الجزء الخامس
أصدرت مجموعة العمل الأولى التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اخر تقاريرها في 9 اب2021 ووافقت عليه 195 حكومة عضو في اجتماع افتراضي، وهو التقرير الأول من ثلاثة تقارير التي بمجموعها تؤلف تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2022. ويقدم التقرير تحديثا استنادا على العلوم الفيزيائية المتاحة لتغير المناخ وأسبابه. اما التقرير الثاني الذي ستصدره مجموعة العمل الثانية سيكون حول الاثار المحتملة لتغير المناخ على النظم البيئية والاقتصاديات وصحة الانسان حول العالم وطرق التكيف معه. في حين ان التقرير الثالث الذي ستصدره مجموعة العمل الثالثة سوف يركز على سبل الحد من التغير المناخي. وهذا التقرير هو اخر التقارير التقييمية حول التغير المناخي التي تصدرها هذه الهيئة منذ 1990 حيث صدر التقرير الخامس في عام 2013/ 2014.
ان الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي هيئة للأمم المتحدة لتقييم العلوم حول تغير المناخ وقد أنشأها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في عام 1988 لتزويد السياسيين بتقييمات علمية دورية حول تغير المناخ واثاره والمخاطر التي يشكلها وتقديم استراتيجيات للحد منه والتكيف معه. يقوم في كل تقرير من التقارير الستة مئات العلماء من جميع انحاء العالم بتحليل نتائج الاف الدراسات وخلق اجماع حول اخر المعلومات المتاحة حول تغير المناخ.
ان هذه الهيئة بطبيعتها هي محافظة في تقديراتها وحذرة في اللغة التي تستخدمها، لأنه يتطلب عملها ان يتفق جميع العلماء على التقرير.
ولكن على عكس المعتاد، تستخدم الهيئة في هذا التقرير لغة صريحة وواضحة. ليس في هذا التقرير شيء لا نعرفه، ولكن قام بتوثيق كل ما نعرفه والاتفاق عليه وهو يثير القلق حول مصير البشرية.
باختصار، يقول التقرير، تؤدي غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية بشكل لا لبس فيه الى احترار الغلاف الجوي، والبحر واليابسة ويمكن ملاحظة التغيرات المناخية على جميع مكونات النظام البيئي الرئيسية أي في الغلاف الجوي، المحيطات، والغلاف الجليدي واليابسة والمحيط الحيوي لها. ويقول التقرير ان تغير المناخ هو واسع الانتشار وسريع ومكثف.
وحسب التقرير، يؤدي التغير المناخي بالفعل الى مجموعة من احداث المناخ والطقس المتطرفة مثل الجفاف والحرائق، وموجات الحرارة المتكررة، وهطول الامطار الغزيرة، والفيضانات والاعاصير المدارية والعواصف التي كلها تزداد في وتيرتها وشدتها والمدة التي تستغرقها والتدمير التي تلحقها. ويمكن مشاهدة تأثيرات التغير المناخي في كل منطقة من مناطق العالم. والعديد من التغييرات في النظام المناخي تصبح أكبر في علاقة مباشرة مع زيادة لاحترار العالمي مثل زيادات في تواتر وشدة درجات الحرار القصوى، وموجات الحرارة البحرية وهطول الامطار الغزيرة والجفاف ونسبة الأعاصير المدارية الشديدة، فضلا عن انخفاض الجليد البحري في القطب الشمالي والغطاء الثلجي والتربة الصقيعية دائمة الانجماد. ان حجم ووتيرة التغيرات الاخيرة على النظام المناخي ككل نتيجة نشاط البشر والحالة الحالية للعديد من أوجه النظام المناخي هي غير مسبوقة منذ قرون عديدة الى الاف السنين. وبعض التغيرات المناخية بسبب انبعاثات غازات الدفيئة في الماضي وفي المستقبل -مثل التغيرات التي طرأت على المحيطات والصفائح الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر- لا رجوع عنها على مدى مئات وربما الاف السنين، والكوة المتاحة لعكس بعض التغيرات الاخرى تضيق بسرعة.
بعض الحقائق التي وثقها التقرير.
