شيوعية الاقتدار السياسي لمنصور حكمت:
بمناسبة أسبوع منصور حكمت (٤-١١) لهذا العام ننشر جزء من موضوع ( حقانية منصور حكمت في رواية ماركس عن الشيوعية)
اليوم وفي هذا المناسبة نستغل فرصة بشن هجوم على الأفكار والتصورات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة التي ما زالت سائدة في تفسيرها لماركس، وهي بحق تقف عائقا فكريا ويجثم كالكابوس على ادمغة الطبقة العاملة.
ان الهجوم على منصور حكمت وعلى التحزب والتقاليد الحزبية والشيوعية العمالية كمنظومة حزبية يكمن بانتهاك حكمت للمقدسات التي أرسيت من قبل اليسار بشكل عام ومنذ هزيمة طبقتنا بعد ثورة أكتوبر على يد التيار القومي الروسي بقيادة ستالين، نقول ذلك الانتهاك يكمن بنفض الغبار وإعادة البريق لماركس والشيوعية والثورة العمالية. لقد حاولت البرجوازية وبكل تياراتها السياسية بتغيير رواية ماركس عن الشيوعية كما اشرنا الى روايات مختلفة.
إن مجمل النضال الشيوعي في الميادين الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تحدثنا عنها، يعبر عنها منصور حكمت ويربطها عبر دينامية متسقة؛ بين الممارسة الاجتماعية اليومية للشيوعية وبين التحزب وهو واحد من أساس كل الصرح الفكري والفلسفي والسياسي الذي يستند عليه ماركس. ان الشيوعية وانهاء كل مآسي البشر من الفقر والحروب والاوبئة والإتجار بالبشر، واللامساواة الجنسية والعرقية والقومية وبيع الأعضاء البشرية…الخ لن تحدث دون التدخل الواعي للإنسان، وهذا الإنسان لا ينظر اليه بشكل كفرد وبشكل المجرد مثل سوبرمان من صنع استوديوهات هولويود، هذا الفرد لن يهبط من السماء، ولا هو المسيح الذي يبعث حيا او مهدي المنتظر الذي ينتظر خراب الدنيا كي يظهر لنا كمنقذ، انه الانسان الذي يبيع قوت عمله بشكل يومي كي يستطيع ان يحيا و تحيا معه عائلته ويتحول في الاقتصاد السياسي الذي تحدث عنه ماركس في مجلداته (رأس المال) الى طبقة منتجة لكنها مستغلة من قبل حفنة من الرأسماليين. وكما بين ماركس كلما زادت الأرباح التي تنتجها الطبقة العاملة كلما ازداد فقرها وشقائها. اي أن انهاء كل تلك المآسي لا يمكن لها دون تدخل للطبقة العاملة وتيارها الواعي و المتحزب وهو التيار الشيوعي.
لا يمكن الفصل بين العنصر الحزبي والعنصر الممارساتي العملي للشيوعية في أسس البنية الفكرية لمنصور حكمت. وهنا كعب أخيل هذا التفسير المعادي او المغاير والمفبرك لرواية ماركس للشيوعية، اي اولئك الذي يعزون التغيير في المجتمع اما ترحيله الى زمن اخر بحجة عدم نضوج الظروف الموضوعية او ربطه باليات العمل السياسي للبرجوازية مثل صناديق الانتخابات وتدخل الأمم المتحدة وأمريكا…الخ.
إن رواية الهجوم على التحزب والحزبية بحجة حرية الفرد وممارسة النقد الديمقراطي، وتفسير الشيوعية على أنها رواية المضطهدين لوصف أوضاعهم بعيدا عن أسس النظام الرأسمالي، والقفز هنا وهناك للتعبير عن اقسام اجتماعية مختلفة ومطالبها سواء كانت ديمقراطية او قومية او معادية للإمبريالية، رواية كل شيء كما يقول منصور حكمت في نفس الندوة إلا أنها ليست رواية ماركس للشيوعية والطبقة العاملة التي هي وحدة مترابطة كرزمة متكاملة لا يمكن الفصل بينها.
ان الإرادوية التي يتحدث عنها منصور حكمت والتي يجب ان تكون جزء من منظومتنا العملية ونهجنا للشيوعية هي تفسير ماركس في نقده لمادية فيورباخ، وهي العنصر الواعي بالتغيير. ان هذا هو صلب المنهجية الثورية للشيوعية العمالية، لشيوعية منصور حكمت التي رواها ماركس للشيوعية.
اي بعبارة اخرى ان الشيوعية اذا أُريد لها الحظ، وان تحظى بمكانة سياسية واعتبار اجتماعي ويكون جزء من خيارات المجتمع، عليها في اغتنام الفرصة او خلق الفرصة نحو الاقتدار السياسي.
وبعكس التيارات البرجوازية الصغيرة التي خرج منها كل اشكال اليسار، يعلمنا منصور حكمت، عندما لا تكون الشيوعية احدى الخيارات الفاعلة أمام الطبقة العاملة، وعندما تكون القومية والديمقراطية هي المطروحة في المجتمع، فان الطبقة العاملة تبحث عن منفذ لتحسين أوضاعها و معيشتها وحياتها، فليس امامها الا ان تختار واحدة من البدائل المطروحة.
إن المهمة التي أنجزها منصور حكمت بدقة متناهية وبسعي متواصل دون كلل تكمن بإعادة الشيوعية، شيوعية ماركس، شيوعية الرسالة التاريخية للطبقة العاملة، وتتلخص بطرح الشيوعية في المجتمع كواحدة من الخيارات أمام البشر، والتي هي حصيلة سنوات من النضال الضاري على جميع الاصعدة المذكورة.
وكي تتحول النظرية التي يصفها منصور حكمت في (الندوة الثانية لجمعية ماركس) الى قوة مادية، الى حركة واقعية تجذب اقسام من المجتمع، فيكون عبر الممارسة العملية. وان الممارسة العملية تجسدها أحزاب سياسية وتعبر عن مصالح طبقية محددة في المجتمع.
ان الشيوعية العمالية، شيوعية ماركس ليست نقطة ضعفها لأنها لا تؤمن بالدين، او كما يسميها معارضيها بأنها ملحدة، وليس لأنها متطرفة وغير واقعية في الوقت الذي اصبحت اكثر انواع تطرفا ووحشية ضد الإنسان هو الواقع الموضوعي المفروض على البشر كما هو حال العراق وايران وافغانستان في ظل التيارات الاسلامية وميليشياتها، بل لأنها اي الشيوعية لم تضع نفسها كواحدة من الخيارات أمام المجتمع، تطرح نفسها بديل ومنقذ للمجتمع؛ ترد على معضلة الامن والأمان والفقر والعوز في المجتمع.
أن أكثر النظريات مثل (إدارة التوحش-ابو بكر ناجي) التي أرسيت على أساسها “دولة الخلافة الاسلامية” داعش وتمددت في ثلث مساحة العراق وجزء من سورية، أصبحت واقعا ماديا لأنه، كانت هناك قوى جسدتها على الصعيد العملي. أي بشكل آخر مهما كانت الشيوعية لها مسعا انسانيا، ومهما كانت متطرفة بالدفاع عن الانسان، لن يكن محل انتخاب الناس لها اذا لم تطرح نفسها من الخيارات المتصارعة على صعيد السلطة في المجتمع. وهذا ما عبر عنها منصور حكمت في الحزب والسلطة والحزب والشخصيات والندوة الاولى لجمعية ماركس.