في الذكرى التاسعة والعشرون لتأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي العراق بأمسّ الحاجة للشيوعية
في ٢١ تموز من عام ١٩٩٣ تأسس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، في خضم تحولات سياسية عالمية عظيمة، في مرحلة أُعلن فيها موت الشيوعية، بعد انهيار جدار برلين وسقوط الكتلة الشرقية، والإعلان عن كذبة كبيرة بانتهاء الحرب الباردة والتي وصفها قائد ومؤسس الحركة الشيوعية العمالية (منصور حكمت) بأنها كانت أكثر الحروب التاريخية سخونة، وحاول مفكروا البرجوازية نحت عنوان عريض لتلك المرحلة بإعلان خلود وأزلية النظام الرأسمالي وسموه بنهاية التاريخ.ففي تلك المرحلة تم إسقاط المظلات الاشتراكية والشيوعية التي كانت ترفعها سائر الأحزاب القومية والوطنية والمعادية للإمبريالية، وعادت إلى أصولها ومنابعها الفكرية والسياسية لطبقتها البرجوازية، وكانت فرصة ذهبية بالنسبة لها للتخلص وإلى الأبد من عملية لي عنق الشيوعية التي كانت تؤرقها طوال حياتها السياسية، و إلباسها رداء بعيد عن ماركس وروايته عن الشيوعية، وهي رواية القضاء على الرأسمال والعمل المأجور. وعندما كانت الطبقة الرأسمالية ومفكروها وأقلامها المأجورة وأكاديميها تحتفل بموت آلاف من جماهير العراق تحت وابل القنابل التي كانت ترميها قاذفات بي ٥٢ وصواريخ كروز في الحرب الخليج الثانية ١٩٩١ وتحت يافطة تحرير الكويت واعادة الاعتبار للقانون الدولي والتي كانت تخبئ في ثناياها تتويج النظام العالمي الجديد وفرض عالم القطب الواحد، عالم الهيمنة الامريكية على العالم، وعلى مسافة منها كانوا يعدون لحفلة صاخبة للرقصة الموت على الجماجم التي ستسحقها لاحقا الحروب القومية في الجمهوريات السوفيتية السابقة وكوسوفا والبوسنة والهرسك، ابتهاجا بفتوحات السوق الحرة والنظام العالمي الجديد الذي سماه حكمت بصواب بالنظام المخضب بالدم، وعندما كانت الأحزاب القومية الكردية المليشيات ترفع صور المجرم وجزار جماهير العراق الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأب في كردستان العراق في الوقت الذي كان النظام البعثي الفاشي بزعامة صدام حسين يسحق انتفاضة آذار ١٩٩١ ويفرض حصارا آخراً على كردستان وينهل من خيرات الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، لإعادة ترسيخ نظامه الدموي، وليستبدل بعد ذلك بندقية العروبة وصواريخ العباس والحسين، ليستل بدل عنها (سيف الله اكبر)، الوجه الآخر للامة العربية ليقوم بغزوته الخاصة للعراق التي سماها الحملة الايمانية بعد حرب الوحوش الإمبريالية على جماهير العراق وتدمير كل ما له صلة بالإنسانية، وليستحضر كل أشباح الأرواح المنقرضة التي بعثت عصابات داعش، نقول في تلك المرحلة الحالكة، رفعت الشيوعية قامتها من جديد، ورسم الشيوعيون شعارات على الجدران في الأزقة وشوارع السليمانية اربيل وكركوك ودهوك (القومية عار على الإنسانية، لا للحرب أمريكا وحلفائها على جماهير العراق، عاشت الحرية والمساواة والحكومة العمالية..)، وقد لعب الشيوعيون الذين رفعوا تلك الشعارات دورا محوريا في انتفاضة آذار عام ١٩٩١، إذ طردوا النظام البعثي من كردستان، وأسسوا أول شكل للسلطة تحقق إرادة الجماهر، وهي المجالس في المصانع والمعامل وفي المناطق المعيشية والمحلات السكنية. وبعد عامين فقط أسسوا حزبهم، الحزب الشيوعي العمالي العراقي.لقد وقفت الشيوعية الجسورة، الشيوعية التي لا تهادن ولا تساوم، شيوعية منصور حكمت، الشيوعية العمالية بحزم ضد الاغتيالات السياسية التي كانت تمارسها الأحزاب القومية الحاكمة في كردستان فيما بينها، ودافعت عن طريق أعضائها عن الحريات السياسية والإنسانية دون قيد أو شرط، وشنت حملة جماهيرية ودعائية على الصعيد المحلي والعالمي لإنهاء العنف ضد النساء الذي أودى بحياة اكثر من ٥٠٠٠ امرأة في ظل سلطة الأحزاب المليشياتية، وناضل الشيوعيون العمّاليون بضراوة لسن قانون المساواة بين المرأة والرجل، ووقفوا دون تردد ضد تجنيد الأطفال من قبل حزب العمال الكردستاني، ونظموا