لقد كان تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي في 2019 اعلى من أي وقت على الأقل في مليونين سنة الماضية وكان تركيز الميثان واكسيد النتروز اعلى من أي وقت على الأقل في 800 ألف سنة الاخيرة. ويستمر تركيز كل غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في الارتفاع وقد وصل المعدل السنوي لتركيز ثاني أوكسيد الكربون في 2019 الى 410 جسيم في المليون، علما ان نسبة 300 جسيم في المليون لم يتم تجاوزها ابدا الى القرن الأخير. وان معدل زيادة تركيز ثاني أوكسيد الكربون قد تسارع.
ان متوسط درجة حرارة السطح العالمية كانت اعلي في الفترة بين 2011 -2020 بمقدار 1.09 درجة مئوية بالمقارنة مع متوسط درجات الحرارة بين عامي 1850- 1900 أي مستويات ما قبل الصناعة مع زيادة اكبر على اليابسة 1.59 بالمقارنة مع المحيط 0.88. وهو معدل ارتفاع لم تشهده الأرض منذ 125 ألف عام. لقد كانت كل من العقود الأربعة الماضية على التوالي أحر من أي عقد سبقه منذ 1850. وقد ارتفعت درجة حرارة السطح العالمية منذ 1970 بشكل أسرع من أي فترة اخرى مدتها خمسين سنة على الأقل في اخر 2000 عام.
ومن المؤكد تقريبا أن اقصى درجات الحرارة (بما في ذلك موجات الحر) أصبحت أكثر تواترا وحدة في معظم المناطق البرية منذ الخمسينات، في حين أصبحت اقصى درجات البرودة (بما في ذلك موجات البرد) أقل تواترا وأقل حدة، مع ثقة عالية في أن تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري هو المحرك الرئيسي لهذه التغيرات.
ازدادت وتيرة وشدة أحداث هطول الأمطار الغزيرة منذ الخمسينات على معظم المناطق اليابسة على الارض التي لها بيانات رصد كافية لتحليل الاتجاهات مع معدل زيادة اسرع منذ الثمانينيات.
ارتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر بمقدار 0.2 متر بين عامي 1901 و2018 مع توسع المحيطات بسبب الاحترار وذوبان الجليد. وكان متوسط معدل ارتفاع مستوى سطح البحر1.3 ملم في العام بين عامي 190 و1971 وارتفع الى 1.9 ملم في العام بين عامي 1971 و2006 وزاد الى 3.7 ملم في العام بين عامي 2006 و 2018. كان التأثير البشري على الأرجح هو المحرك الرئيسي لهذه الزيادات منذ عام 1971. ارتفع متوسط العالمي لمستوى سطح البحر بوتيرة أسرع منذ عام 1900 ، مقارنة بأي قرن سابق على الاقل في آخر 3000 سنة.
وقد ارتفعت درجة حرارة المحيط العالمي على مدى القرن الماضي بوتيرة اسرع منذ 11000 سنة مضت. ان درجة الحموضة في المحيطات وخاصة في العقود الأخيرة غير عادية في المليونين سنة الماضية.
لقد وصل المتوسط السنوي لمنطقة الجليد البحري في القطب الشمالي في الفترة بين 2011-2020، إلى أدنى مستوى له على الاقل منذ عام 1850 وكانت منطقة الجليد البحري في أواخر الصيف في القطب الشمالي أصغر من أي وقت مضى على الاقل في السنوات ال 1000 الماضية. ان الطبيعة العالمية للتراجع الجليدي، مع تراجع جميع الأنهار الجليدية في العالم تقريبا بشكل متزامن، منذ خمسينيات القرن العشرين لم يسبق لها مثيل على الاقل في السنوات ال 2000 الماضية. لقد تقلص مقدار الجليد البحري في القطب الشمالي في كل عقد متتالي منذ عام 1979، مع فقدان 1.07 × 106 كيلومتر مربع من الجليد في العقد. وكان هناك تناقص في التربة الصقعية والثلج والانهار الجليدية و الصفائح الجليدية.
من المحتمل ان تكون النسبة العالمية لحدوث الأعاصير المدارية القوية (فئة 3-5) قد زادت على مدى العقود الأربعة الماضية.
ومن المرجح أن يكون التأثير البشري قد زاد من فرصة وقوع أحداث متطرفة مركبة منذ الخمسينات. ويشمل ذلك زيادة تواتر موجات الحر والجفاف المتزامنة على الصعيد العالمي؛ وزيادة طقس الحرائق في بعض المناطق في كل القارات المأهولة والفيضانات المركبة في بعض المواقع.