهيرية ومطالبها العادلة باقصاء المجلس العسكري عن حياة الجماهير.وليس هذا فحسب، بل ان القوى البرجوازية الاقليمية والدولية في المنطقة، تحاول كل واحدة منها جر الانتفاضة بأشكال مختلفة الى خندقها لتحقيق نفوذها السياسي في السودان، بعد ان اختلت المعادلة السياسية للسلطة، واوشكت على السقوط في اتجاه طرف من اطراف القوى البرجوازية المحلية بأحزابها السياسية التي تريد الحفاظ على كيان الدولة القمعية ومؤسساتها السياسية، كما فعل حزب الامة الذي يتزعمه الصادق المهدي الداعم الاساسي والكبير للمجلس العسكري. وفي الطرف الاخر تقف الجماهير الغاضبة من المجلس العسكري الذي يدير كبريات الشركات الرأسمالية في السودان وحقول النفط وقفوا بصدورهم العارية امام رصاص العسكر ومليشيات الجنجويد الارهابية التي قامت بفض الاعتصام امام القيادة العامة للجيش عن طريق القتل والحرق ورمي الجثث في مياه النيل.اما الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، فيحاولون تحت عناوينهم التقليدية وهي حقوق الانسان والديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة تقويض مكانة المجلس العسكري وسحب البساط من تحت اقدام القوى المنافسة لهم وبالاخص الصين وروسيا.المخاطر التي تتعرض لها الانتفاضة الجماهيرية في السودان:ان العمال والقوى التحررية في السودان وخاصة اليسار والتيار الشيوعي بحاجة ان تعي المسارات السياسية التي تمر بها الانتفاضة الجماهيرية وتعميق مطالبها وتحويلها الى ثورة شاملة تدك اسس النظام القائم في السودان المتمثل بسلطة الراسمال التي يمثلها المجلس العسكري.ان دعوات الغرب والامم المتحدة للحوار بين قوى الحرية والتغيير وبين العسكر ليس من شانها سوى امتصاص نقمة الجماهير وتفريغ مطالبها الثورية من اي محتوى اجتماعي، في حين تحاول الصين وروسيا اضفاء الشرعية على المجلس العسكري تحت عنوان عدم التدخل بالشأن الداخلي وعن طريق تقديم الدعم العسكري والسياسي سواء في اروقة مجلس الامن او على الصعيد الدبلوماسي، بينما تفتح الامارات والسعودية خزائنهما لانقاذ المجلس العسكري من ازمته الاقتصادية في حين تحاول تركيا وقطر انتشال الاخوان المسلمين من المستقنع التي تحاول الجماهير السودانية اغراقها فيه، ومحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه مما تبقى من النفوذ السياسي والاجتماعي للاخوان الذي يعتبر ورقة سياسية للنفوذ القطري والتركي في السودان.ان احدى المخاطر المحدقة بالانتفاضة الجماهيرية هي محاولات القوى الاقليمية والدولية تحويل مسار مطالب الجماهير من اجل الحرية والخبز والسلام الى صراع على السلطة بين القوى البرجوازية المحلية، بين العسكر من جهة وبين حزب الامة وتيارات سياسية داخل قوى الحرية والتغيير وبالتالي الى صراع اقليمي ودولي. ويظل القاسم المشترك بين جميع تلك القوى هو الحفاظ على الدولة القمعية والبوليسية وعلى سلطة الرأسمال وعلى مصالح الشركات المرتبطة بالعسكر والقوى الدولية بالاخص الصين التي لها مصالح حيوية ومشاريع كبيرة في السودان.اما العامل الاخر المحدق بالانتفاضة الجماهيرية في السودان فهو غياب الافق السياسي المستقل للقوى التحررية من العمال والنساء والشباب المنخرطين في الانتفاضة. ان التوهم بالمفاوضات والتوهم بتسليم السلطة للمدنيين واللهاث وراء هذه المطالب التي تعبر عن مطالب جناح من اجنحة البرجوازية المتصارعة على السلطة، والتوهم بالغرب والامم المتحدة التي لا تجيد غير الشجب والادانة لتسويق صورتها في العالم كي تؤمن رواتب ومعاشات موظفيها الطفيليين كي تكون شاهد روز على كل جرائم القوى الدولية الرأسمالية في العالم هو كعب اخيل الانتفاضة.ان انتقال السلطة للمدنيين لن يؤمن شروط توفر الحرية السياسية دون قيد شرط ولن يؤمن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل ولن يؤمن فرص عمل او ضمان بطالة للشباب العاطلين عن العمل ولن يؤمن الخبز والرفاه والعيش اللائق للعمال ومحرومي المجتمع السوداني. ان حصر مطالب الهبة الجماهيرية بتسليم السلطة للمدنيين هو تقويض لها، هو تقديم مطالب الجماهير التحررية قربانا لترسيخ سلطة رأسمالية جديدة في السودان واعادة انتاجها وهذا هو ما تسعى اليه كل القوى البرجوازية العالمية المتكالبة فيما بينها.ان الضمان لتحقيق مطالب الجماهير في السودان هو:
-فصل مطالب العمال والنساء والشباب عن افاق القوى البرجوازية التي تفاوض العسكر، والمضي بافاق مستقلة نحو تحقيق شعار الخبز والحرية والسلام.
-تتنظيم العمال والطلبة والنساء والشباب والمهنيين لانفسهم في مجالس المصانع والمعامل والجامعات والمعاهد والمناطق السكنية والمعيشية ورص الصفوف حول شعارهم الخبز والحرية والسلام. ان التنظيم بهذا الشكل تفوت الفرصة على العسكر بقمع الجماهير.
-التقدم نحو الدخول في الصراع على السلطة وهو اساس اية ثورة اجتماعية جذرية، ان شروط نجاح الثورة في السودان ما زالت غير متوفرة، وان احدى اهم شروط النجاح التقدم نحو السلطة السياسية.ان الاطاحة بنظام البشير هي خطوة في مسار الثورة الا انها لا تضمن الشروط الكافية دون دخول جماهير العمال والمحرومين صوب الصراع على السلطة وانتزاعها من القوى البرجوازية بعسكرها واحزابها (حزب الامة) والاخوان المسلمين…يا ايها العمال والنساء والشباب ومحرومي المجتمع السوداني…احذروا الاعيب القوى الاقليمية والدولية، احذوا الاعيب العسكر وحزب الامة والقوى التي تدور في فلكها، تذكروا تجربة الثورة المصرية والاوهام التي نثرتها القوى الليبرالية واليسار القومي حول الجيش بأنه سور الوطن وحامي الثورة وحامي الشعب. ان الجيش ابدا كان وما يزال جهاز قمعي وجزء من الدولة البرجوازية وحامي للرأسمالية ، انه جهاز فوق مصالح الجماهير المحرومة وانه صمام امان للبرجوازية وفسادها وجرائمها . فلا تتوهموا به.حافظوا على صفكم المستقل، ولا تنخدعوا بالاعيب الجيش والامم المتحدة والغرب، ان عدم قدرتهم على خداعكم اطار صواب العسكر مما دفعهم الى قمع اعتصامكم بالوحشية التي كشفت عن الوجه الحقيقي للمجلس العسكري والجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان.عاشت انتفاضة جماهير السودان من اجل الخبز والحرية والسلام .يسقط حكم العسكر .
الحزب الشيوعي العمالي العراقي
٧ حزيران ٢٠١٩