العاطلين عن العمل ليتحول إلى منظمة أرعبت الأحزاب القومية، التي عملت بكل الطرق بشراء ذمم فعاليها و نشطائها ودق اسفين في صفوفها واحتوائها، واظهروا جسارة غير متناهية ضد أسلمة المجتمع من قبل الأحزاب والعصابات الإسلامية المدعومة من جمهورية الإعدامات والقتل والاغتيالات والعنصرية والكراهية في ايران، جمهورية ملالي قم-طهران، مما دفعت الأخيرة بتحريك وتحريض الأحزاب القومية الحاكمة في كردستان في اغتيال قادتها مثل شابور عبد القادر وقابيل عادل في عام ١٩٩٨ في اربيل وعلى غلق مقراته واذاعته في السليمانية واغتيال خمسة من كوادره الذين مرت ذكراهم هذه الأيام في ١٤ تموز من عام٢٠٠٠.هذا الحزب هو الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي تأسس ليكون مدافعا صلبا عن الطبقة العاملة، ومعبرا عن مصالحها العامة والمستقلة، في الوقت الذي دقت الطبول أن عصر الطبقات قد انتهى، وان العراق أصبح لا وجود فيه للطبقة العاملة، وأن العالم الجديد الذي ترسيها الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو عالم الرفاه والحرية عبر شن الحروب والاحتلالات والثورات الملونة.لقد كان العراق ساحة خصبة لتجربة النظام العالمي الجديد وتجربة ما تسمى بالديمقراطية الأمريكية، وتجربة السوق الحرة وسياسة الليبرالية الجديدة، ورغم ذلك وفي تلك الساحة بالذات رفعت راية الشيوعية ضد تخرصات حرب واحتلال والحصار الاقتصادي الوحشي على العراق حيث قام فعّالوا ونشطاء الحزب الشيوعي العمالي العراقي باقتحام القنصلية الأمريكية في العاصمة الاسترالية سدني، وانهالوا بالطماطم والبيض الفاسد على بيل كلينتون الرئيس الأمريكي الذي قالت وزيرة خارجيته مادلين اولبرايت في جواب على سؤال لمحاورها في احد القنوات الأمريكية (أن تحقيق المصالح الأمريكية يستحق موت أكثر من ٢ مليون طفل عراقي جراء الحصار الاقتصادي)عندما ذهب لإلقاء محاضرة في مدينة تورنتو مما فر مرعوبا ليدخلوه حرسه من الأبواب الخلفية لقاعة المؤتمر، وتقوم الشرطة باعتقال عدد من أعضاء الحزب وتحويلهم إلى المحاكم، ولقنوا احمد الجلبي احد اكبر عرابي غزو واحتلال العراق درسا عندما ذهب إلى نفس المدينة للترويج لحرب أمريكا وحلفائها على العراق، حيث ولى هاربا دون رجعة هو وعصابته، وكان الجلبي في حينها قائداً المعارضة البرجوازية العراقية التي تجلس اليوم على سدة الحكم أمثال المالكي-العامري بفضل حراب المارينز الأمريكي، ويرفعون من عقيرتهم “الوطنية” في سوق المزايدة السياسية لينضموا إلى جوقة ما سموه “المقاومة والممانعة” بعد انتهاء عقد عملهم مع الاحتلال، وحيث كانوا أبطال الحرب الأهلية الطائفية هذا ناهيك عن تسليم ثلث مساحة العراق إلى عصابات داعش.انه الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي وقف كوادره وأعضائه ليهتفوا لا للحرب.. لا لأمريكا.. لا لنظام صدام حسين) أمام أبواب مؤتمر لندن عشية الغزو واحتلال العراق، حيث كان قادته الجلبي وأياد علاوي.. الخ وبحضور مسؤولي المخابرات الأمريكية والبريطانية عشية غزو العراق، وقطعت الهتافات أعمال المؤتمر، ليخرج أياد علاوي من المؤتمر غاضبا ويستخدم العبارات المشينة التي تليق بتاريخه الدموي عندما كان أحد أعضاء الحرس القومي في انقلاب شباط ١٩٦٣ وداعمي الحرب ومشاريع الاحتلال.انه الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي نحت على جدران مدينة الناصرية في عام ١٩٩٥ بكلمة (لا) كبيرة في استفتاء أجراه البعث على حكم صدام حسين، والذي نتج عنه اعتقال صف من كوادره مثل فالح مكطوف واحمد عبد الستار وآخرين والحكم عليهم بمدد طويلة، ودفعوا سنوات من عمرهم ثمن لنضالهم ضد النظام البعثي الدموي البرجوازي. انه الحزب الذي قال أنَّ الحرب واحتلال العراق يعني تدمير المدنية، وأنها مشروع لفرض التقسيم القومي والديني والطائفي على جماهير العراق. وصحت تحليلات الحزب الشيوعي العمالي العراقي، الذي رفع شعار (لا شيعية.. لا سنية.. الهوية إنسانية) (لا شيعية ..