الأخبارالمقالاتهمام الهمام
أخر الأخبار

علانية يريدون خلق أجواء للاستبداد

همام الهمام

نشرت صحيفة “العربي الجديد” مقالًا بعنوان “مساعٍ حكومية للسيطرة على صناع المحتوى في العراق”، استعرض آراءً وتصوراتٍ مختلفة حول حرية التعبير في العراق. ما دفعنا للرد على هذا المقال هو تصريح لمسؤول حكومي رفض الكشف عن اسمه، حيث قال إن الحكومة تُعد “خطة كبيرة ستُكشف لاحقًا للسيطرة على صناع المحتوى”…!
لقد أوضحنا مرارًا الأهداف الحقيقية وراء القوانين التي تسنها حكومة السيد السوداني خلال هذه الدورة، ومن بينها قانون “المحتوى الهابط”. إن محاولة السيطرة على صناع المحتوى ليست سوى خطوة لتهيئة بيئة مواتية للاستبداد السياسي، وهي مناورة خبيثة لخلط الأوراق والتلاعب بالمفاهيم. حتى اللحظة، لا يوجد تعريف واضح لماهية “المحتوى الهابط”، ولا معيار محدد للحكم عليه. ولكن إن كنا سنتحدث عن “محتوى هابط”، فإنه يتمثل في أبواق السلطة الإعلامية التي تروج للطائفية والمناطقية، وتحرض ضد نشطاء الحركة الاحتجاجية، وتشن حملات تشويه ممنهجة ضد النساء، واصفة إياهن بأبشع الأوصاف.
المحتوى الهابط الحقيقي هو عمل وزاراتكم التي عجزت حتى الآن عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات لمدن الوسط والجنوب، ولم تتمكن من تأمين الرواتب لموظفي وعمال كردستان. المحتوى الهابط هو تبجحكم بتحسين حمامات مطار بغداد الدولي وكأنها إنجاز عظيم! ووفقًا لهذا المعيار، فإنكم أنتم المتهمون الرئيسيون بنشر المحتوى الهابط، ويجب محاسبتكم عليه!
أما فيما يتعلق بـ“الخطة الكبيرة”، فأي قضية تستحق وضع خطة كبرى؟
هل هو المحتوى الهابط أم البطالة التي تحرم أكثر من اثني عشر مليون عراقي وعراقية من العمل؟، أم ربما مدن مثل الديوانية والسماوة، حيث يعيش تحت خط الفقر 45% من السكان في الأولى، و50% في الثانية وفق إحصاءات وزارة التخطيط التابعة لكم؟، أم أن الحاجة لخطة كبرى تكمن في مواجهة الفساد المالي والإداري، أو قضايا تهريب العملة، وانخفاض الدخل، وارتفاع سعر الدولار، والعجز في الموازنة؟
أخبرونا، من يستحق هذه “الخطة الكبيرة”؟، ثم نصل إلى تصريح هذا المسؤول – الذي يقول، لا نريد عريًا، ولا أفكارًا غربية منحرفة، ولا تحريضًا على العملية السياسية.
بمعنى آخر، هم يريدون فرض القمع بالقانون وأدوات القهر، والدفع نحو “أفغنة” العراق، وتحويله إلى مستنقع للتطرف، وتهيئة الأجواء تدريجيًا لاستبداد ديني مطلق. إن هذه السلطة، منذ أن جاءت على دبابة أمريكية، وهي تمارس سياسة الأسلمة والإفقار، والهجوم على النساء والحريات. وهي تدرك جيدًا أن الدول التي تنعم بحرية النساء تتقدم اجتماعيًا وإنسانيًا، وأن الاستبداد ينهار أمام النقد الحرّ.
أما عن رفضهم “الأفكار الغربية المنحرفة”، فهنا يتجلى نفاقهم بأبشع صوره! ان نظامهم السياسي نفسه قائم على النموذج الغربي، من البرلمان إلى الجمهورية إلى التشريعات، جميع أدواتهم، من وسائل الاتصال إلى السيارات والبنوك، مستوردة من الغرب، فلماذا لا تتخلون عن هذه “الأفكار الغربية” ويعودون إلى حياة البادية والخيام، إن كانوا فعلاً صادقين؟!
أما الجزء الأهم في تصريحهم، فهو قولهم “لا نريد تحريضًا على العملية السياسية”، وهذا هو مربط الفرس!
إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أكبر سلاح في مواجهة فساد السلطة وكشف سرقاتها. لم يعد المواطن بحاجة إلى قنوات إعلامية ضخمة، بل يكفي هاتف متصل بالإنترنت لينشر الحقيقة في ثوانٍ. هذا ما يرعبهم حقًا، فهم يمتلكون الفضائيات والجرائد والإذاعات والجيوش الإلكترونية، بينما لا يملك المعارضون سوى وسائل التواصل الاجتماعي. لذا يسعون للسيطرة عليها حتى يستمروا في النهب دون حسيب أو رقيب، وحتى لا ينتشر الوعي السياسي والاجتماعي والتنظيمي الذي قد يُسقطهم في أي لحظة، كما حدث في ثورات الربيع العربي وانتفاضة تشرين في العراق.
وأخيرًا، يحاول هذا المسؤول تبرير الحملة بقوله: “نريد تقديم وجه مشرف للعراق أمام الدول الأخرى”. إن الوجه المشرف للعراق لن يتحقق بوجود أمثالكم في السلطة! بل يكون العراق مشرفًا حين: لا تحكمه الطائفية والقومية، و يحصل كل شاب وشابة على فرصة عمل.، و تتمتع النساء بحريتهن الكاملة وحقوقهن الإنسانية، ويحصل المسنون على رعاية صحية كريمة.، و يعيش الأطفال طفولتهم بأمان، بدلاً من التسول والعمل القسري، وتُصبح الحريات السياسية والاجتماعية والفردية أمرًا طبيعيًا، كالتنفس، و يعيش العراقيون في بيوت كريمة، لا في مساكن خمسين متراً للعائلة الواحدة.، و لا تُجبر العائلات على بيع منازلها لدفع أقساط دراسة أبنائها.
وباختصار، الوجه المشرف للعراق يعني ألّا تكونوا أنتم في السلطة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى