صور أفلتتْ كل هذه العفونة! (حول نشر صور زوجة سفير مع راغب علامة!)
ما لذي جرى حتى ينفلت كل معسكر الرجعية والتخلف و”البذاءة” و”قلة الادب” بهذا الشكل الفظ والقبيح الى ابعد الحدود؟! ان كل ما في الأمر هو ان قامت زوجة سفير الاردن، ميسم الربيعي، بالتقاط صور مع فنان كبير، راغب علامة، يتضح منها سعادتها بحضوره ووجوده في منزل العائلة. كل هذا جرى في أجواء عائلية في بيت السفير بحضور الكثيرين. ومن المؤكد انه حتى لو جرى هذا خارج هذا الاطار والاجواء، لما تغير شيء من رايي وحكمي على الأمر. ان كل “مثلبتها” هو انها تقربت من راغب 10 سنتمترات اكثر من المقاييس التافهة التي في ذهنهم!
انفلت معسكر الرجعية بهجوم شرس وحاد وعديم الرحمة ، سوّدت مئات المقالات، وتناولت العديد من البرامج التلفزيونية واليوتوبية هذا الامر وغدا “موضوع الساعة” قنوات وشبكات التواصل الاجتماعي. وانفلت معسكر الرجعية بهجوم شرس وعديم الرحمة على السفير وزوجته.
لماذا السفير؟!
لقد استخدموا ابشع الاوصاف غير الانسانية بحق السفير من مثل وضع قرنين على راس السفير (!!) ووصفه بـ”الديوث” وغيرها من مفاهيم وقيم رجعية ومتخلفة من المفترض ان ليس لها صلة بالقرن الحادي والعشرين. لماذا “ديوث”؟! لأنه ترك زوجته تلتقط الصور مع راغب علامة ونشرها؟! وما صلة هذا به؟! لأنه هو المسؤول عن زوجته، وهو القيّم عليها، وهو من يحدّد “ما يجوز!”و”ما لايجوز!”. انه “سي السيد” وهو المسؤول عنها وعن أفعالها! كما لو إنها تفتقد الاهلية للحكم والقرار. ان ما قامت به هو حقها الشخصي المحض. لا لأحد أن يتدخل فيه، بالأخص ان ليس هناك اي شيء يدلل على خطل هذا التصرف.
ان الحياة الشخصية للأفراد هي حياة فردية. ليس لأي أحد ان يتدخل فيها، حتى الأزواج. ليس ثمة أمر أكثر بديهية من سعي أنسان ما لالتقاط الصور مع أحد المشاهير وتسجيل اللحظات الخاصة والذكريات وغيرها، ومن حقه ومن الطبيعي ان يتفاخر بها. الانسان يبحث عن التميّز والتفرّد، وبالأخص في ظل المجتمع الطبقي السائد المبني على اساس التميّز، وهذه عادة البشر، وليس فيها شيء جديد. الانسان، وفي احيان كثيرة، ومن أجل ان يزدهي بين الآخرين أو يشاركهم لحظات المسرة، يقوم بهذا. ما الضير والمثلبة في هذا؟!
يقولون ان السفير وزوجته شخصيات عامة، ويجب عليهما ان يتقيدا بمستلزمات الشخصية العامة. وماذا عملا، واي شيء قاما به، بحيث أخلّا بهذا او حتى يُستنتج من عملهم غير هذا؟! الخلل ليس في خروق الضوابط، بل في فهمهم للضوابط. ضوابط متخلفة مناهضة للمرأة وحقوقها. عليهم ان يراجعوا فهمهم لذلك. ان موضوعة “شخصية عامة” هي كذبة صرف، غطاء لموضوعة أخرى، الهجمة على المرأة وحريتها وحقوقها المدنية. ذلك ان من هو مستهدف في الحقيقة هي الزوجة وليس الزوج.
رياء من اجل السلطة والمكانة!
استغل البعض هذا الأمر للتشهير بشخصية زوجها السفير وذلك لأنه “موسوي” و”جده رسول الله” وهو “من حزب إسلامي”، “من حزب الدعوة” وراحوا يفضحون الممارسة “غير اللائقة” لهذا “الدعوجي الاسلامي”!!
هل ثمة حاجة للحديث عن، كلما اتسع الدين في حياة المجتمعات، اتسع النفاق والرياء والكذب. إن هذه شيمة كل المجتمعات التي سادها الدين وقيمه وليس الاسلام فحسب، وشواهد هذا الأمر حية سواء اليوم او في كل تاريخ البشرية. ان المجتمعات المبتلات بالقيم الدينية هي مجتمعات غير حرة ولا مكان للحرية فيها. ولهذا، فان النفاق والرياء والكذب هي من اسس ومرتكزات ومتضمنات الاديان.
