انعدام الامان وتوسيع مساحة الفقر
الكاظمي يعدد انجازاته في اجتماع لمجلس وزرائه بمناسبة مرور عام كامل على تسلمه لمنصب سدة السلطة التنفيذية في العراق. وقد بدئها كما اعتاد في صم اذاننا من قبل، بأنه منع حرب اهلية، وزيادة اجهزة فحص او تشخيص مرض كورونا و اخيرا الاشادة بالورقة البيضاء. واتحفنا الكاظمي ايضا ان هذه الانجازات العظيمة حققت في عمر حكومة لم يتجاوز عام وليس منذ سبعة عشر عام، واكثر من ذلك يقول لنا هناك متشككين بحكومته وانه لن يبال لذلك فهو لم ينتخب كما يقول لنا بل هو (خادم الشعب) .
لنذهب الى تحليل انجازات الكاظمي التي بحق هي اكثر ضحالة من انجازات سلفه في الاحزاب الاسلامية التي غضبت منها حتى ثقب الارض التي تعيش فيها النمل.
كيف منع الكاظمي نشوب حرب اهلية في العراق؟ هذه الجملة التي سمعناها مرارا وتكرارا، ومن كثرة تردديها في وسائل الاعلام وامام البعثات الاجنبية، صدقه الكاظمي وبات يتغنى بها حتى تحولت الى انشودته محل النشيد الوطني.
ان مفهوم الكاظمي لمنعه الحرب الاهلية، هو من خلال غض الطرف عن كل جرائم الاحزاب الاسلامية وبجميع اطيافها، بدءا من التيار الصدري الذي احتمى بالكاظمي وجهاز مكافحة الارهاب التي ارسلها يوم ما الى مدينة الناصرية لحماية عصابات الصدر عندما فشلت في قمع التظاهرات، وبطلب من زعيمها مقتدى الصدر، ومرورا بمحور الاجرام والنهب الذي اقتنى اسما حركيا له كي لا يكشف سره وهو محور المقاومة والممانعة. الكاظمي منع الحرب الاهلية من خلال صفقة (سيب وانا سيب)، اي يتنصل من مطالب المتظاهرين وانتفاضة اكتوبر وهي محاكمة قتلة المتظاهرين مقابل ابقائه في منصب رئاسة الوزراء. اي بعبارة اخرى اختار الكاظمي ان يكون صمام امان بالحيلولة دون انفجار غضب المطالبين بحق دماء الذين سقطوا دون اي وجه حق في تظاهرات طالبت بالحرية والكرامة والحد الادنى من العيش بشكل ادمي، وبين مجرمي الاحزاب والتيارات الاسلامية وميليشياتها.
ان الكاظمي يكذب بكل صفاقة بأنه منع تحول العراق الى ساحة حرب بين النفوذين الايراني والامريكي، فهو لا يستطيع ان يلقي القبض على متهم بقتل متظاهرين مثل قاسم مصلح واطلق سارحه خلال ايام، فكيف له منع من تصادم قوتين على الساحة العراقية!
عدم تصادم تلك القوتين لا يعود لا من قريب ولا من بعيد لدهاء الكاظمي ومناوراته الفاشلة، بل يعود ان مصالح الطرفين الامريكي والايراني لم تصل الى تقاطع نهائي على الساحة العراقية، ومازالت هناك ما يمكن انجازه من قبل الطرفين المذكورين. وهذا يفسر سر زيادة قائد الحرس الثوري الايراني مرتين خلال ايام الى بغداد، وهي من اجل توبيخ وجر آذان المليشيات التي لا تذعن لأوامر قم-طهران، ولا تعي خطورة لعبها بالنار مع امريكا على الساحة العراقية التي لا تشبه الساحة اللبنانية او الساحة اليمنية، لوجود قوات وقواعد عسكرية امريكية على ارض العراق. وبشكل اخر نقوله ان الكاظمي هو جزء من مشكلة غياب الامن والامان في العراق، واتساع رقعة انفلات المليشيات واستعراضاتها العسكرية يعود الى سياسة الكاظمي وحكومته الفاشلة.
اما انجازه الثاني الذي يتحفنا به الكاظمي هو زيادة اجهزة الكشف لمرض كورونا حيث قام بزيادة فحص PCR من 7 الى 250 جهاز. بيد ان الكاظمي لا يتحدث لنا عن كارثة حريق مستشفى بن الخطيب التي ذهبت ضحيتها المئات، وكأنه راهن على ذاكرة الجماهير التي من كثر ما رأت من مصائب واهوال اصابتها الوهن وباتت تضاهي ذاكرة الاسماك. ولم يسرد الكاظمي في حديثه عن عزوف الناس المصابين بكورنا عن مراجعة المستشفيات الحكومية لانهيار الخدمات الصحية فيها، وكانت نصيحة العديد من الاطباء لمرضى الكورونا بان الافضل لهم ملازمة البيت وعدم الذهاب الى المستشفى اذا ارادوا القاء على قيد الحياة، ولم يقول لنا اي الكاظمي عن سبب قلة عدم حصول المواطنين على اللقاحات التي هي الاقل في بلدان المنطقة اذا لم نقل في العالم، ولا على تبوء العراق في صدارة الاصابات والوفيات معا بسبب وباء كورونا في البلدان العربية كما اشارت منظمة الصحة العالمية. وهنا نتحدث فقط عن كورونا ولا يشمل حديثنا عن الوضع الصحي والخدمات الصحية في القطاع الحكومي، فحقا ينطبق عليه قول المتنبي (وتعظم في عين الصغير الصغائر).
بيد ان اعظم انجاز للكاظمي الذي يقول عنه ان المنظمات والمؤسسات المالية العالمية تشيد به وهي الورقة البيضاء. فحقا يصب هذا الانجاز في خانة الوقاح والبجاحة. تلك الورقة التي لم يتجرأ اي فاسد في الاحزاب الاسلامية من تمريريها بدءا من المالكي ومرورا بالعبادي وانتهاءً بعبد المهدي. الورقة التي يشيد بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مصاصي دماء شعوب امريكا اللاتينية واسيا وافريقيا. الورقة البيضاء التي فشل الاحتلال بقيادة بول بريمر من تمريرها خلال عام من توليه الإدارة المدنية للاحتلال وهي نفس الفترة الزمنية للكاظمي في منصب رئاسة الوزراء. ان الورقة البيضاء هي اعلان صريح لسياسة اقتصادية من اجل التغطية على ادامة السرقة والنهب، وتعني استمرار كل الفاسدين الكبار في السلطة دون اي اجراء ضدهم بدءا من الفياض والمالكي والعامري والخزعلي وبرهم صالح والصدروالحلبوسي ..الخ. فالورقة البيضاء هي سياسة ملتوية على عدم مس الامتيازات المالية للطبقة الحاكمة بقضائها وبرلمانها ومجلس وزرائها، وتحميل عبء الازمة الاقتصادية على كاهل العمال والموظفين والكادحين في العراق. ان الكاظمي لم يقل لنا ماذا كان مشروعه لحل قضية البطالة بخلاف العبادي غير المماطلة والتسويف، كيف رد ويرد على احتجاجات عمال العقود والاجور واعتراضات خريجي المهن الصحية والبيطرة والهندسة و٢٠٠ الف محاضر في سلك التربية، وكيف عالج معاناة اكثر من نصف مليون نازح. ان الورقة البيضاء هي ورقة توسيع مساحة الفقر في المجتمع، مقابل نفخ جيوب اصحاب الشركات والمولات والتجارة التي تديرها احزاب العلمية السياسية.
وبحق نقول لقد نجحت الاحزاب الاسلام السياسي في انقاذ نفسها عندما نصبت الكاظمي رئيسا للوزراء، فلقد قام الاخير بتعويمها بعد ان كادت تتهشم بمعاول الانتفاضة.