الأخبارالمقالات
أخر الأخبار

سوريا: حل أمني أم سياسي؟

محسن كريم

أحداث السويداء لم تكن مجرد مواجهة بين فئتين اجتماعيتين -دينيتين من الشعب السوري، بل كانت نتيجة مباشرة لسيطرة الإرهاب الإسلامي السني في سوريا، في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد. على غرار الهجمات على العلويين واعلان النفير العام من المساجد تحت ذريعة “تطهير” بقايا النظام وإبادتهم من قبل القوات الإسلامية المسلحة التابعة للشرع، أعلن مسلحو الشرع باسم “قبائل البدويين” حربًا ضد الدروز، وارتكبوا نفس الجرائم بحق المواطنين المدنيين الدروز التي ارتكبوها ضد العلويين، أمام أنظار العالم. ولم يتحرك أحد، باستثناء بعض التصريحات الخجولة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وبعض الدول التي تضررت مصالحها من أحداث سوريا!

ليس النظام الجديد في سوريا حكومة أو سلطة قادرة على معالجة الوضع السياسي الحالي. إنه مجموعة مسلحة إرهابية إسلامية خرجت من عباءة التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة، حيث جذبت مئات المسلحين الإسلاميين من أطراف العالم ليكونوا جزءًا من هيكلها التنظيمي والعسكري. تم تجهيزهم بدعم من دول المنطقة، وبمساعدة الأسلحة والدعم اللوجستي التركي وأموال قطر، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي، لمواجهة نظام بشار الأسد. وقد سُلّمت سلطة سوريا لهم على طبق من ذهب، وهم لا يستطيعون إلا خدمة الأجندات السياسية والأمنية للدول التي أوصلتهم إلى سدة الحكم.
ولكن الموقع الجغرافي والوضع السياسي والأمني في سوريا ليس بالسهولة التي تتيح لأحمد الشرع وأسياده القيام بذلك اي تنفيذ هذه الاجندات! ان اللاعبين في المشهد السياسي والأمني السوري متعددون، ومصالحهم متنوعة بل ومتناقضة. وإن كان دور إيران وروسيا قد ضعف إلى حد كبير، إلا أن قوتين إقليميتين، تركيا وإسرائيل، منشغلان بالتنافس على جثة سوريا ما بعد الأسد. لا تريد اسرائيل أن تكون تركيا هي صاحبة القرار الرئيسي في الوضع السياسي والأمني لسوريا، خاصةً أن نظام أحمد الشرع يتصرف كخادم مخلص للدولة التركية. تريد إسرائيل أن يكون النظام السياسي في سوريا كما تريده هي، وأن تجمع المكاسب ما بعد أحداث 7 أكتوبر وسقوط نظام بشار الأسد لصالحها. ان فتح باب المساعدات الأمريكية لحكومة الشرع الإسلامية الداعشية كان يهدف إلى انتزاع سوريا بالكامل من أحضان روسيا وإيران، وفي نفس الوقت فرض اتفاق سلام (اتفاقية إبراهيم) عليها وفق شروط إسرائيل.
من ناحية أخرى، فإن طبيعة المجتمع السوري لا تسمح بحكم إسلامي داعشي وجهادي أن يدير البلاد أو يكون بامكانه الاستجابة لتطلعاتهم. ان المجتمع السوري، رغم تنوعه القومي والطائفي والديني، هو مجتمع مدني منفتح، ورغم عقود من القمع والاستبداد تحت حكم البعث وحافظ الأسد وابنه، إلا أنهم يتطلعون إلى حياة مستقبلية حرة وعادلة. يتطلعون إلى مستقبل سياسي يُعامل فيه جميع المواطنين السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الدينية أو الوطنية، كمواطنين أحرار ومتساوين أمام الدولة. دولة لا يكون لها هوية دينية أو طائفية أو قومية.
ان أحداث الساحل السوري الغربي ومجازر العلويين، والآن هجمات السويداء والقتل الجماعي للدروز، تُظهر بوضوح أن مشكلة سوريا ليست أمنية، كما يحاول نظام الشرع وأمريكا وأوروبا وتركيا ودول أخرى تصويرها، بل هي مشكلة سياسية عميقة وخطيرة. وإذا تم التعامل معها كقضية أمنية فقط، فستواجه المجتمع السوري كارثة مميتة. بالإضافة إلى قضية العلويين والدروز ومكانتهم كمواطنين أصحاب حقوق في الدولة السورية – وهي قضية ليست ثانوية – فإن قضية الكرد ومصير قوات “قسد” إذا عولجت كمسألة أمنية، قد تؤدي إلى كارثة. ان الحكومة الحالية الحاكمة غير مؤهلة لمعالجة هذه القضايا بطريقة سياسية عادلة. لذا، فإن استمرار الوضع السياسي والأمني والاجتماعي في سوريا بهذا الشكل سيؤدي إلى مزيد من التفكك ويفتح الباب أمام حرب أهلية جديدة ضد الجماهير في سوريا، التي تبحث بعد أكثر من خمسة عقود من القمع والسجن والجوع والفقر… عن الحرية والرفاهية والسلام.
لا تحتاج سوريا إلى حكومة الشرع وأمثاله، بل تحتاج إلى نظام سياسي يقوم على فصل الدين عن الدولة، وإلغاء الهوية العربية للدولة والوطن، وتبني مفهوم المواطنة المتساوية، وضمان الحريات السياسية، وحرية الفكر، وحرية التدين أو عدمه، والرفاهية والخدمات الاجتماعية، والمساواة بين المرأة والرجل في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية… الجماهير السورية تستحق نظامًا سياسيًا ودولة من هذا القبيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى