الأخبارالمقالاتتوما حميد
أخر الأخبار

عودة ترامب للحكم والآمال الكاذبة! توما حميد

اود ان اتطرق في هذا المقال الى عدة مسائل منها اسباب فوز ترامب بالرئاسة الامريكية، وتفسيرات الحزب الديمقراطي للخسارة و هل يمكن لترامب الوفاء بوعده او تغير الكثير داخليا او على مستوى السياسة الخارجية.

قبل كل شيء يجب ان اشير بان اقل من 55% من الامريكيين شاركوا في الانتخابات اي ان 45% من الامريكيين لم يشاركوا في الانتخابات اصلا رغم كل الاثارة التي دأبت الطبقة الحاكمة على خلقها والفوارق بين المرشحين اي وجود امرأة  ومن بشرة غير بيضاء وبين دونالد ترامب، كسياسي غير تقليدي، فظ وعنصري، و المرحلة التاريخية التي تمر بها الرأسمالية وخاصة في امريكا. فالحزب الديمقراطي حصل على 14 مليون صوت اقل من 2020 وترامب الذي فاز بالانتخابات، حصل على مليونين صوت اقل بالمقارنة مع 2020.

 ان وصول دونالد ترامب الى الحكم في عام 2024 كما في 2020 هو احتجاج  ضد الوضع القائم وضد المؤسسة الرسمية الحاكمة. في معظم الدول الرأسمالية المتقدمة والكبيرة التي شهدت انتخابات، تم طرد الحزب او التحالف الحاكم منذ 2020 اي منذ وباء كورونا  وموجة التضخم و مايسمى بأزمة غلاء المعيشة من الحكم بغض النظر ان كان يمثل اليمين او اليسار البرجوازي. هذا ينطبق على استراليا ونيوزيلندا وبريطانيا وفرنسا واليابان والارجنتين والان في امريكا والمانيا. هذا يعكس رغبة الناخب على معاقبة الحزب او التحالف الحاكم نتيجة العجز في مواجهة الازمة التي يمر بها كل النظام الرأسمالي.

في امريكا بالذات الانتخابات كانت احتجاج على الوضع الحالي اكثر من كونها تأييد لدونالد ترامب. انه احتجاج على الوضع الناتج عن العولمة الرأسمالية التي شهدت اكبر عملية انتقال للرساميل ومعها الوظائف الجيدة  ذات اجور عالية وضمانات جيدة من الدول المتقدمة الى الدول التي تقدم ايدي عاملة رخيصة مما ادى الى انهيار مدن امريكية مثل ديترويت وكليفلاند وغيرها وتقهقر هائل للمجتمع. 

هناك عدد كبير من العوامل التي صاغت نتيجة الانتخابات ولكن السبب الرئيسي هو العامل الاقتصادي.  ففي مواجهة شعور قوي بان الوضع الاقتصادي للفرد الامريكي يميل الى التدهور لم يقدم الحزب الديمقراطي اي شيء غير ادامة الوضع القائم واجراءات اقتصادية هامشية مثل منح 25 الف  دولار لمن يشري بيت لأول مرة واعادة احياء الائتمان الضريبي للأطفال.  اغلب الشباب الأمريكيين لايمكنهم شراء بيت او انجاب اطفال لكي تكون هذه الاجراءات مهمة في حياتهم. اذ تقرر 48% من النساء عدم انجاب اطفال. وفي مواجهة التضخم التي تبين ان نسبة 50% منه هي نتيجة رغبة الرأسماليين زيادة الارباح، اقترحت كمالا هارس سن قوانين تسهل على الحكومة مقاضاة الشركات التي ترفع الاسعار بشكل مبالغ به من اجل الربح وهو اجراء ثبت ان ليس له اي قيمة من الناحية العملية. كما كانت هناك شكوك كبيرة تجاه قدرة كمالا هارس للإيفاء بوعود اخرى، نتيجة مسيرتها ومسيرة حزبها في السنوات الاربعة الاخيرة.

 وتجب الاشارة إلى ان الحزب الديمقراطي وحملة كمالا هارس اصرت بان الاقتصاد الامريكي في وضع جيد وهزأت من الشكاوى والشعور السائد في المجتمع الامريكي بان الوضع الاقتصادي سيء بالنسبة للأغلبية. ان اقل ما كان يمكن للحزب الديمقراطي القيام به هو الاعتراف بالواقع وبيان ان الوضع الاقتصادي الذي لايخدم الاغلبية هو نتاج عقود من السياسات من قبل كلا الحزبين الحاكمين في امريكا الا انه ظل ينكر الواقع.

 لم يشمل برنامج كمالا هارس الانتخابي اجراءات مهمة مثل وعود جدية لزيادة الضرائب على الاغنياء والشركات الاحتكارية، برامج للإسكان، ومجانية الصحة والتعليم، والقضاء على التشرد و شطب ديون الطلبة الخ.

 ورغم ان الوضع الاقتصادي والهوية الاقتصادية الطبقية هي الهوية الاساسية التي تطغي على الفرد في امريكا، وتصوغ ولائه يلجا الحزب الديمقراطي الى نقل الصراع الى صراعات على اساس الهوية الثقافية والهوية السياسية مثل لون الجلد والعرق والميل الجنسي والديانة الخ. وفيما يتعلق بالمرأة رغم ان قضية المرأة الاساسية هو عدم المساواة الاقتصادية مثل دفع اجور اقل للمرأة واستغلالها في العمل المنزلي بعد العمل الرسمي، يقوم الحزب الديمقراطي باختزال قضية المرأة بحق الاجهاض ووجود المرأة في مواقع قيادية في الشركات والمؤسسات الرأسمالية الخ.

من جهة اخرى، الحزب الديمقراطي في هذه المرحلة هو الحزب الذي يقف خلف الحروب والتدخلات العسكرية والسياسية في الدول الاخرى بحماس كبير. وهو الحزب الذي يحكم امريكا المتورطة في الابادة الجماعية في غزة. وفي عهده تم نقل مئات المليارات من الدولارات لتمويل حرب اوكرانيا في حين هناك مئات الألاف من المشردين في امريكا ومن الذين فقدوا كل شيء في كوارث بيئية مثل الفيضانات والاعاصير لايحصلون على دعم من الحكومة الامريكية. لم نسمع شيء من حملة هارس عن وقف الحرب وصرف الاموال على خفض ديون الطلبة والتشرد والصحة. وحتى فيما يتعلق بالهجرة، لقد نافست كمالا هارس ترامب في معاداة المهاجرين بدلا من الاشارة بان السبب الاساسي للهجرة هي السياسات الأمريكية من الحصار الاقتصادي على دول مثل كوبا وفنزويلا و التدخل في شؤون الدول الاخرى ودعم انظمة قمعية فيها.

كما ان الحزب الديمقراطي وشخصياته تؤيد حملات المراقبة و التضيق على الاصوات المخالفة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي والاحتجاجات المؤيدة لغزة والمعادين لحرب اوكرانيا.

باعتراف بعض مفكري وشخصيات الحزب الديمقراطي بعد الهزيمة، ان افضل سبيل لفوز الحزب الديمقراطي كان وضع مرشح يساري مثل بيرني ساندرز الذي يعرف نفسه كاشتراكي في مواجهة ترامب، وهو اكثر شخصية سياسة ذات شعبية في امريكا ولكن الحزب الديمقراطي يفضل الخسارة امام الحزب الجمهوري على الفوز من خلال مرشح يساري يمثل التغيير مثل بيرني ساندرز، ولهذا عندما اصبح واضحا بانه لايمكن لجو بايدن خوض ولاية ثانية قاموا بتعين كمالا هارس كمرشح الحزب دون الخوض في الانتخابات التمهيدية. وكمالا هارس رفضت اي دور لبيرني ساندرز في حملتها في حين اشركت ليز تشيني في حملتها وهي ابنت ديك تشيني عراب حرب العراق التي اودت بحياة اكثر من مليون انسان.

في المقابل، دونالد ترامب كقائد ديماغوجي  يعترف ان الوضع الاقتصادي للعمال في امريكا سيء، ويقول للعمال، لقد “خانتكم المؤسسة الحاكمة وقادتها” و يعطي وعد بتغير الوضع الحالي. فهو ماهر في التعبير عن الغضب الذي يشعر به الجماهير تجاه ممارسات الطبقة الحاكمة. ويفضل المواطن الامريكي اي شيء وان كان وعد على استمرار الوضع الحالي. ويعطي ترامب وعود بوقف الحروب وصرف الاموال على المواطن الامريكي والمشاكل التي تواجهه. لقد حمل المهاجرين مسؤولية تدهور وضع المواطن الامريكي، ويعد بوقف ” الغزو” الذي تتعرض له امريكا من قبل ” الغرباء” اي المهاجرين.

 ولكن ماذا نتوقع من ترامب. على المستوى الاقتصادي بالذات لم يقل ترامب شيء اكثر من زيادة التنقيب عن الوقود الاحفوري وهذا  حسب ادعائه سوف يؤدي الى خفض اسعار الطاقة مما يعني خفض التضخم، بناء جدار على الحدود الجنوبي  لوقف الهجرة ” غير الشرعية” على اساس ان المهاجرين هم سبب المشاكل الاقتصادية في امريكا وفرض الضرائب الجمركية على الواردات وخاصة من الصين.

قبل الخوض في تفاهة ادعاءات ترامب وضحالة حلوله يجب التذكير بالصخب والوعود التي رافقت  حملته للولاية الاولى والتي هي مشابه للوعود الحالية حيث وعد بإعادة الوظائف الجيدة عن طريق فرض الضرائب الجمركية على الواردات، ووقف الهجرة ” غير الشرعية” ووقف الحروب وهو فشل في  كل هذه القضايا. ان الانجاز الاقتصادي الوحيد في ولايته الاولى كان خفض الضرائب على الاغنياء وهو اخر شيء تحتاجه امريكا. سوف ينسى ترامب العمال الذين صوتوا له ومعاناتهم مثلما نساهم في ولايته الاولى. نتوقع اربعة سنوات اخرى من الصخب بدون نتائج. من جهة اخرى، هناك حديث بانه وعد بتنصيب ايلون ماسك رئيس شركة تسلا واغنى رجل في العالم في وظيفة تكون مهمته زيادة ” الكفاءة” ونعرف من الامثلة التاريخية ماذا يعني تحسين الكفاءة بالنسبة لشخص مثل ماسك او ترامب وكل الطبقة البرجوازية. كما اخبرنا ايلون ماسك نفسه ماذا يعني تحسين الكفاءة الانتاجية، حيث قال مامعناة نحن نصرف اموال اكثر من اللازم ويجب ان نقتصد وان نحد من الصرف وهذا يعني شن هجمة وحشية على الخدمات والبنية التحتية وكل البرامج التي تخدم  المواطن الامريكي.

فيما يتعلق بالهجرة، من الغباء الاعتقاد بان وجود 10-12 مليون مهاجر بدون اوراق رسمية وهم افقر شريحة في امريكا ويؤدون بعض اسوأ الوظائف سبب مشاكل مجتمع غني ومتقدم وكبير مثل امريكا. كما ان ترحيل هؤلاء يعني ان الاعمال التي يؤدونها اما لن يقبل بها الامريكيون او سوف يطلبون اجور اعلى مقابل ادائها وهذا سوف يؤدي الى تفاقم مشكلة التضخم، ولهذا في الواقع ترامب سوف لا يتمكن من ترحيلهم وسوف يقوم في افضل الاحوال بأدمة عمليات الترحيل الحالية بالوتيرة نفسها او بوتيرة اكبر قليلا وهو ماحدث في ولايته الاولى. عندما يأتي الامر الى زيادة التنقيب عن الوقود الاحفوري، ليس هناك اي دليل ان زيادة التنقيب سوف يؤدي الى نتائج في سنوات قليلة كما ان زيادة القدرة الانتاجية في دولة مثل امريكا لايعني بالضرورة انخفاض الاسعار، اذ كما قلنا من قبل 50% من التضخم هو نتيجة قرار من الشركات الرأسمالية زيادة الارباح.

من جهة اخرى ان فرض الضرائب على الواردات من الخارج يعني فرض ضريبة على المستهلك الامريكي وليس على المنتج الصيني او الهندي الخ. ان هذا سوف يفاقم التضخم وسوف يحد من المنافسة والتطور في القدرة الانتاجية وعلى المدى البعيد سوف يضر بالاقتصاد الامريكي. ان الادعاء بانه سيعاقب الصين من خلال الضرائب هو ادعاء سخيف، اذ ان حجم تجارة الصين مع دول البريكس هي 1.4 ترليون دولار وهي على الاقل ثلاثة اضعاف حجم التجارة من امريكا واكبر من حجم التجارة مع امريكا واوربا واليابان معا.

فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وقوف ترامب ضد الحرب في اوكرانيا ومعاداة روسيا هو ليس موقف مبدئي تجاه الحرب بشكل عام، بل هو من اجل التفرغ للصراع مع الصين. ان جزء من البرجوازية الامريكية يعتقد بانه يجب ان يكون لأمريكا علاقات جيدة مع روسيا ويجب فصل روسيا عن الصين والتفرد بالصين من اجل اخضاعها وهزيمتها. ان الطبقة الحاكمة في امريكا غير متجانسة في موقفها من تلك الحروب والتدخلات. 

رغم هذا قد تحدث بعض التغيرات في سياسة امريكا فيما يتعلق بالحروب في اوكرانيا وحتى في غزة. 

 التغير سوف لا يحدث لان ترامب يريد هذا التغير وليس بالنمط الذي يتحدث عنه. مثلا قال ترامب بانه سوف يوقف حرب اوكرانيا في اقل من يوم ولكن عندما قدم بعض التفاصيل تضمنت  طريقته لوقف الحرب تهديد روسيا وابتزازها  ولكن ليس في جعبة امريكا الكثير يمكنها من تهديد روسيا، فليس لها مخزون كبير من الاسلحة لغرق اوكرانيا بها كما وعد ترامب، كما ان المزيد من الحصار الاقتصادي على روسيا سوف لا يكون مجديا اذ ليس لأمريكا مساحة كبيرة للمناورة في هذا المجال ايضا.

التغير سوف يحدث اذا كانت الطبقة الحاكمة تريد استخدام ترامب لتسهيل الخروج من هذه الحروب وخاصة الحرب في اوكرانيا التي خسرها الغرب دون الاعتراف بالهزيمة. اذ قد تقرر الطبقة الحاكمة الخروج من الحرب وتحميل ترامب مسؤولية هذا العمل دون  الاعتراف بالهزيمة. كما قد يستخدم ترامب لإخراج اسرائيل من المأزق والطريق المسدود الذي وصلت اليه. 

لقد بين تاريخ امريكا وخاصة الحديث بان القائد العام اي الرئيس هو ليس القائد الحقيقي. فمثلا امر ترامب في ولايته الاولى بسحب القوات من سوريا مثلا ولكن هذا الامر لم يحدث. فوعود ترامب تجاه الحرب في اوكرانيا وغزة سوف يفي بها اذا ساد الجناح الذي يمثله ترامب.

 يجب ان يكون واضحا ان مشكلة المجتمع الامريكي الاساسية هي الانخفاض المستمر او على الاقل عدم تحسن في المستوى المعيشي للمواطن، عدم المساواة الفلكية في المجتمع، مستوى الدين العالي جدا، الفشل في التصدي للازمات مثل الوباء، والفيضانات والاعاصير ولكن الانتخابات هي مسرحية ليس وظيفتها تقديم حلول لهذه المشاكل الكبيرة.

ان الوضع الحالي ووصول ترامب الى الحكم يفتح الابواب على احتمالات كثيرة. من الممكن ان يتجه المجتمع نحو اليمين وتشن حرب على الافكار اليسارية ومكتسبات الطبقة العاملة ولكن هناك احتمال ان يتوجه المجتمع نحو اليسار ايضا. قد تسأم الجماهير من هذا التأرجح بين اليمين واليسار البرجوازي كل بضع سنوات وتفقد كل سردية الاحزاب الحاكمة مصداقيتها وتثور الجماهير ضد كل النظام. فسنوات حكم ترامب هي كفيلة بفضح ادعاءاته وادعاءات تياره، كما تبين بان الحزب الديمقراطي لايتعلم او لايريد ان يتعلم فهو يتحدث عن مئة فئة سكانية حقيقة او مصطنعة مثل نسبة الرجال السود او المهاجرين من الاصول الاسبانية او النساء الخ التي صوتت بهذا الشكل او ذاك ولكن يتجنبون التحدث عن الاسباب الاقتصادية والهوية الطبقية التي دفعت الطبقة العاملة للتصويت بالشكل الذي حدث. يؤول الحزب الديمقراطي الخسارة بجهل وعنصرية الطبقة العاملة. في وضعية مثل هذه، نمو الوعي الثوري و الثورة ضد كل النظام هي احتمال وان كانت تبدو احتمال غير واقعي و بعيد.ان وظيفة الاشتراكيين والشيوعيين وكل الشرائح التقديمة هو العمل من اجل توحيد صفوف الطبقة العاملة في مسار النضال من اجل نظام مختلف تكون فيه الاولوية للإنسان وليس الربح، فالتغير ممكن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى