دعيَّ ياروسلاف هونكا، النازي الاوكراني، الى البرلمان الكندي في اوتاوا من اجل تكريمه لقتاله ضد الروس. بعد أن تبين إنه كان يقاتل ضمن صفوف قوات كتيبة (اس اس غاليسيا) النازية و الحليفة لقوات هتلر، انتشر الخبر في انحاء العالم عن فضيحة حكومة وبرلمان كندا هذه وحقيقة دعم الحكومة الكندية لأوكرانيا. هذه الفضيحة اجبرت رئيس البرلمان الكندي على الاستقالة، واجبرت رئيس الوزراء الكندي، جستن ترودو على الاعتذار عن دعوة هونكا الى البرلمان وتكريمه. لقد وظفت هذه القضية من زاوية الصراعات والتحالفات العالمية الجديدة والتي هي في طور التكوين، ولخدمة مصالح سياسية مختلفة. كما هو متوقع وظفت روسيا والصين هذا الحدث لتبين كيف ان الغرب لا يغض النظر عن نشاط القوى النازية في أوكرانيا اليوم فحسب، بل يقوم بتسليحها وتكريم قادتها. في المقابل يؤكد الغرب على ضرورة محاربة “البروبغاندا الروسية” وعدم السماح لها باستغلال هذه القضية لتبرير حربها. لقد كانت حجة جستن ترودو والبرلمان الكندي، انهم لم يكونوا على علم بتاريخ هونكا، علما ان اي شخص يدعى الى البرلمان يتم التدقيق في تاريخه وسجله من قبل عدة لجان امنية. كما ان ليس من الصعب معرفة حقيقة ان القوة الوحيدة التي حاربت ضد الاتحاد السوفيتي اثناء الحرب العالمية الثانية في اروبا كانت النازية الهتلرية. ان أي قوة حاربت ضد الاتحاد السوفيتي اثناء الحرب كانت قوة ضد التحالف الغربي وضد كندا أيضا لان الاتحاد السوفيتي والغرب كانوا حلفاء في هذه الحرب. يجدر الإشارة انه شارك اكثر من مليون كندي في الحرب العالمية الثانية وفقد 100 الف عسكري حياته في هذه الحرب في وقت لم يتعدى سكان كندا 11 مليون في حينها. ان دعوة هونكا الى البرلمان كانت إهانة لتضحيات الكنديين في قتالهم ضد النازية قبل أي شخص اخر. ان التظاهر بالغباء من قبل رئيس الوزراء والبرلمان كان مثير للسخرية.
لكن حقيقة وجوهر هذه القضية (فضيحة هونكا) هي في مكان اخر. فمن منظور الطبقة العاملة العالمية والجماهير الكادحة والمحرومة انها تكشف اين يتجه العالم الرأسمالي المعاصر وتكشف شدة صراعاته وتناقضاته ودرجة عفونته. ان بروز النازية والفاشية في أوائل القرن العشرين لم يكن منفصلا عن النظام السياسي البرجوازي، وانما كان ظهورها نتيجة التناقضات والأزمات العميقة والصراعات السياسية والاقتصادية الداخلية للنظام الرأسمالي من اجل تقسيم العالم فيما بينهم والاستحواذ على ثروات الأمم الاخرى…..
وان النازية والفاشية كانت احدى البدائل لهذا التقسيم واللصوصية لنهب ثروات العالم امام البدائل البرجوازية الأخرى، مثل رأسمالية الدولة للاتحاد السوفيتي اوالليبرالية الغربية. والنتيجة كانت هزيمة البديل النازي والفاشي أمام البدائل الأخرى للطبقة البرجوازية. ان المانيا النازية كانت تبحث عن مصالحها ومكانتها اثناء الازمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية والتي بدأت أواخر العشرينات من القرن الماضي بدا من أوروبا وانتهاء بأمريكا الشمالية والجنوبية. كان لبريطانيا وامريكا دور رئيسي في صعود النازية لمواجهة القوة الاقتصادية العملاقة للاتحاد السوفياتي. وبعد صعود النازية في المانيا وغدت قوة صناعية وعسكرية قوية، أدى هذا التنامي، بطبيعة الحال الى بحثها ومحاولتها الاستحواذ على المواد الأولية في بلدان أخرى لتلبية حاجات صناعتها النامية. اعتمدت، في البداية الوسائل السياسية في إدارة صراعاتها، ولكن بعد اخفاق هذه الوسائل، اتجهت نحو الحرب والقتال مع باقي الدول من اجل تحقيق أهدافها. لم تكن النازية، في أي يوم من الأيام محل انتقاد الطبقة البرجوازية، الى ان بادرت بفرض سياساتها بقوة السلاح وآلتها العسكرية. بعد هزيمة النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية امام التحالف البريطاني-الامريكي -الفرنسي -السوفيتي، قُسمت المانيا وقسمت اوروبا بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية بقيادة امريكا.
واليوم روح الفاشية والنازية تنعش في انحاء العالم، ولكن بمظهر وغطاء اخر وخاصة في الغرب نفسه (المناهض السابق للنازية) ولنفس الاسباب؛ أي الاستحواذ على ثروات العالم. انظروا ماذا فعل الغرب بقيادة امريكا في العراق وليبيا وسورية ويوغسلافيا السابقة وأفغانستان واليمن .
كما ان قتل ومحاربة كل ما هو روسي وحرمان الشعب الروسي من التنقل والتبادل الاقتصادي ونشر الكراهية ضد كل من يتحدث باللغة الروسية وعليه ان يدفع الناطق بالروسية ثمن سياسات بوتين ونظامه الدموي هو بحد ذاته اكبر نازية على الاطلاق…ان ديكتاتورية بايدن وماكرون وشولتز و زيلينسكي وغيرهم ليست اقل من ديكتاتورية بوتين.
ان ممارسات فرنسا وبريطانيا وامريكا في افريقيا وفي أوروبا الشرقية واسيا وأمريكا اللاتينية هي نفس ممارسات روسيا في أوكرانيا وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق. أحدهم ليس أكثر نزاهة عن الآخر، في خضم الصراعات المحتدمة بينهم.
ان فضيحة هونكا في البرلمان الكندي كادت تمر بهدوء، لخدمة نظام زيلينسكي في أوكرانيا، اذا لم تكن يقظة الاعلام البديل والفعالين في العالم المناهض للنازية. لدى الحكومة الكندية سجل معروف في استقبال النازيين والفاشيين حتى من المتورطين في جرائم ضد الإنسانية اثناء الحرب العالمية الثانية ومن الذين عارضوا النظام السوفياتي بعد الحرب و تستخدم من بقى من تلك الشخصيات واتباعهم وحتى ذلك التاريخ خدمة لمصالحها الانية. لقد حاولت استخدام ياروسلاف هونكا بالضد من روسيا وطموحاتها، كما تستخدم المعارضين الصينيين بالضد من الصين ونظامها…
يجب ان ننظر الى هونكا وغيره من النازييم من زاوية الانسان المعاصر المناهض للنظام الرأسمالي والبرجوازي برمته، ايا كانت تسمية النظام، النازية او الفاشية او الريغانية والتاتشرية والترامبية والبايدنية وألى أخره.
هونكا والنازية مثل القاعدة وداعش وحركة الشباب وبوكو حرام والحركات الفاشية في الغرب هي أدوات تستخدمها البرجوازية في خدمة مصالحها.
عالم اليوم على اعتاب تطورات سياسية واقتصادية وجغرافية كبيرة، وعلى اعتاب تشكل اقطاب متعددة، ونتائج الصراعات بينها قد تطغى على مستقبل الأجيال القادمة اذا لم توقف عند حدها واذا لم تقلب البشرية الطاولة على قادتها بما فيهم النازيين الجدد. لا يقتصر خطر هذه الأوضاع على الغرب وانما يمتد الى كل مكان ليصل الى القرى النائية في الجزر الصغيرة وسط المحيطات، لان الرأسمالية ومصالحها متداخلة عالميا الى حد بعيد…
ان الانتظار الى ان يصل الخطر إلينا موقف خاطئ تماما، اذ حان الوقت للتعاون والتضامن للوقوف ضد النازية والفاشية في كل مكان و ضد كل التحديات التي تخلقها البرجوازية الساعية الى خدمة مصالحها.
ان الحرب الروسية الاوكرانية هي صراع بين اللصوص العالمية على ارض أوكرانيا بين روسيا والصين من جهة والغرب بقيادة امريكا من جهة اخرى. احدى نتائج هذه الحرب هي نمو اليمين البرجوازي في أوروبا وتقوية القومية الفاشية المناهضة للهجرة وللحريات وللحقوق العالمية للإنسان ولحقوق الاقليات والمناهضة للاشتراكية والشيوعية وحقوق الطبقة العاملة.
اذا اتسمت أجواء القرن العشرين بالحقوق والحريات والتحرر، فان بوادر القرن الحالي هو تجريد الجماهير والمجتمع من كل هذه المكتسبات التي حققت من خلال قرون من النضال…
تشخيص تحديات مرحلتنا بدقة، والتصدي لها هي ضرورة حياتية بالنسبة للطبقة العاملة والجماهير المحرومة