البيت الطائفي السياسي الشيعي يعيش أحلك أيامه. فكل الأهازيج وإطلاق أبواق الفرح بُعيد انتصاراته على داعش والتبجيل والتقديس لميليشياته التي تجمعت تحت مظلة الحشد الشعبي، والتغول سياسيا ودعائيا في انتخابات أيار ٢٠١٨، كلها تحطمت على صخرة انتفاضة أكتوبر، وها هو يلملم اشلائه ويعد خسائره ويحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه بعد انتخابات تشرين الاول عام ٢٠٢١.
أربعون مليون انسان اسير حفنة من الطفيليين و اللصوص والسراق، وقسما منهم قتلة ومجرمين محترفين وأياديهم ملطخة بدماء المئات الذي سقطوا في انتفاضة اكتوبر برصاص قناصيهم وكواتمهم و سكاكينهم. وفي كل ازمة سياسية تشتد مدياتها وتهز سلطتهم، يشعلون أما حربا اهلية او حربا على كل من يعارضهم باسم الحرب على الارهاب، او يقومون بتحضير الأرواح في اروقة المخابرات الايرانية والغربية والتركية كي تجدد إنتاج وجودهم غير الشرعي وتحت عنوان الحرب على داعش، وعندما تلفظهم الجماهير في انتفاضة عارمة وترفع شعار (كلهم يعني كلهم) يرفع قسم منهم لواء (المقاومة والممانعة) والآخر يرفع شعار (الاصلاح) تارة ومرة الدفاع عن (الوطن) وعندما تضيق الأمور به يرفع شعار الدفاع عن (الاسلام) وعن (الطائفة) .وهنا لا بد القول في شعار الجناح الاول في البيت الشيعي اي (المالكي-العامري-الفياض-الخزعلي) وهو محور المقاومة والممانعة أنهم على حق، فهم من الناحية العملية والفعلية يقاومون (المقاومة) انتفاضة الجماهير برفضهم ورفض الانتخابات وكل العملية السياسية، ويمتنعون (الممانعة) من الرحيل عبر عمليات القتل والاغتيالات والاختطاف. اي بعبارة اخرى فالمقاومة هي مقاومة الجماهير، والممانعة هي الامتناع بالرحيل عن السلطة.
التكالب على تشكيل الحكومة بين أطراف العملية السياسية وخاصة بين أعلام وعتاة الطائفيين في البيت الشيعي، هو تكالب على الامتيازات والنفوذ، وهو التكالب على ضمان مستقبل كل طرف. بيد ان ذلك التكالب يجري تحت عناوين وشعارات مظلة كاذبة وخادعة. فتحت عنوان (الأغلبية) يبغي الصدر من تصفية معارضيه عبر قضم الامتيازات والنفوذ السياسي لمنافسيه، والاهم من كل ذلك خلع انيابه عن طريق احتواء او حل او كما قال مؤخرا الصدر اعادة تنظيم مليشيات الحشد الشعبي، في حين يدرك الطرف الآخر من جناح المالكي-العامري-الفياض و جناحهم المسلح الحشد الشعبي من خطورة المؤامرة التي حيكت ضدهم وحيث تم استدراجهم للانتخابات لقص أجنحتهم وترويضهم لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق والمنطقة. لقد بلعوا الطعم بدراية ووعي لان انتفاضة أكتوبر قطعت الطريق أمامهم. ولذلك نؤكد من جديد لا استراتيجية أمام هذا الجناح الذي يلعق جراحه غير خلق الفوضى الامنية. وعليه لا يحتاج الى الكثير من العناء كي نعرف ما سر تزايد معدل نشاط عصابات داعش وجرائمها في عدة مناطق من العراق بعد سحقه في الموصل والرقة. وبين هذا وذاك، ولا بصيص أمل بتراجع الثالوث القومي-الاسلامي الجديد ( الصدر-الحلبوسي-البرزاني) بالمضي قدما بقص أجنحة الاصحاب الاصلاء في البيت الشيعي، فتجديد الوجود والهوية هو استهداف مطارات اربيل او بغداد، وكل ذلك للحيلولة من أجل تعديل ميزان القوى قليلا لانتزاع بعض التنازلات والحفاظ على بقائه السياسي وامتيازاته.