لا سنية.. الاحتلال عدو الإنسانية) عندما اندلعت الحرب الأهلية في شباط ٢٠٠٦ على إثر تفجير المرقدين العسكريين في مدينة سامراء عبر مشروعه السياسي مؤتمر حرية العراق لإنهاء الاحتلال وتقصير أيادي الإسلام السياسي، وانقذت قوته الامنية العديد من الناس الابرياء من العصابات الطائفية وحولت منطقة تواجد المؤتمر الى مكان امن لا يعرف الانسان الا بهويته الانسانية.انه الحزب الذي واجه كل مشاريع الاحتلال السياسية والاقتصادية، بدا من فرض التقسيم القومي والطائفي على جماهير العراق وسلب هويته الإنسانية، حيث ناضل عبر الدعاية لبديله الإنساني في تأسيس حكومة غير قومية وغير دينية وتعرّف البشر في العراق على أساس هويته الإنسانية، ومواجهة كل الجماعات القومية والعصابات الإسلامية وجرائمها وإفشال مخطط دق اسفين في صفوف الطبقة العاملة وتوجيه حرابها تجاه صدور بعضها، بدلا من توجيه نصال نضالها تجاه الاحتلال وعمليته السياسية وعموم الطبقة البرجوازية، ومرورا بفضح مشاريعه الاقتصادية التي انتهت بعنوان الورقة البيضاء التي تعني تنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع وخصخصة جميع المرافق التعليمية والصحية والخدمية وفرض الضرائب على العمال والموظفين والكادحين.اليوم وبعد انتفاضة أكتوبر وانتهاء مسرحية الانتخابات التي أقل ما يمكن أن توصف بأنَّها كانت مسخرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، حيث قاطعتها أكثر من ٨٢٪ من جماهير العراق بينما يقول علاوي والمطلك وهم من عرابي العملية السياسية بانَّ المشاركة لا تتجاوز ١١٪ من مجموع الشعب العراقي، وبعد مرور ما يقارب عشرة أشهر لم تُحدث أي تغيير في حياة الجماهير. وأبعد من ذلك أن أية حكومة تنبثق من العملية السياسية سواءً أكانت أغلبية أو توافقية، فلن ينقل جماهير العراق إلى بر الأمان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.لقد جربت جماهير العراق وطوال ما يقارب ستة عقود من سلطة وحكم التيارات القومية والإسلامية، ولم تظفر بغير الحروب بكل أنواعها الدولية والإقليمية والأهلية وعمليات السلب والنهب التي جرت وتجري على قدم وساق، بالإضافة إلى الاغتيالات والخطف، وممارسة كل أشكال التطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي.لقد أثبتت التجارب أنَّ تلك الأحزاب والتيارات، وخاصة التي جاءت عبر الاحتلال وعبر عمليته السياسية، بدستوره وانتخاباته وبرلمانه، أنَّها لم تكن مؤهلة أبدا في تقديم الحد الأدنى لمعيشة الجماهير ولا في تحقيق الأمن والأمان.إنَّ الشيوعية اليوم هي أكثر البدائل المطروحة والمناسبة لتحقيق الحرية والمساواة والرفاه، وان مسيرة الحزب الشيوعي العمالي وتاريخه النضالي الزاخر وخلال ما يقارب ثلاثة عقود، تبين دون شك أن طريق الشيوعية هو طريق تحقيق عالم افضل، حيث المساواة بين البشر على الصعيد الاقتصادي والذي ستنعكس بشكل مباشر على تحقيق المساواة السياسية وبدورها ستنعكس على المساواة الاجتماعية، والتي تعني بالضرورة تحقيق الحرية بكل أشكالها دون اي قيود او شروط تقف حائل أمامها، وتعني جميعها بالنتيجة رفع المستوى المعيشي للجماهير العمالية والكادحة التي تشكل الأغلبية المطلقة من جماهير العراق حيث تحقق الرفاه بالمعنى المطلق.بمناسبة تأسيس الحزب في الوقت نهنئ جميع اعضاء وكوادر الحزب والحركة الشيوعية العمالية ومؤيديها والذين يشاطرون اهدافها وتطلعاتها، في الوقت نفسه نوجه ندائنا إلى جميع كوادر وأعضاء الحزب الشيوعي العمالي العراقي بأدراك مكانة الحزب في خضم هذه الظروف السياسية، وأدراك مهامه من أجل أن تحول الحزب وبديله السياسي والشيوعية هي بديل المجتمع والطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة و التواقة للحرية والمساواة والرفاه.وفي نفس الوقت ندعو جميع العمال والكادحين والمناضلين من أجل الحرية والمساواة الانخراط في صفوف الحزب وتقويته، فطريق نضاله ومسيرته يؤدي إلى عالم يكون فيه الأنسان أثمن رأسمال كما علّمنا ماركس.
سمير عادل
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي
أواسط تموز ٢٠٢٢