شكرا لكم “لطفكم”، ولكن لتكف اياديكم عن النساء!
“لك الحق في أن تضرب زوجتك. ولكن في حالة واحدة، يعني في حالة واحدة. وحتى لو وجدتها تخونك في وسط بيتك، ليس لك حق ضربها. … يحق لك ضرب زوجتك اذا طلبت منها ممارسة الجنس وهي رفضت. وبعدها نصحتها، ولم تقتنع. وهجرتها، ولم يفد. هنا تستطيع ضربها ولكن بشرطين وبدون قصد الانتقام: وأن لا تترك أثرا في مكان الضرب، والثاني اذا كان الضرب يمكن ان يغيّر سلوكها …. والا فلا داعي للضرب”
أعلاه هو حديث فيديوي لشاب من الممكن أن يكون في أواخر العشرينات من العمر ترتسم على كل ملامحه المدنية من حيث الملبس والهيئة بحيث لا تظن ان مثل هذا الحديث لمثل هكذا شاب. عرض حديثه بزهو وثقة باديين مع قليل من الجهامة الذكورية وكانه يعرض منجزاً للشباب والبشرية!
العنف الجسدي ليس الشكل الوحيد للعنف!
بدءاً، نشكر “لطف” صاحب الفتوى الشاب الحريص على أن لا يكون الضرب “عنيفاً” وأن يكون من “الخفة” بحيث “لا يترك أثراً”. أنه يعتقد ان “لا يترك اثر” هو أمر كافٍ لنيل المقبولية والمشروعية.
من الواضح مدى ضيق أفق صاحبنا، الذي هو ضيق أفق حركة وتقليد ذكوري أكثر مما هو ضيق أفق شخصي، بحيث يتصور ان “العنف الجسدي” هو العنف الوحيد في هذا العالم. ان الامر لا يستدعي قراءة كتب علم اجتماع او علم نفس او الحقوق، بل فقط ان يلقي المرء نظرة عابرة على حياة الانسان عموماً والنساء خصوصا، ناهيك عن العراق، حتى يدرك ان العنف المعنوي و”عنف لغة الجسد” هو ليس باقل ايلاماً للمرأة والانسان، إن لم يكن أعظم في أحيان كثيرة. الازدراء والاهانة والنبذ والتوبيخ والتنمر والاستصغار والاحتقار وغيرها من اشكال العنف “المعنوي”، وهو اقل ما تواجهه المرأة في أوضاع مثل هذه، وليست باقل إيذاءً وايلاماً.
ان لم يبلغ المجتمع البشري قبل اكثر من 1400 عام من التطور العلمي والقيمي والانساني بحيث يكون للغة الجسد والعنف المعنوي مكان في تلك المجتمعات وليس هناك ثمة اعتراض أو نقد جاد لهذه المسألة آنذاك، ليس لدينا شيئا نقوله او “انتقاد اخلاقي” بحق ذلك الامر وذلك المجتمع. بيد اننا نعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين، قرن التطور العلمي والتكنولوجي والمفاهيمي والقيمي والانساني الهائل، وهذا بحد ذاته يجعل من غير المناسب اطلاقاً، والمتخلف الحديث بتلك اللغة ومفاهيمها البالية.
ان كان “بلال الحبشي” و”ابو لهب” عاشا في عصر غير عصرنا، عصر العبيد والبادية وجلافة البادية و قساوة الصحراء و”أكل الالهة التمرية” وغياب العلم والمدنية والتقدم، فلماذا يردد صاحبنا مقولات عصرهم وهو في عصر الانترنيت وتويتر والتيكتوك وعالمية وكونية حقوق الانسان وقيم المساواة والحرية واندغام العالم وتحوله الى قرية فعلا؟! ما مصلحته في تلك القيم المتهافتة؟! ما الذي أغراه فيها؟! ما “الخير” الذي وجده فيها؟!
من الجدير بالذكر ان حتى هذا “اللطف” والضرب “الخفيف” لم يأتي الا جراء الضغط الانساني العالمي على تلك العبارات التي تتحدث عن “اضربوهن” بوصفه امر معادي لإنسانية الانسان. انه جراء ضغط وافلات الراس من مازق تعامل الاسلام مع المرأة وتبيض وجه الاسلام وادامة عمره.
ان سؤالاً يطرح نفسه هنا من أين أتى بمثل هذا الحكم؟! من الذي خوّله أو خوّل غيره للإتيان بمثل هذه “الفتوى”. من الذي أجاز لهم ان يقرروا “ما ينبغي القيام به” او “ما لا ينبغي” في موضوع يتعلق بأثنين حرين ومستقلين، بأمر شخصي بحت لاثنين! أمراً يتعلق بإحساسهم ومشاعرهم الخاصة والصرفة، مشاعر لا تتعلق بأي طرف اخر، وبأية قوانين وتقاليد واعراف اخرى ما عدا الاحترام التام للطرف المقابل ولجسده! من أين أتوا بهذا الحق وهذه الصلاحية؟! ان هذا معروفاً هي تقاليد مرحلة العبودية والتفوق الذكوري لما قبل مئات الاعوام. وهل يدرك هؤلاء معاناة المرأة وجرح كرامتها من مرارة هذه المفاهيم المغرقة بالتخلف.
“حاجة الرجل الجنسية” خط أحمر!
ثمة سؤالاً اخراً يطرح هنا: ما هو هذا الخط الاحمر للرجال بحيث انهم على استعداد للتغاضي عن كل شيء الا موضوعة غريزة الرجل و”جنس الرجل” بحيث انه على استعداد للتغاضي عن رؤية امراته في الفراش مع شخص اخر دون ان “يضربها” (وهو الشيء الصحيح، وقصدي فيما يتعلق بالضرب وليس مسالة ان يتغاضى او لا يتغاضى، فهذا أمره الشخصي) ولكن لا يقبل منها اطلاقا رفض دعوته لها لـ”فراش الزوجية”؟1 ما الذي يجعل الحاجة الجنسية للرجل هي خط احمر بحيث تصاغ كل هذه “النظريات-الفتاوى” من أجل ذلك، والادهى من هذا يتفنن اخوته الاكبر من شيوخ ورجالات دين بإصدار فتاوي تعليق النساء من أثدائهن “يوم الحساب” (ياللسادية!!) لرفضهن طاعة حاجة الزوج أو جراء اغضاب زوجهن او “نام زوجهن وهو غاضب” جرائها؟! انه لا يتعدى الحقوق الذكورية والمنظومة الذكورية.
ولكن لو قلبنا المعادلة، اي لو وجهنا السؤال لهذا الشاب “المفتي”: ماذا لو كان الامر على العكس؟! اي ماذا لو رفض الرجل، لأي مبرر كان، (وهو من حقه الطبيعي دون شك بوصفه مثلها طرفاً حراً!) طلب زوجته وتلبية حاجتها ورغبتها؟! هل يحق لها ان تضربه حتى ولو كان “ضرباً خفيفا”؟! لا يتحدثون عن هذا، لسبب بسيط ان حاجات المرأة غير واردة في مثل هذا التقليد الاسلامي. فالمرأة هي وعاء لتلبية حاجات الرجل والسهر على حاجات الرجل، لا اكثر! والدليل على كلامي هو تلال من الصفحات وعشرات الالاف من الخطب حول وعود الجنة بعشرات الالاف من الحوريات والغلمان و…. وليس هناك كلمة واحدة تجيب على ما للمرأة في الجنة؟!
ما بين الفرح والاغتصاب…. عالم!
من جهة أخرى، الجنس، سواءً أكان داخل المؤسسة الزوجية او خارجها، مبني على الحب والمشاعر والاحترام والفرح و…. الخ. كيف لك ان تضرب أمرأه وتنام معها؟! افكرت قليلاً بمشاعرها واحساسها في تلك اللحظات المفترض ان تكون لحظات فرح وجمال وسعادة؟! هذا الموضوع غائب لسبب بسيط ان موضوعة الجنس، مثلما ذكرت، وفق هذا التقليد الاسلامي هي موضوعة الرجل واستمتاع الرجل فقط! عليها ان تلبي حاجاته مهما كان وضعها. أكانت متعبة، مرهقة من كثرة العمل المنزلي، “تعب مستلزمات الاطفال”، او متعكرة المزاج، لديها مشاكل نفسية او صحية، ليس لها رغبة والخ كلها “مبررات” غير كافية لدى ذلك المتغطرس جراء ذكوريته. لا تجبر المرأة على شيء لا ترغبه!!
العلاقة ما بين الجنسين هي علاقة حرة وواعية. يدخلها الطرفان بصورة حرة ومتساوية، لا أفضلية لأحد على أحد ولا رغبة أحد تعلوا على الاخر، وليس لأحد منهم حق اضافي على الآخر. يدخلوها برضاهم المشترك التام. وقاعدتها هي الطلب وحق الاخر في القبول أو الرفض. ويمنع اطلاقا ممارسة اي من اشكال الضغط المادي والمعنوي. اساسها الطلب مرة واحدة (فتكرار الطلب والالحاح عليه حتى وان كان بشكل “لطيف” يعني درجة من ممارسة ضغط)، وان يكن ضغط “ناعم”، الا انه ضغط! وعلى اختلاف اشكال الضغوط “الناعمة” و”اللطيفة” منها مرفوض مطلقاً. وكل أمر مخالف ذلك يعد اغتصاب، وفي حالة الزواج، من الناحية القانونية والواقعية والاجتماعية، هو “اغتصاب الزوجية”، يُحاسب عليه المرء بصورة جدية. حتى في حالة قرر احد الطرفان ايقاف العملية لأي سبب كان، حتى ولو كانا في منتصفها، على الاخر ان يوقفها فوراً!! الجنس علاقة مشتركة وبدئها وانهائها مرهون بالقرار المشترك الحر والواعي للطرفين. ان هذه ابسط مستلزمات صلة سليمة مبنية على الاحترام والانسانية والاحساس بالطرف الاخر. فكلما احترمت مشاعر المرأة، كبرت في عينها. ومن لا يهمه ان يكبر في عينها الا ذاك الذي لا يراها انسانا مثله اساسا، انسانا من الدرجة الاولى!
ان احترام شعور ورغبة المرأة وقرارها هو ابسط مقومات صلة حرة وانسانية بين البشر. كما ان ازاحة مثل تلك القيم الذكورية والدينية هي اول خطوات تحرر المجتمع وتحقق حرية المرأة.