أما الإصلاح الذي يتحدث عنه الصدر هو إصلاح المناصب الحكومية والاستحواذ على نصيب الأسد من الحكومة والمناصب الخاصة وتقليم أظافر المؤسسة الأمنية التي يسيطر عليها الجناح المنافس. بمعنى اخر ان اصلاح الصدر ليس له اية علاقة بإعادة قيمة العملة المحلية وزيادة المعاشات والرواتب وتوظيف العاطلين عن العمل واعادة الطبابة المجانية والضمان الصحي والوهج للتعليم في المدارس الحكومية، وإيقاف توزيع الرشاوى والهبات من الموازنات السنوية على المؤسسة الدينية مثل الوقف الشيعي والسني…الخ. في حين تعني شعاره عدم التبعية، هو تحريك المشاعر المعادية لجماهير العراق لسلطة الإسلام السياسي الشيعي المدعوم من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران، وقد عبرت عنها خلال انتفاضة أكتوبر بحرق صور كل رموز الجمهورية الاسلامية الايرانية وحرق مقرات الأحزاب الإسلامية في مدن جنوب العراق، وبالتالي محاولة للتلويح التهديد بالشارع اذا ما لم يرضخ تحالف فتح-المالكي-الفياض لشروط مقتدى الصدر.
اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني ومحمد الكوثراني مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني، فشلا فشلاً ذريعا في العراق اثناء زيارتهما الاخيرة كمحاولة لرأب الصدع في البيت الشيعي، ولأول مرة يشعر ملالي ايران انهم يخسرون نفوذهم في العراق، وان المشاعر الطائفية الكاذبة التي ضخوا لها كل أشكال السموم والأموال والمأجورين عشية غزو واحتلال العراق وبدعم السياسات الأمريكية التي قسمت العراق سياسيا الى البيوت النتنة الممتلئة بخيوط العنكبوت من الشيعي والسني والكردي تتبدد أمام فسادهم ونهبهم واجرامهم وبالتالي صراعهم على السلطة. واليوم ليس أمام البيت الشيعي المتهرئ أما هدمه و تحويل مكانه الى متحف تذكر الأجيال القادمة بالجرائم التي حيكت ضد الأغلبية المطلقة لجماهير العراق؛ بدأ بإضفاء الشرعية على غزو واحتلال العراق ومرورا بالحرب الاهلية الطائفية عام ٢٠٠٦ ثم التمهيد لسيناريو داعش واستغلاله للتغول السياسي وترسيخ سلطة المليشيات وانتهاء بأعمال القتل التي ارتكبت ضد نشطاء وفعالي انتفاضة اكتوبر. أو محوه بالكامل وتكليف عدد من اقلامهم المأجورة بإعادة كتابة تاريخ ذلك البيت مثلما أسلافهم بتزوير كل التاريخ الاسلامي، ومحو سنوات اجرامهم والبدء من تاريخ رفع شعار المقاومة والممانعة خلال أيام انتفاضة أكتوبر وقصفهم للمنطقة الخضراء.
حكومة الاغلبية والإصلاح وعدم التبعية هي عناوين تنافس شعارات الجناح الآخر في البيت الشيعي وهو المقاومة والممانعة، و عناوين او شعارات كلا الطرفين يبغي من ورائها استهداف جيوب العمال والموظفين والمتقاعدين والعاطلين عن العمل، وعندما يغضب الأخير من الأول، فإشعال الفوضى الأمنية هو استراتيجيتهم. وليس هذا فحسب بل إن كلا الجناحين ليس لديهم اية اجندة اقتصادية واجتماعية في العراق سوى أنهم امتداد لداعميهم من الدول الإقليمية والامبريالية العالمية.
ليس في جعبتها شيئا يقدمونه إلى المجتمع غير تلك الشعارات، وإذا لم تسنح الفرصة لانتفاضة أكتوبر بكنسهم، فهناك انتفاضة أخرى تنتظرهم، فأكثر من ٨٢٪ من العراقيين قالوا كلمتهم في انتخابات ٢٠٢١.