الأخبارالمقالات
أخر الأخبار

عثمان حاج مارف ( امجد غفور)

مع تصاعد الضغوط الأمريكية لحل قوات الحشد الشعبي في العراق، أصبحت هذه القضية مصدر ضغط كبير على قادة الحشد والتحالفات المرتبطة بهم، وهم في حيرة من أمرهم حول القرار الذي يجب اتخاذه. إنهم يدركون جيدًا أن حل قواتهم أو دمجها في الجيش العراقي سيعني نهاية المكانة التي يتمتعون بها حاليًا في الحكومة العراقية. وقد لوحظ أن قادة الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران كثفوا من تصريحاتهم في وسائل الإعلام المحلية العراقية، مؤكدين أنهم لن يتخلوا عن أسلحتهم أبدًا!

من الجدير بالذكر أن محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، قد بدأ مفاوضات مع قادة الفصائل الشيعية المسلحة حول حل قوات الحشد. في هذا السياق، يتصاعد الصراع على منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

أحد قادة حركة حزب الله النجباء يقول: “لن نضع أسلحتنا إلا إذا تلقينا أمرًا مباشرًا وصريحًا من المرجعية الدينية العليا، ممثلة بالسيستاني. فقط عندها سنضطر إلى الامتثال.” وفي الوقت نفسه، يقول قائد آخر ضمن تنسيقية الفصائل الشيعية إن هناك اتفاقًا على الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية، خاصة بعد أن هددت إدارة ترامب بفرض عقوبات اقتصادية وحرب على بغداد.

أما الفصائل التي ترفض وضع أسلحتها أو الاندماج في الجيش العراقي، فيتم تصنيفها على أنها “فصائل متمردة”، وتشمل هذه الفصائل: “لواء سيد الشهداء، ولواء حزب الله العراقي، وحركة حزب الله النجباء.”

من جهته، أكد قائد في لواء حزب الله العراقي أنهم لن يتخلوا عن أسلحتهم حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشروط محددة، دون الكشف عن تفاصيل هذه الشروط. في حين أفادت مصادر أخرى أن الشروط مرتبطة بمناصب قيادية في قوات الحشد الشعبي، بما في ذلك رئاسة الهيئة.

مع تصاعد تهديدات إدارة ترامب ضد العراق، تدهورت العلاقات بين بغداد وواشنطن بشكل كبير. وفي نفس الوقت، تخشى الفصائل الشيعية من أن تتبع إدارة ترامب نفس النهج الذي اتبعته في اغتيال أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني ضد قادتهم.

وفقًا لمصادر عراقية، لم يتم التوصل بعد إلى أي حل عملي ونهائي بشأن قضية الفصائل المسلحة، ولم يتم اتخاذ أي قرار محدد في المفاوضات مع الحكومة العراقية. يقول رئيس تنسيقية الفصائل الشيعية: “لا يمكن حل أزمة الفصائل المسلحة بين عشية وضحاها، القضية معقدة للغاية، والحكومة العراقية لا تريد الدخول في مواجهة مع هذه الفصائل، ولكنها على الأقل تريد تهدئة الأوضاع لتجنب أي إجراءات عقابية من ترامب.”

بالإضافة إلى أزمة الفصائل المسلحة، هناك أزمة أخرى تتعلق بقيادة هيئة الحشد الشعبي، حيث توجد محاولات داخل تنسيقية الفصائل لإزالة فالح الفياض من منصبه كرئيس لهيئة الحشد الشعبي، الذي يشغل هذا المنصب منذ 10 سنوات.

مصدر سياسي ضمن تنسيقية الفصائل يتهم نوري المالكي بالوقوف بقوة وراء محاولات إزالة فالح الفياض، بسبب غضبه من محاولات الفياض تشكيل تحالف سياسي يدعم محمد السوداني. كما يشير المصدر إلى أن قوى التنسيقية منقسمة إلى فريقين بشأن فالح الفياض: فريق يضم نوري المالكي وقيس الخزعلي ويدعم إزالة الفياض، وفريق آخر يريد استمراره بقيادة السوداني.

من الجدير بالذكر أن قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، على الرغم من دعمه للسوداني، يمارس ضغوطًا على فالح الفياض للتنحي عن رئاسة الحشد الشعبي، حتى يتمكن فصيله من السيطرة على المنصب. من ناحية أخرى، يقول الفريق الذي يدعم إزالة الفياض إن هذا التغيير ضروري للاستجابة لضغوط الولايات المتحدة، التي تطالب بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي.

كما كشفت مصادر تنسيقية الفصائل أن أبو فدك المحمداوي، قائد لواء حزب الله العراقي الذي يشغل منصب رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، يرغب في إزالة فالح الفياض والاستيلاء على منصبه. لكن نوري المالكي يرفض تعيين أبو فدك المحمداوي بدلًا من الفياض، حيث أن قادة التنسيقية يريدون الآن تقليل النفوذ الإيراني داخل هيئة الحشد الشعبي، كجزء من جهودهم لتجنب أي إجراءات قد تتخذها إدارة ترامب ضدهم.

بالنسبة لمصير فالح الفياض، من المتوقع أن يقدم استقالته، حيث أن قادة التنسيقية بشكل عام يريدون تنفيذ القرار، لكن هذا يفتح الباب أمام صراع على مكانة الفياض بين الفصائل المسلحة، وبالتالي فإن نتيجة هذا القرار غير واضحة بعد!

ما يظهر في الوضع الحالي للمشاكل داخل فصائل الحكومة العراقية، خاصة فيما يتعلق بحل الحشد الشعبي، هو أن المفاوضات والاتفاقات ليست سهلة، حيث أن الفصائل تلتزم بوضع أسلحتها فقط إذا حصلت على مكاسب كبيرة في السلطة السياسية. وقد طالبت هذه الفصائل بتحويلها إلى كتل سياسية والحصول على مناصب مهمة وحساسة داخل الحكومة، خاصة تلك المتعلقة بالخدمات الأمنية ومكافحة الإرهاب. تحقيق هذه المطالب صعب للغاية على الحكومة العراقية، خاصة أن هذه المناصب موزعة بين الأحزاب السياسية.

من الناحية العملية، لا يمكن لأي فصيل أن يقبل بقرار وضع أسلحة قواته أو دمجها في الجيش العراقي بينما يذهب قادته إلى منازلهم. لذلك، تواجه الحكومة العراقية وضعًا صعبًا ومعقدًا في التعامل مع هذه القضية.

في الواقع، تنفيذ مثل هذا الإجراء سيضعف بنية الحكومة العراقية الحالية، التي تتكون من عدة فصائل مسلحة. وفي نفس الوقت، يطرح السؤال عن تأثير ذلك على بقاء رئيس الوزراء محمد السوداني في منصبه، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في ديسمبر من هذا العام.

بشكل عام، التطورات التي حدثت في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد، والمعادلة السياسية التي سعت لتعزيز السلطة الشيعية وتوسيع النفوذ الإيراني، قد تغيرت وأصبحت بالضد من مصالح إيران وحكومة العراق، التي تواجه الآن تراجعًا وتحتاج إلى التكيف مع التغيرات الحالية في المنطقة، إن استطاعت، لأن عدم التكيف سيؤدي إلى نهاية السلطة السياسية لتنسيقية الفصائل.

في هذا السياق، تواجه الحكومة العراقية ضغوطًا، حيث قام بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بوضع الحكومة العراقية تحت ضغوط تتعلق بتصدير النفط والميزانية وقرارات المحكمة الاتحادية العليا والتعامل مع رواتب الموظفين والمتقاعدين.

في الوقت نفسه، اذا كان تأسيس الحشد الشعبي وتعزيز السلطة الشيعية منذ البداية ،  كارثة على حياة المواطنين العراقيين، فان حل الحشد في ظل الصراعات الحالية بين الإسلاميين والقوميين وتشكيل عراق فيدرالي، سيستمر في إحداث المزيد من المآسي والكوارث بأشكال أخرى. الوضع الحالي في العراق يواجه مرحلة حرجة، خاصة في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وأمريكا من جهة وإيران من جهة اخرى، وهناك احتمال لحدوث تغييرات كارثية ومأساوية تؤثر على حياة ومستقبل السكان. لذلك، يحتاج العراق الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إحياء تلك الحركات الجماهيرية التي هزت الحكومة العراقية في أكتوبر 2018، بحيث تكون هذه الحركة أكثر تنظيماً وشمولية وبأفق وأهداف واضحة، تهدف إلى إنهاء هيمنة الكيانات الحكومية المقسمة بين القوى القومية والإسلامية والميليشيات الطائفية، والسعي لتشكيل حكومة تعكس إرادة الجماهير بشكل مباشر في السلطة السياسية، وتخطو نحو تحقيق المواطنة والحرية والمساواة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى