طالما الطبقة العاملة موجودة، فان كومونة باريس هي قضية الساعة!
مقابلة مع كورش مدرسي
اجرى تلفزيون برتو هذه المقابلة في اذار 2008.
ترجمة: فارس محمود
برتو: تحل قريبا ذكرى كومونة باريس. اندلعت انتفاضة باريس في 18 اذار 1781 ، قبل 137 سنة، وادت الى استلام الكومونيارديون، الذين كانوا عمالاً ويساريين اساساً، للسلطة. وان تكن كومونة باريس معروفة ومشهورة بوصفها اول ثورة عمالية، ولكنها في الوقت ذاته اقل تاثيرا من ثورة اكتوبر او الثورة الفرنسية على العالم. ماهو رايكم بهذا الصدد؟
كورش مدرسي: ان كومونة باريس هي احدى الاحداث المهمة في تاريخ عالمنا المعاصر. انتفض في 18 اذار 1871عمال باريس وانتزعوا السلطة. في ذلك الوقت، كانت الصحافة وما يسمى بالمثقفين الايرانيين تطلق اسم “هبة الاوباش” على هذا الحدث. اطلقوا على المنتفضين اسم القرامطة واناس ينشدون مشاعة النساء وكفّروهم.
ان كومونة باريس حدث مهم لأسباب متنوعة. من بينها، انها اول مرة في تاريخ الطبقة العاملة، اندلعت لانتزاع السلطة. وصلوا للسلطة في اذار 1871، وحكموا لما يقارب الشهرين. تتمثل الاهمية الاخرى لكومونة باريس بان الكومونة قد اثبتت، وبدرجة كبيرة، صحة الماركسية بوجه الاناركية (الفوضوية). كانت الكومونة تحت تأثير الاناركيين والخط الاناركي اساساً.
في الحقيقة، ان كومونة باريس مقدمة وبشارة ثورة اكتوبر. في ثورة اكتوبر، تعلم لينين من ماركس دروس الكومونة، وعمل بها. اي كانت نواقص ثورة اكتوبر هو امر في مكانه، بيد ان الثورة استفادت من دروس الكومونة وعملت بها.
برتو: ماهي الخصوصية الاساسية لكومونة باريس؟
كورش مدرسي: في حكومتها العمالية! مثل ان يُسال المرء اين كانت تكمن سمة انتفاضة سبارتاكوس في مرحلة العبيد! كانت سمة انتفاضة سبارتاكوس تتمثل بكونها احد الانتفاضات الكبيرة عرضت قلب روما للخطر. الحقت كومونة باريس الهزيمة بالسلطة البرجوازية في باريس. انتزعت الطبقة العاملة السلطة السياسية. طرحت قوانين واشكال حكومية جديدة في التاريخ. حلت الجيش، وبدلاً من مهمة خدمة النظام، حلت التسليح العام و….
من هذه الزاوية، كومونة باريس هي شروع التاريخ السياسي للطبقة العاملة. طبقة وعت ضرورة انتزاع السلطة السياسية، سعت لها، وانتزعتها. ان مثل هذا الشيء يحدث في التاريخ لأول مرة. ان اضافات ومساهمة الكومونة بكل نظرية الثورة العمالية هي امر مهم جداً.
وللسبب ذاته، فإنها مبعث سخط البرجوازية، وتسعى الاخيرة لرميها في عالم النسيان والتقليل من اهميتها. في باريس، بنيت ابنية قرميدية كبيرة بمناسبة الاحتفال بقمع بالكومونة. بنوا من كنيسة الى اعمدة مهيبة وذلك بمناسبة انتصار حكومة الرب، اي حكومة البرجوازية، على الطبقة العاملة والحكومة المناهضة للرب. من وجهة نظر البرجوازية، فان هذه الحكومة المناهضة للدين، حكومة الفقراء، هي في الحقيقة حكومة العمال.
لكومونة باريس دروس كثيرة. يماثل قسم كبير من اوضاع تلك الايام مرحلتنا. كانت مرحلة حكومة نابليون الثالث، كان بونابرت مقامرا. دب الهيجان في باريس جراء الاحتجاج على البطالة والغلاء. ومن اجل تشتيت واخماد الاحتجاجات الداخلية، لم تجد الحكومة سبيل سوى شن الحرب على بروسيا. شرعت بصورة واعية بشن حرب خارجية حتى تحول الاجواء الى اجواء نظامية. ولكن اصابه سوء الحظ وانهزم امام بروسيا، واستسلم بصورة مفضوحة، واسره البروسيون. اطيح بالحكومة الملكية، واعلنت الجماهير الجمهورية.
اطاحت الجماهير المكونة عموما من البرجوازية، البرجوازية الصغيرة والعمال بالسلطة الملكية، واعلنت الجمهورية. بدأت على صعيد عموم فرنسا، وبالأخص في باريس، مرحلة ثورية وحكومة مؤقتة. لقد كانت تلك المرحلة مرحلة الصراع المحتدم ما بين الطبقات.
ان الشيء الذي غدى يرد على ذهن الطبقة العاملة من كومونة باريس تدريجياً واستخدم لاحقاً في ثورة اكتوبر؛ وهو امر يتمتع بأهمية لنا اليوم هو ان الجماهير والمجتمع ليسا امر او كتلة واحدة. في المجتمع، البرجوازية من جهة تستخدم السلاح بوجه الطبقة العاملة، البرجوازية الصغيرة مترددة ومتذبذبة، يلتحق قسم منها بالبرجوازية، وترفع السلاح بوجه الطبقة العاملة، وينضم قسم اخر للطبقة العاملة. فتحت كومونة باريس اعين الطبقة العاملة على تلك الحقيقة الماركسية التي مفادها: ليس هناك مقولة دائمة وثابتة باسم “الجماهير” على العموم. المجتمع طبقي. تتحرك الجماهير في مراحل مختلفة استناداً الى الفصل المشترك لمطاليب الحركات الطبقية. بيد ان اخوة البرجوازية والطبقة العاملة هي امر مستحيل. حين تبلغ الطبقة العاملة السلطة، ينبغي عليها تحطيم الة الدولة. ليس بوسعها ان توظف او تستفاد من هذه الالة القائمة. ينبغي السيطرة على مؤسسة الدولة، ينبغي استخدام هذه الالة باقتدار ضد البرجوازية والثورة المضادة، وارساء ديكتاتورية البروليتاريا. ان هذا هو الدرس الاساسي للكومونة. حين يطاح بالبرجوازيةـ فان مقاومتها تتضاعف مرات. تعود مرة اخرى جنب الى جنب اقسام من البرجوازية الصغيرة ودعم البرجوازية “الاجنبية” حتى يحركوا العدو المناهض لثورة الطبقة العاملة.
مضت كومونة باريس نحو نصف الطريق. حلت الجيش، وقامت بالتسليح العام. ولكن في المطاف الاخير، تمكنت البرجوازية الفرنسية، وبدعم الفلاحين الذين شكلوا عماد جيشها، وجنب الى جنب الجيش البروسي، قصفوا باريس والحقوا الهزيمة بالكومونة.
بينت الكومونة ان البرجوازية فضلت مصلحتها الطبقية امام الطبقة العاملة والكادحين الذين هبوا من اجل عالم حر ومتساو، وكانت مستعدة لان تتحد مع اي طرف او دولة برجوازية مجاورة لها. الوطن والامة ووحدة الاراضي هي جميعا امور تافهة وعديمة القيمة. حين يتعلق الامر بالمصلحة الطبقية للبرجوازية الفرنسية، استمدت العون من البرجوازية البروسية لقمع الكومونة.
انها دروس مهمة جداً. اعتقد انها مهمة اي شيوعي او ماركسي او عامل واعي ان يعود ويمر مرة اخرى على دروس الكومونة. ينبغي الاحتفاء بذكرى الكومونة. لازال جدار الكومونة موجوداً في باريس، في مقبرة برلاش، احد الخنادق التي اعدم فيها الكومونارديون. اناس كثر يمضون في ذكرى الكومونة هناك يحملون الورود، ويبدون الاحترام للعمال والقادة العماليين الذين قتلوا واعدموا في اخر خندق ومتراس.
يقال انه قتل في قمع كومونة باريس بحدود 30 الف، وتم نفي عشرات الالاف من العمال والناشطين العماليين الى جزر نائية ملوثة الماء والهواء، اذ فقد عدد كبير منهم حياتهم هناك جراء الامراض والاعمال الشاقة. على اية حال، كان قمعاً وحشياً، وتعلمت الطبقة العاملة من ذلك الحدث دروس كثيرة.