من جهة أخرى، مع سقوط النظام البائد، وتسيّد الاحزاب الإسلامية والطائفية المشهد والساحة. قامت النخب الساعية لنيل مكانة في السلطة بالتجلبب فوراً بالرداء الاسلامي، والتظاهر بالإسلامية والطائفية والتزلف من اجل هذه المكانة. بيد ان اغلبهم في حياتهم الخاصة لا ربط لهم بإسلام ولا دين ولا طائفية. انها مقتضيات “المنصب”! ما أن يخرجوا من العراق، حتى ترى حقيقة القسم الأغلب منهم. ولهذا يصبحوا “دعوجيين” و”صدريين” و”موسويين” وغيره من أجل هذه المكانة والمنصب.
هجمة على المرأة!
إن سؤالاً يطرح نفسه، في عراق اليوم، في عراق الفساد والابتذال والجريمة والنهب والانحطاط الاخلاقي والمعنوي، تخرج لنا يومياً العديد من التسريبات الفيديوية لمسك هذه او تلك الشخصية العامة متلبساً في “ليلة حمراء” مع فتيات اصغر من بناتهم في المنتجع الفلاني في لبنان وكازاخستان وتايلند وغيرها، ولم نرى مثل هذه الضجة التي وصلت لحد مسائلة الحكومة العراقية للسفير وزوجته؟! أتعرفون لماذا؟! لان ميسم الربيعي امرأة.
إذا ما وضعنا جانباً كل المبررات “المنطقية” و”الحكيمة” التي يسوقوها جانباً، ليس من الصعب رؤية إن ما اثار حفيظتهم فعلاً هو رؤية امرأة تعبر عن شعورها وإحساسها بالشكل الذي تريد، امرأة قوية، ذات شخصية، ترى نفسها إنها ليست باقل من أحد. ان ما اثار حفيظتهم هي هذه الجسارة، جسارة الشعور بالحقوق، بالحرية الفردية بوصفها حق شخصي لا يحق لأحد الدوس عليه. ان ما اثار حفيظتهم هو كسر الاطر والقوالب و”الاتكيتات” التقليدية بأن تقف المرأة جانباً، خجولة، توزع الابتسامات التقليدية الخاوية وعديمة الروح. ولهذا فان الهجمة على ميسم الربيعي لا من زاوية كونها “شخصية عامة” ولا من زاوية نشرها “صور شخصية”، بل هجمة على المرأة وحرية المرأة وعلى “جسارة” المرأة وعلى كسرها للأطر الضيقة التي رسمها الاخرين للمرأة بالعنف والدم. ان ظاهر القضية وشكلها هو ميسم الربيعي، بيد ان اصل القضية هو المرأة في المجتمع، لجم المرأة!
صراع معسكرين!
ان هذه ليست مسالة عابرة، بل مسالة سياسية-اجتماعية. انها صراع معسكرين، معسكر الرجعية الذي يسعى بأسنانه واظفاره من أجل أعادة المجتمع قرون مديدة للوراء، معسكر سعى بكل ما لديه من اسلمة المجتمع وتطييفه (من الطائفية) واسترجاع قيم أكل عليها الدهر وشرب من عشائرية، ومعسكر آخر ساع للتقدم والمدنية، ساع لحياة معاصرة وعصرية. ولهذا، فإنها مسالة سياسية-اجتماعية.
ان التقاليد المنحطة والمتهافتة هذه هي ليست ثقافة وافكار المجتمع على العموم. انه ثقافة وافكار وانحطاط الطبقة السائدة والطبقة السياسية الحاكمة. وان انحطاط المجتمع اليوم وافلاسه الاخلاقي والثقافي هو انحطاط وافلاس الطبقة السياسية الحاكمة.
بحملتهم هذه، يسعى هذا المعسكر الإسلامي والطائفي والعشائري والقومي الى استغلال هذا الأمر للحيلولة دون تعبير المجتمع عن مدنيته. هم انفسهم من افشلوا حفلة سعد المجرد، وهم انفسهم من فرضوا التراجع على الفن والمسرح والثقافة وغيرها. ومن جهة أخرى، تقاومهم مدنية المجتمع بألف شكل وشكل، مدنية أثخنت بجراح حراب القومية والاسلام السياسي والعشائرية والحصار الاقتصادي وجوع وحاجة وفقر مدقع وعوز.